دراسة موسعة تفضح تحيز الإعلام الأمريكي ضد الفلسطينيين

الجمعة 25 يناير 2019 12:01 م

تدعم دراسة صدرت الشهر الماضي من قبل "416 لابز"، وهي شركة استشارات وأبحاث مقرها تورونتو، وجهة النظر القائلة بأن الصحف الأمريكية الكبرى تصور فلسطين بصورة سلبية أكثر من (إسرائيل)، وتمنح تغطية أوسع للمصادر الإسرائيلية، وتغفل الحقائق الأساسية المفيدة لفهم الاحتلال الإسرائيلي، بما في ذلك تلك التي أعربت عنها المصادر الفلسطينية.

وتعتمد الدراسة، الأكبر من نوعها، على تحليل انحيازات ونغمة ما يقرب من 100 ألف عنوان منذ عام 1967 في أكبر 5 صحف بالولايات المتحدة، وهي: "نيويورك تايمز"، و"واشنطن بوست"، و"وول ستريت جورنال"، و"شيكاغو تريبيون"، و"لوس أنجلوس تايمز".

وتم وضع العناوين الرئيسية، التي تمتد عبر 5 عقود، في مجموعتين، واحدة تضم 17 ألف و492 من العناوين الرئيسية التي تتمحور حول الفلسطينيين، وأخرى تحتوي على 82 ألفا و102 من العناوين الرئيسية التي تتمحور حول (إسرائيل). وباستخدام تقنيات المعالجة الطبيعية للغة، قام مؤلفو الدراسة بتقييم مدى إمكانية تصنيف شعور العناوين الرئيسية على أنه إيجابي أو سلبي أو محايد. كما درسوا تواتر استخدام كلمات معينة تستحضر وجهة نظر معينة أو تصور معين.

 النتائج الرئيسية للدراسة

وجاءت النتائج الرئيسية للدراسة على النحو التالي:

  • منذ عام 1967، انخفض استخدام كلمة "احتلال" بنسبة 85% في مجموعة العناوين التي تتحدث عن (إسرائيل)، وبنسبة 65% في مجموعة العناوين عن الفلسطينيين.

  • منذ عام 1967، تراجع ذكر اللاجئين الفلسطينيين بنسبة 93%.

  • من المرجح أن يتم النقل عن المصادر الإسرائيلية أكثر بنسبة 250% من المصادر الفلسطينية.

  • تم نشر عدد عناوين تركز على (إسرائيل) أكثر بـ4 مرات من تلك التي تركز على فلسطين.

  • تظهر الكلمات التي تشير إلى العنف، مثل "الإرهاب"، 3 أضعاف كلمة "احتلال" في مجموعة البيانات حول الفلسطينيين.

  • نادرا ما يظهر اعتراف صريح بأن المستوطنات والمستوطنين الإسرائيليين غير قانونيين في كلتا المجموعتين من العناوين.

  • منذ عام 1967، لم تظهر "القدس الشرقية"، التي تميز الجزء من المدينة التي احتلته (إسرائيل) عام 1967 عن باقي المدينة، سوى 132 مرة.

  • كانت صحيفة "لوس أنجلوس تايمز" أكثر الصحف التي صورت الفلسطينيين بشكل سلبي، تليها صحيفة "وول ستريت جورنال"، ثم "شيكاغو تريبيون"، و"واشنطن بوست"، وأخيرا صحيفة "نيويورك تايمز".

  • انخفضت تغطية الصراع بشكل كبير في النصف الثاني من فترة الـ50 عاما التي شملتها الدراسة.

وفي حين تم نشر عدد من التحليلات التي تدرس كيفية تغطية بعض النوافذ الإخبارية للقضية الفلسطينية في الأعوام الأخيرة، اقتصرت على أحداث معينة، مثل الانتفاضة الأولى أو حملة "الرصاص المصبوب"، تقدم الدراسة الحالية، التي عمل عليها "عصيد صديقي" و"عويس زهير"، وجهة نظر أوسع بكثير. ويقول "صديقي": "أردنا دراسة هذه المسألة في إطار زمني أكبر بكثير. أعتقد أن ذلك يساعدنا على فهم الأنماط المختلفة في التغطية الإخبارية عبر الوقت، ويعطينا المزيد من المعلومات التي لا يستطيع الأشخاص تجاهلها أو إنكارها ببساطة".

