هل ستطلق روسيا وتركيا نموذج أستانا في ليبيا؟

الثلاثاء 7 يناير 2020 02:04 م

سيتوجه الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين" إلى إسطنبول يوم 8 يناير/كانون الثاني الجاري. ومع أن زيارة "بوتين" مخطط لها رسمياً لإطلاق خط أنابيب السيل التركي للغاز الطبيعي، والذي يمتد من روسيا إلى تركيا، لكن "بوتين" سيناقش أيضًا مع الرئيس "رجب طيب أردوغان" التعاون الاقتصادي والعسكري بين البلدين، وكذلك ملفي سوريا وليبيا.

وقد ذكر "المونيتور" سابقًا أن موسكو وأنقرة تفكران في صفقة محتملة بشأن ليبيا، وفقًا لمصادر في وزارتي الخارجية والدفاع الروسية.

ومن المرجح أن تكرر الصفقة "نموذج أستانا"، الذي طبقته تركيا وروسيا وإيران على التسوية في سوريا. ولعل الهدف من جهود موسكو وأنقرة هو التقليل إلى أدنى حد من تأثير القوى الإقليمية وغير الإقليمية وتأسيس نفسيهما كفاعلين رئيسيين في الصراع الليبي. وهذا من شأنه تلبية طموحاتهم في المطالبة بوضع جديد في مركز القوة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

حصلت موسكو على فوائد كبيرة في السياسة الخارجية من خلال حملتها العسكرية في سوريا. ويمكن القول إن أحد أهم إنجازاتها هو تغيير الكرملين للنظرة الدولية إليه، نظرًا لأنه كان ينظر إليه -وهي نظرة محقة في ذلك- كطرف في النزاع، فيما أصبحت روسيا مقبولة الآن كوسيط في النزاع، وجعل "بوتين" من نفسه الشخص الذي يمكنه التوصل إلى حلول وسط وفرض قرارات سياسية تجاه عملية سلام.

وقد جعل هذا روسيا وسيطًا مرغوبًا فيه في النزاعات الإقليمية الأخرى. ولا تمانع السعودية، على سبيل المثال، في أن تتوسط روسيا في النزاع في اليمن، شريطة مراعاة المصالح السعودية على النحو الواجب. وقد اتصلت كل من مصر والإمارات بروسيا للحصول على دعمها لجدول أعمالهما في ليبيا.

حتى الآن، وبينما كانت روسيا على استعداد للمساعدة في تسوية هذه الأزمات، تهربت من لعب دور مباشر ومفتوح في اليمن وليبيا. استحوذ الصراع في سوريا على نصيب الأسد من اهتمامها، حيث منعت التطورات في إدلب وشمال شرقي سوريا، موسكو من توجيه مواردها المحدودة في اتجاهات أخرى.

ومع ذلك، فإن القوة والثقة التي اكتسبتها روسيا بين أصحاب المصلحة الإقليميين بحملتها في سوريا بدأت تنفد. وللحفاظ على دورها كلاعب إقليمي رئيسي، تشعر روسيا أن عليها الاستمرار في العمل. هذا لا يعني فقط اقتراح مبادرات عامة، مثل مفهوم الأمن الخليجي الذي قدمته موسكو في يوليو/تموز 2019، ولكن للمساهمة عملياً في حلول الأزمات الإقليمية الأخرى.

وبالنظر إلى أن دور وسياسات كل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي المشكوك فيها وغير الحاسمة، على التوالي، فهذه فرصة لموسكو لتصميم هيكلها الأمني الخاص بها قبل أن تتمكن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي من توحيد جهودهما. ويبدو أن كل هذا قد دفع صناع السياسة الروس إلى التحرك بشكل أكثر استباقية على الجبهة الليبية.

على عكس اليمن، تتضح المصالح الروسية في ليبيا بشكل أوضح. وتأمل روسيا في استعادة عقود بناء النفط والسكك الحديدية التي فقدتها بعد سقوط "معمر القذافي". وتعد ليبيا أيضًا موقعًا استراتيجيًا، كمصدر طاقة وثيق لأوروبا ومصدر للهجرة غير الشرعية إلى الدول الأوروبية. وإذا حصلت روسيا على موطئ قدم في ليبيا، فستحصل موسكو على نفوذ جديد في علاقاتها مع الغرب، وخاصة الاتحاد الأوروبي.

في التعامل مع ليبيا، لم تتغلب روسيا بعد على بعض عناصر نموذجها في سوريا عندما تعمل كطرف في النزاع ووسيط. إن اللحظة التي أصبحت فيها روسيا "وسيطًا خالصًا" لا تزال غير موجودة، مما يعني أنه سيتعين على روسيا أن تتخلى عن دورها كوسيط من خلال الانخراط أولاً مع طرف واحد متحارب.

