الخليج وفرنسا.. كسر الاحتكار الاستراتيجي

الثلاثاء 12 مايو 2015 08:05 ص

كان تشريفاً لافتاً وكبيراً ذاك الذي حظي به الرئيس الفرنسي فرانسوا أولاند عندما حل ضيفاً على الرياض في 5 مايو الجاري، حيث كان أول رئيس دولة غربي تُوجه إليه دعوة حضور اجتماع مجلس التعاون لدول الخليج العربية، وهو دليل واضح على مدى التقارب الحاصل حالياً في العلاقات بين فرنسا ودول الخليج والذي جاء نتيجة عدد من التحولات والمستجدات.

كان أولها قدوم الرئيس أولاند نفسه إلى سدة الرئاسة ليستكمل ما كان قد بدأه الرئيس السابق، نيكولا ساركوزي، هذا الأخير يعاب عليه في دوائر السياسة الفرنسية وحتى الخليجية ميله الواضح لقطر على حساب الدول الأخرى، الأمر الذي حاول أولاند إصلاحه بإعادة التوازن إلى العلاقات الفرنسية الخليجية وإيلاء الأهمية إلى السعودية والإمارات، دون التفريط في العلاقة المتميزة مع الدوحة.

وبالطبع سهل من هذا التوازن في العلاقات الفرنسية الخليجية أجواء المصالحة التي تسود بين السعودية والإمارات وبين قطر بعد التوتر الذي كان قد اعترى العلاقات بينهما في الآونة الأخيرة على خلفية التباين في وجهات النظر تجاه القضايا الإقليمية، فكان أن لجمت قطر من حدة مساندتها للإخوان المسلمين في مصر، وخففت انتقاداتها للنظام الجديد في القاهرة، ولا ننسى أيضاً التقارب الحاصل في الملف السوري بين الأقطاب الخليجية والتوافق بين دولها على ضرورة مغادرة الأسد للسلطة.

ومن جهة أخرى يمكن تفسير التقارب الفرنسي الخليجي الأخير، الذي جاءت مشاركة أولاند في القمة الخليجية التشاورية لتؤكده بالمناخ الاستراتيجي الخاص الذي يعم المنطقة في هذه المرحلة، فقد أدركت بلدان المنطقة، وخاصة بلدان الخليج العربي، المواقف المتشددة التي تبنتها فرنسا خلال المفاوضات النووية الجارية مع إيران، وحرصها الواضح على الضمانات الكافية في الملف النووي حتى لا تتمكن إيران من خداع المجتمع الدولي وامتلاك السلاح النووي.

هذا في الوقت الذي لم تخفِ فيه الدول الخليجية شكوكها إزاء الموقف الأميركي، وتحديداً إدارة الرئيس أوباما التي يبدو أن همها الأول إحراز تقدم في الملف النووي مع إيران وتحقيق اختراق دبلوماسي أخير ينهي به أوباما ما تبقى من ولايته، ومن هنا الخوف من أن تنجرف الإدارة الأميركية وراء البحث عن إنجاز دبلوماسي تقدم فيه تنازلات كبيرة لإيران وتضحي بأمن الخليج.

بيد أن العلاقات الخليجية الفرنسية لا تنحصر فقط في البعد الاستراتيجي المهم، بل تمتد أيضاً إلى ما هو اقتصادي، حيث تجري حالياً المفاوضات بين الشركات الفرنسية ودول المنطقة لإبرام عقود مدنية مجزية لإنجاز مشاريع البنية التحتية التي تستثمر فيها البلدان الخليجية بكثافة، إذ لا يمكن أبداً حصر التعاون الاقتصادي في شقه العسكري وتسويق طائرات «رافال» الفرنسية، بل هناك أيضاً الشق المدني وما يحتويه من فرص للشركات الفرنسية.

وأمام هذا التقارب اللافت بين فرنسا ودول الخليج العربية، برز سؤال مهم بشأن ما إذا كان هناك تنافس بين الدورين الفرنسي والأميركي في المنطقة، وما إذا كانت فرنسا ستستفيد من علاقات الصداقة مع المنطقة على حساب الولايات المتحدة، الحقيقة أنه لا أحد ينكر الشعور بالخيبة لدى دول الخليج تجاه أميركا، لا سيما فيما يتعلق بالضمانات الأمنية التي ما عادت تحظى بمصداقية بعد التقارب الأميركي- الإيراني، وأيضاً قبل ذلك عندما سارعت واشنطن في التخلي عن نظام حسني مبارك في مصر وتعاملها مع "الإخوان المسلمين"، لكن ما يهم الخليجيين بدرجة أكبر هو الاتفاق النووي مع إيران الذي تراه دول المنطقة خطراً، لأنه سيطلق يد إيران في الخليج،

ويشجعها على المضي قدماً في سياسة التوسع وزعزعة استقرار الدول المجاورة، وهي قراءة تسير عكس ما تعتقده الإدارة الأميركية من أن الاتفاق النووي من شأنه إدماج إيران في النظام الدولي ودفعها أكثر نحو الاعتدال. ويبدو أن دول الخليج تستند في قراءتها على تصريحات المسؤولين الإيرانيين أنفسهم التي أشاروا فيها إلى وجود منطقة نفوذ إيرانية تضم بالإضافة إلى العراق كلا من سوريا ولبنان واليمن.

هذا في الوقت الذي لم تظهر فيه الولايات المتحدة الحزم اللازم تجاه الوضع في سوريا، حيث تركت الحرب تشتعل وتتفاقم، فيما تراجع البيت الأبيض عن خطوطه الحمراء تجاه نظام الأسد، ولم يحرك ساكناً.

لكن إن كانت فرنسا غير قادرة فعلياً على الحلول مكان أميركا في الخليج واستبدالها بالنظر إلى قدرتها المتوسطة، إلا أن الرسالة الفرنسية كانت واضحة بأنها تستطيع الوقوف إلى جانب دول الخليج وتفهم مطالبها، كما أن التقارب الفرنسي الخليجي ينطوي على رسالة مهمة من دول المنطقة إلى أوباما مفادها أنها ليست مضطرة للاعتماد المطلق على أميركا، بل تستطيع إيجاد شركاء آخرين خارج نطاق الاحتكار الاستراتيجي الأميركي للمنطقة.

  كلمات مفتاحية

فرنسا فرانسوا أولوند دول الخليج القمة الخليجية التشاورية أميركا التقارب الفرنسي الخليجي الاحتكار الاستراتيجي الأميركي

فرنسا تخترق التحالفات التقليدية لمجلس التعاون

العلاقات الفرنسية الخليجية تتقدم

«ميدل إيست آي»: فرنسا .. الصديق الجديد المفضل لدول الخليج