ويشير الباحث والمفكر الفلسطيني الأمريكي "إدوارد سعيد" إلى أنه حتى مع دعم الفلسطينيين بالشرعية وسلطة القانون الدولي والقرارات والإجماع، فإن صانعي السياسة والإعلام بأمريكا رفضوا ببساطة "بحث الروابط، واستخلاص النتائج، والاقرار بالحقائق البسيطة". ولا يزال هذا الرفض يشكل الدعامة الأساسية للإعلام والسياسة الأمريكيين، بما في ذلك رفض الحقيقة المركزية بأن السرد الفلسطيني "ينبع مباشرة من قصة الوجود والتهجير من فلسطين".

لكن "الحقائق تتطلب رواية مقبولة اجتماعيا لاستيعابها واستمرارها وتعميمها. وفي الولايات المتحدة، تبدو الدعاية الإسرائيلية تغرد وحيدة"، حسبما أضاف "سعيد". وبهذا، لا تناسب الحقائق الصحف السردية مثل تلك التي شملتها الدراسة التي نتحدث عنها هنا.

وتدعم الأرقام التي كشفت عنها الدراسة وجهة نظر "سعيد" بشكل لا لبس فيه؛ حيث تظهر تحيزا ثابتا ومنتظما ضد الفلسطينيين. ويعد الأمر ثابتا لأنه يمتد على مدى 5 عقود، ويعتبر منهجيا لأن التغطية تعاطفت مرارا وتكرارا مع حاجة (إسرائيل) لتبرير احتلالها عبر السنين. وعلى سبيل المثال، بتقييم تكرار كلمات معينة في كل عقد، وجدت الدراسة ارتباطا بين العناوين الرئيسية وأهداف السياسة المعلنة لكل من (إسرائيل) والولايات المتحدة. وفي نفس الوقت، كان هناك انخفاض في ذكر الاحتلال واللاجئين الفلسطينيين والقدس الشرقية، بالإضافة إلى تصوير الفلسطينيين بشكل سلبي، بما يتماشى مع أهداف السياسة الأمريكية الإسرائيلية.

ووفقا للدراسة، "بين عامي 1967 و 1992، كان هناك ما متوسطه 1200 عنوان سنويا "تغطي كلتا المجموعتين من العناوين، "في حين بلغ متوسطها 700 فقط ​​منذ ذلك الوقت". وقد يعزى هذا الانخفاض بشكل معقول إلى كيفية قيام الصحف الأمريكية منذ ذلك الحين بتقديم الإسرائيليين والفلسطينين؛ حيث أصبحت الإشارة لهما كطرفين متساويين في مفاوضات السلام، وغالبا ما يتم تصويرهم في وسائل الإعلام باستخدام إطار "كلا الجانبين". لكن هذا الإطار "يحرم القارئ من فهم السياق"، وهو أمر أساسي لفهم الاحتلال، كما تلاحظ الدراسة. فهناك جانبان بالفعل، لكن أحدهما قوة احتلال، وهي (إسرائيل)، والآخر يعاني من احتلال أرضه، وهي فلسطين.

وهناك تشويه واضح آخر يتعلق بحصار غزة. والآن في عامه الـ11، انخفض كثيرا ذكر حصار قطاع غزة في كل من مجموعات العناوين التي فحصتها الدراسة. وفي الوقت نفسه، أصبح استخدام كلمة "حماس" من بين الكلمات الـ10 الأوائل المستخدمة في العناوين الرئيسية التي تتمحور حول الفلسطينيين، على الرغم من أن الحركة الإسلامية تأسست فقط في عام 1987. وغالبا ما يقود هذا التعتيم على الوضع في قطاع غزة، الذي حكمته "حماس" قليلا على مدى عقد من الزمان، القراء إلى ربط الإقليم المحاصر بالإرهاب والعنف.

وبالإضافة إلى جهود الضغط التي يبذلها المؤيدون لـ(إسرائيل)، فإن التحولات الأخيرة في سياسة الولايات المتحدة تجاه فلسطين يمكن أيضا أن تعزى إلى التغطية المنحازة والغياب الواضح للحقائق الذي تؤكده الدراسة. وسواء كانت محاولة تفكيك وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، أو الاعتراف الضمني بالقدس كعاصمة لـ(إسرائيل) عبر نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، فمع هذه التحولات السياسية، استمر إغفال تلك الوقائع في الصحف الأمريكية.

لكن لا يقتصر الأمر على الصحف؛ فمحطات الراديو في الولايات المتحدة مذنبة أيضا عبر إغفال الأصوات الفلسطينية.