هذا النموذج، الذي تم اختباره في سوريا، قد يزود روسيا بالنتائج التي تسعى إليها. ومع ذلك، فإنه يعمق روسيا في الصراع وقد ينطوي على مخاطر أكبر. وقد يشمل ذلك خسارة الطرف الذي تدعمه موسكو إذا عانى "حفتر" من الهزيمة في طرابلس، أو إذا فشلت موسكو وأنقرة في إيجاد حل وسط من شأنه أن يعزز أو على الأقل يسمح لـ"حفتر" بحفظ ماء الوجه.

على عكس سوريا، حيث لم يكن لدى موسكو خيار آخر سوى دعم "بشار الأسد"، لم يكن دعم روسيا لـ"حفتر" مقدراً. لقد تشكل التعاون الوثيق مع "حفتر" إلى حد كبير بمبادرة "حفتر" الخاصة مع الروس. على سبيل المثال، اعتبار حفتر كـ"قذافي" جديد ربما طمأن الكرملين بأن دعمه كان وسيلة للتغلب على تأنيب ضميرهم بسبب الإطاحة بـ"القذافي"، حيث يشعر البعض في الحكومة الروسية أن نهاية "القذافي" أصبحت ممكنة بعد امتناع موسكو عن التصويت على قرار إنشاء منطقة حظر طيران في ليبيا. علاوة على ذلك، وعد "حفتر" والقوات الموالية له بعقود مربحة لبعض أباطرة النفط الروس الأقوياء.

من خلال طباعة النقود لصالح "حفتر" ونشر المتعاقدين العسكريين الخاصين أولاً، تم تشكيل لوبي مؤيد لـ"حفتر" في موسكو. وسرعان ما توسع نطاق أنشطة المنطقة الرمادية ليشمل نشر مرتزقة إضافيين واستخدام "شركات النقل الجوي المشبوهة"، أو شركات الخدمات اللوجستية الجوية، التي تثري أنشطتها في ليبيا صفقات أصحابها الروس.

في الوقت نفسه ، من خلال دعم "حفتر" تدريجياً، تمكنت الوحدات الروسية -سواء كانت مرتبطة بالحكومة أو خاصة- من السيطرة على الخدمات اللوجستية للجيش الوطني الليبي. وقدمت الوحدات الروسية أجزاء تكميلية لأسلحة "الجيش الوطني الليبي"، كما قدمت التدريب العسكري وتخطيط العمليات، وحراسة القادة البارزين والبنية التحتية الاستراتيجية.

كل هذا يجعل "حفتر" يعتمد بدرجة أكبر على موسكو، هذا قد يثبت في وقت لاحق أنه مفيد لروسيا إذا قررت ممارسة المزيد من الضغط عليه من أجل الحوار السياسي مع رئيس الوزراء "فايز السراج".

وبهذا المعنى، لا يسعى دعم روسيا لـ"لجيش الوطني الليبي" إلى أن يحقق "حفتر" انتصارًا بحد ذاته، بل تأمين نفوذ على صنع القرار في النزاع.

ومن المثير التفكير حول المسار الذي كانت ستتبعه علاقات موسكو مع طبرق إذا كانت طرابلس قد تصرفت بطريقة أكثر نشاطًا تجاه روسيا. فحتى الآن، فشلت حكومة "السراج" في تقديم شروط مربحة بما فيه الكفاية لموسكو للتعاون، كما أنها لم تستمر في سعيها لجلب اللتعاطف الروسي.

ومع ذلك، ومع إدراك روسيا للمخاطر التي قد يتحملها الدعم لجانب واحد وهو "الجيش الوطني الليبي"، لا يزال الكرملين مستعدًا للتواصل مع "السراج". في الأسابيع الأخيرة، تم بالفعل تعزيز الاتصالات الثنائية بين موسكو وطرابلس.

لقد اعتمدت تركيا في تأمين مصالحها الخاصة على حكومة "السراج" المعترف بها دولياً وتسعى الآن إلى تعزيز موقفها بنشر قوات عسكرية إضافية. وهذا بدوره يجعل "السراج" أكثر اعتماداً على أنقرة، التي لن يتمكن من تجاهل موقفها السياسي.

إذا ضغطت كل من روسيا وتركيا على الأطراف المتحاربة، فقد تكون عملية السلام في ليبيا ممكنة. ومع ذلك، قد يتم عرقلة هذه الجهود عن طريق لاعبين أقوياء آخرين في النزاع الليبي. لذلك، تسعى كل من روسيا وتركيا إلى تعزيز مبادراتهما بدعم من لاعبين إقليميين آخرين مثل تونس ومصر والجزائر.

ومن خلال توحيد الجهود، قد تصل روسيا وتركيا إلى أهدافهما الجيوسياسية بطريقة أكثر فعالية مما لو اتبعت هذا المسار بمفردها. كان هذا هو الحال في سوريا، ومن المحتمل أن يكون هذا هو الحال في ليبيا.

المصدر | المونيتور - ترجمة الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

العلاقات التركية الروسية أستانا قوات حفتر حكومة الوفاق الليبي

الصدام المستبعد بين روسيا وتركيا في ليبيا

الشرعية المفقودة.. لهذا السبب ستتواصل محادثات أستانا حول سوريا رغم تعثرها