هكذا يكشف اغتيال الهاشمي تعقيدات السياسة العراقية

الثلاثاء 21 يوليو 2020 12:20 م

لقي الدكتور "هشام الهاشمي" مصرعه، وهو خبير أمني عراقي شهير، على أيدي مسلحين خارج منزله في بغداد في 6 يوليو/تموز، بعد ساعة واحدة من ظهوره على شاشة التلفزيون.

وقال أحد أفراد الأسرة إن رجالا على دراجات نارية توقفوا وأطلقوا عليه 5 أعيرة نارية، وتوفي في وقت لاحق في المستشفى.

واندلعت ضجة كبيرة عبر العراق، وتسبب حادث الاغتيال في حالة صدمة في معظم أنحاء العالم. وغمرت التعليقات المتعاطفة والحزينة وسائل التواصل الاجتماعي، وشهد على تأثير "الهاشمي" عدد لا يحصى من الناس.

وكشف الغضب الشعبي أيضا عن الجدل المحيط باغتياله. وأظهر السياسيون والسفراء والدبلوماسيون البارزون المخاوف. وأدانت منظمات أخرى، بما في ذلك منظمة التعاون الإسلامي، الاغتيال، وطلبت من الحكومة العراقية تقديم الجناة إلى العدالة.

واعتبر العديد من العراقيين "الهاشمي" بطلا قوميا حقيقيا، لمس الكثير من الناس الذين قابلهم، وكان معروفا بشخصيته اللطيفة وعمق معرفته.

وشعر العديد من زملائه وأصدقائه ومعارفه خارج العراق بنفس الطريقة. وبدا دائما أنه لا يدخر وقتا أو جهدا في مساعدة أي شخص يحتاج إلى المساعدة والاستفادة من معرفته.

وكتب "توبي دودج" الأستاذ في كلية لندن للاقتصاد وصديق "الهاشمي": "سيُذكر هشام كمضيف كريم، سواء بتدخين السيجار على شرفة فندق بابل أو تناول المسكوف في مطعمه المفضل في وسط بغداد. لقد كان يقدر متعة الحياة، والطعام الجيد، والشراكة الجيدة، ودائما ما يقول النكات، ويريح الناس، ويشرح ما يجري في بغداد المحبوبة إلى قلبه".

وأصبح "الهاشمي" الخبير في السياسة العراقية، متخصصا في أخبار تنظيم "الدولة الإسلامية"، بعد صعوده في العراق عام 2014. وبعد الحملة العسكرية ضد التنظيم، حوّل "الهاشمي" تركيزه إلى الميليشيات الشيعية، حيث كانت فيما بعد القوات الأكثر هيمنة. كما ظهر بشكل متكرر على القنوات الإخبارية المحلية والدولية، وكثيرا ما سعى الدبلوماسيون والصحفيون والمسؤولون الحكوميون إلى مقابلته.

وبالرغم من تصوير وسائل الإعلام الشعبية للعراق كدولة طائفية، فقد كسر "الهاشمي" هذه الصورة النمطية، حيث كان محبوبا من قبل الشيعة والسنة العراقيين على حد سواء.

ومنذ مقتله، جمع المانحون الدوليون أكثر من 50 ألف دولار أمريكي لدعم أسرته.

وكان "الهاشمي" أكثر من مجرد عقل لامع، بل كان ملتزما بشدة بالإصلاح داخل بلاده، وكان معروفا بانتقاده للفساد داخل العراق.

وفي اليوم السابق على مقتله غرد "الهاشمي"، قائلا: "لقد ضاعت حقوق العراقيين ودماؤهم وكرامتهم، وذهبت أموالهم إلى جيوب السياسيين الفاسدين".

ودعم "الهاشمي" الاحتجاجات التي بدأت في أكتوبر/تشرين الأول 2019 ضد سوء الإدارة من قبل الحكومات المتعاقبة في العراق. وتسبب ذلك في حدوث شقاق بينه وبين الفصائل المدعومة من طهران، التي سيطرت بشكل متزايد على العراق منذ الغزو الذي قادته الولايات المتحدة عام 2003 وسقوط "صدام حسين".

وأدان "الهاشمي" بشكل خاص قوات الحشد الشعبي المدعومة من إيران، التي تم إنشاؤها عام 2014 لمواجهة تنظيم "الدولة الإسلامية"، وتلقت تمويلا إيرانيا.

وبالرغم من أن الحشد الشعبي أبدى تعاطفا مع وفاته، فقد تم النظر إلى الفصيل باعتباره أحد الفصائل التي قد تكون متورطة.

وقال رجل أعمال في العراق، طلب عدم الكشف عن اسمه، إن "الهاشمي" تعمق في تمويل الجماعات الموالية لإيران في يونيو/حزيران.