وفي إحدى الحالات، أثناء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، صيف 2014، التي أطلقت عليه تل أبيب اسم عملية "الجرف الصامد"، والتي كانت جزءا بسيطا جدا من العدوان الذي استمر 51 يوما، (من 29 يونيو/حزيران إلى 10 يوليو/تموز)، بثت شبكة "سي إن إن" 28 مشاركة لمسؤولين حكوميين ومشاركين عاديين من الإسرائيليين، في حين قدمت ما يقرب من 40% من المشاركات أقل للمسؤولين والمواطنين الفلسطينيين، أي ما مجموعه 16 ظهور. وتسببت التغطية غير المتناسبة بشكل صارخ في إثارة جدل في ذلك الوقت؛ ما دفع شبكة "سي إن إن" للخروج ببيان زعمت فيه أن تغطيتها كانت نزيهة. وبررت ما حدث بأن مناصري وجهات النظر الفلسطينية لم يكونوا متوفرين بسهولة، ولم يكن لديهم القدرة على التنقل في المشهد الإعلامي الأمريكي.

وبالانتقال إلى نوفمبر/تشرين الثاني 2018، تحدث الأستاذ بجامعة "تمبل"، والمعلق السابق في شبكة "سي إن إن"، "مارك لامونت هيل"، في مناسبة للأمم المتحدة تحتفل باليوم الدولي للتضامن مع الشعب الفلسطيني. وفي كلمته، حث "هيل" المجتمع الدولي على "تحرير فلسطين من النهر إلى البحر"، في إشارة إلى فلسطين التاريخية. ومع إبداء تلك الملاحظة، أدانت المنظمات المؤيدة لـ(إسرائيل) مثل "رابطة مكافحة التشهير،" "هيل"، باعتباره معادٍ للسامية. وأدت الحملة التي تلت ذلك من قبل الرابطة لإقالة "سي إن إن" لـ"هيل"، الذي يعد واحدا من مشاهير المعلقين بها.

وفي أعقاب حادثة "هيل"، شاركت شخصية إعلامية أخرى قصة إقالته من محطة "سي إن إن" الدولية على "تويتر"، وهو "أحمد شهاب الدين". وفي 2015، كان "شهاب الدين" على وشك السفر إلى "أتلانتا"، مقر "سي إن إن". لكن قبل وصوله، تلقى "شهاب الدين" مكالمة من مدير البرنامج الذي كان قد قدم له الطلب، حيث قال له: "لقد تواصلنا مع المستويات العليا في الشبكة ... وعلينا أن نلغي عرضنا". وأكد "شهاب" أن أصوله الفلسطينية وكتاباته المستندة إلى الحقائق، التي انتقدت الحكومة الإسرائيلية في الماضي، هي السبب في هذا الموقف.

وبالنظر إلى نتائج الدراسة، فإن ما كشف عنه "هيل" و"شهاب الدين" يدل على أن المسألة لم تكن مسألة إمكانية الوصول، سواء في البث أو في الأخبار المطبوعة. والحقيقة، كما لاحظ "سعيد"، هي أنه عندما يتم التعبير عن نقد صادق لـ(إسرائيل)، قد تكون النتيجة كارثية. وأضاف: "لقد أصبحت مثل هذه التكتيكات أكثر شراسة على مدى الأعوام الـ30 الماضية".

لكن يبدو أن المد يتحول. فقبل أيام، افتتحت "رشيدة طليب"، أول عضوة في الكونغرس أمريكية فلسطينية، الدورة 116. وتعد "طليب" من بين المجموعة التقدمية الناشئة التي تحدت القواعد الراسخة في لعبة الإعلام والسياسة فيما يتعلق بـ(إسرائيل). وأعلنت أنها ستقود رحلة لأعضاء الكونغرس الجدد بعد حلف اليمين إلى فلسطين، في مواجهة الرحلة التي تقوم بها "أيباك" تقليديا إلى (إسرائيل). وظهرت "طليب" في ثوب فلسطيني تقليدي، وأدت اليمين أمام الكونغرس وسط حملة واسعة النطاق على وسائل التواصل الاجتماعي تحتفي بتراثها وثقافتها الفلسطينية. وكما لاحظت الباحثة والناشطة "هنا الشيخ"، فإنه "في حين تم تهميش الجالية الفلسطينية الأمريكية تاريخيا، فإن طليب واجهت ذلك الواقع، ودخلت بفخر إلى قاعات الكونغرس".

ومع نمو حركة التضامن الفلسطيني، وانتخاب "طليب"، والمصادر العديدة المتاحة للصحف التي شملتها الدراسة، فإن ذلك يطرح السؤال عما إذا كانت هذه النوافذ الإخبارية وغيرها ستواصل تشويه سجلها عبر تجاهلها الواضح للسرد والحقائق عن فلسطين.

المصدر | ضرغام أبو سالم - فلسطين سكوير

  كلمات مفتاحية

فلسطين إسرائيل أمريكا الإعلام الأمريكي رشيدة طليب سي إن إن القضية الفلسطينية