وبالرغم من عدم إعلان أي فصيل مسؤوليته، قال "الهاشمي" سابقا إنه تلقى تهديدات بالقتل من "كتائب حزب الله"، التابعة لـ"الحشد الشعبي"، ويعتبرها بعض العراقيين مرتكبة الجريمة.

وفي اليوم التالي لمقتل "الهاشمي"، وضع المتظاهرون العراقيون صورة للمرشد الأعلى الإيراني "علي خامنئي"، مع دم حول فمه في ميدان التحرير ببغداد.

وتوجد معارضة كبيرة للنفوذ الإيراني في البلاد، ومن الواضح أن مقتل "الهاشمي" قد زاد من تأجيجه.

ووعدت الحكومة العراقية الحالية باتخاذ إجراءات حازمة لكشف ملابسات قتل "الهاشمي". وألقى رئيس الوزراء "مصطفى الكاظمي"، الذي عمل مع "الهاشمي" خلال فترة عمله كمستشار للأمن القومي حتى وصوله إلى منصبه الحالي، باللوم على "الجماعات خارج القانون".

وقال "الكاظمي" في بيان: "نتعهد لقتلته بأننا سنلاحقهم، لكي يعاقبوا بشكل عادل". وأضاف: "لن نسمح للاغتيالات بالعودة إلى العراق لثانية واحدة".

وفي إشارة إلى احترام أسرة "الهاشمي"، قال "الكاظمي" في 8 يوليو/تموز: "أولئك الذين يخافون من كلمة لا، لا يمكن وصفهم إلا بالجبناء. لم يفعل هشام شيئا سوى محاولة مساعدة العراقيين من خلال كلماته"، بينما كان يعانق "الكاظمي" أبناء "الهاشمي" الثلاثة "عيسى" و"موسى" و"أحمد".

ومع ذلك، لم يذكر رئيس الوزراء أي جناة محتملين بشكل مباشر، ما يشير إلى نفوذ إيران المستمر على البلاد. وكان ذلك مصدر قلق واسع؛ فبالرغم من الإدانة الواسعة، يتم بذل أي جهود لتعقب الجناة.

وسارع وزير الخارجية الأمريكي "مايك بومبيو" إلى تسليط الضوء على إيران، بالنظر إلى التوترات بين الولايات المتحدة وإيران، والعقوبات القاسية التي تفرضها واشنطن على طهران في حملتها "أقصى ضغط".

وقال "بومبيو" في مؤتمر صحفي في واشنطن: "تنضم الولايات المتحدة إلى الدول الشريكة في الإدانة الشديدة لاغتياله ودعوة الحكومة العراقية لتقديم مرتكبي هذه الجريمة الرهيبة إلى العدالة بسرعة".

لكن مثل هذه القوى، التي يشعر العراقيون برغبتها في السيطرة على بلادهم واستغلالها، تقمع حرية التعبير بشكل متزايد.

وكما عبر أحد المراقبين على "تويتر"، فقد كان على "الهاشمي" الاختيار بين تغيير وجهات نظره أو القتل. ويكشف هذا القيود الصارمة على الآراء الناقدة والمستقلة، والعقاب الذي ينتظر من يخالف ذلك.

وقال الكاتب السياسي المتخصص في شؤون الشرق الأوسط "فنار حداد"، إن القتل كان ردا على الغارة التي شنتها قوات الأمن العراقية على "كتائب حزب الله" في يونيو/حزيران. وقال "حداد" إنه يتوقع أنه سيكون هناك نوع من "الحل المنقذ للوجه" بعد موجة الإدانات.

وقال: "هكذا تعمل عادة السياسة العراقية".

وقال السفير البريطاني في العراق "ستيفن هيكي" إن المملكة المتحدة وشركاء دوليين آخرين سيعملون على تعزيز قوات الأمن العراقية لمساعدتها على تحقيق العدالة.

لذلك، أكد بعض المحللين على أهمية تقديم مساعدة مباشرة للمؤسسات الأمنية في العراق، بدعم من حكومة مستقلة عن الميليشيات.

وفي حديثه للمعهد الإيطالي لدراسات السياسة الدولية، قال "رانج علاء الدين" من معهد "بروكينجز": "إن اغتيال هشام الهاشمي يرمز إلى حجم المهمة التي تواجه الإصلاحيين والمتظاهرين. ما رأيناه هو تتويج للفشل طويل الأمد والإهمال وتدهور أوضاع الناس في جميع أنحاء المنطقة".

المصدر | جوناثان هارفي - إنسايد أراببيا - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

هشام الهاشمي عملية اغتيال مصطفى الكاظمي

العراق يصدر أحكام إعدام ضد قتلة المتظاهرين والنشطاء

الكاظمي يعلن القبض على قتلة الباحث العراقي هشام الهاشمي