استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

المطلوب علاج المرض لا أعراضه

الخميس 29 يوليو 2021 11:09 ص

المطلوب علاج المرض لا أعراضه

لا يبقى إلا المجتمع المدني العربي أملا أخيرا لبناء الإرادة والضغط على أنظمة الحكم للدخول في عملية بناء تلك الإرادة.

هناك حاجة لقوى شجاعة وكفؤة بالمجتمع العربي لوضع تصور فكري واستراتيجي وتنظيمي لذلك المشروع وطرحه وقيادة الانتقال إليه.

المرض العربي هو غياب مفجع لإرادة عربية قومية مشتركة تقف ضد من يهدد أي جزء من الوطن العربي وتتكاتف لمساعدة أي قطر في محنة.

متى ننتقل من الدوران حول الأعراض لمعالجة المرض العربي المسبب لكل الأعراض كخطوة أولى في الاستجابة الحضارية للتحدي الحضاري الذي نواجهه؟

لا يمكن مع الأسف الاعتماد على أنظمة الحكم العربي لبناء الإرادة وتنظيمها وتفعيلها في الحياة العربية. فالصراعات فيما بين بعضها من أسباب غياب الإرادة.

*     *     *

للمؤرخ البريطاني الشهير أرنولد توينبي تفسير لتاريخ الحضارات البشرية يتمثل في وجود التحدي الحضاري يحتاج لتصحيحه وإرجاع ألقه وحيويته إلى رد فعل حضاري (الاستجابة).

لقد حضرت، خلال هذا الأسبوع، لقائين على شبكة التواصل الإلكتروني: أحدهما يتعلق بالوضع الحالي للبحث العلمي ومؤسساته في الوطن العربي والثاني يتعلق بانعكاسات إشكالية بناء سد النهضة الإثيوبي على نهر النيل على الأمن المائي في مصر والسودان.

وخرجت بانطباع، يتكرر عندي بعد حضور كل مؤتمر فكري سياسي أو اجتماعي – اقتصادي، مؤداه أن النخب العربية تظل تدور في حلقة الاهتمام بأعراض المرض العربي الأساسي، وصفاً وعلاجاً جزئياً سطحياً وبكائيات لا تنتهي، دون أن تتوجه للمرض نفسه، تشخيصاً علمياً وعلاجاً شاملاً بأنجح الوسائل مهما كان ثمن ذلك العلاج والآلام المصاحبة له.

فالحديث عن زيادة ما يصرف من أموال على البحث العلمي أو إجراء إصلاح هنا أو هناك لن يؤدي إلى نتيجة إذا كانت البيئة الإجتماعية بكل مكوناتها طاردة لكل متطلبات البحث العلمي.

ذلك أن الارتفاع الكبير في نسبة الأمية في الكثير من أقطار الوطن العربي، وفي أعداد الأطفال الذين لا يجدون مدارس ويعيشون في مخيمات البؤس والجوع في شتى الأقطار الكبيرة المنكوبة، والتراجع في مستوى وكيفية التعليم الذي تشير إليه الكثير من التقارير المحلية والدولية.

والدمار الأمني والاقتصادي والاجتماعي الذي طال جزءاً هائلاً من الوطن العربي وأوصله إلى حافة الفقر المدقع، وتعاظم هجرة المتعلمين والأخصائيين والعلماء العرب إلى خارج الوطن العربي هرباً من تلك الأوضاع أو مطاردة من قبل قوى الأمن!

كل ذلك يجعل من الحديث عن البحث العلمي ملهاة لا معنى لها، إذ من المستحيل القيام بالبحوث، وإيجاد القوى المبدعة المدربة للقيام بها والإستفادة من نتائج البحوث في الصناعة والزراعة والثقافة وتنظيم المجتمع، في بيئة مجتمعية بائسة كالتي تعيشها أغلب المجتمعات العربية.

والأمر نفسه ينطبق على موضوع سد النهضة. إنه هو الآخر عارض من أعراض مرض خطير، تماماً كالعجز أمام حصار وتجويع الشعب العربي السوري وسرقة بتروله وغازه من قبل أمريكا وتركيا، وتماماً كما تفعل تركيا بنهري دجلة والفرات في العراق وسوريا.

وتماماً كما تتدخل إيران في الأوضاع العراقية المحلية، وتماماً كما تستبيح الولايات المتحدة الأمريكية كل ساحات الحياة العربية، وتماماً كما تفعل السلطات الصهيونية في فلسطين نهباً للأرض والماء وتدميراً لكل مظاهر الحياة الفلسطينية المادية والمعنوية… إلخ… إلخ…. من قائمة تزداد يومياً في قتامتها وأخطارها.

إذن فالحديث عن أخطار سد النهضة والعجز العربي أمامه والدخول في مناقشات قانونية وفذلكات سياسية دولية هو حديث عن أعراض مرض أساسي عربي يقف وراء كل تلك الأعراض.

ذلك المرض يتمثل في غياب مفجع لإرادة عربية قومية مشتركة تقف في وجه كل من يهدد أي جزء من الوطن العربي، وتتكاتف من أجل مساعدة أي قطر في محنة، وتفعّل كل الأدوات والمؤسسات القومية المشتركة، وتبني أنواعاً جديدة حديثة منها.

في الوقت الحالي لا يمكن مع الأسف الاعتماد على غالبية أنظمة الحكم العربي من أجل بناء تلك الإرادة وتنظيمها وتفعيلها في الحياة العربية. فالصراعات فيما بين بعضها هو أحد أسباب غياب تلك الإرادة.

ولا يبقى إلا المجتمع المدني العربي كأمل أخير لبناء تلك الإرادة والضغط على أنظمة الحكم للدخول في عملية بناء تلك الإرادة. لكن هناك حاجة لقوى شجاعة وكفؤة في ذلك المجتمع المدني العربي لوضع تصور فكري واستراتيجي وتنظيمي لذلك المشروع وطرحه وقيادة الانتقال إليه.

عند ذاك سننتقل من الدوران حول الأعراض إلى معالجة المرض العربي المسبب لكل تلك الأعراض. وذلك هو الخطوة الأولى في الاستجابة الحضارية على التحدي الحضاري الذي نواجهه.

* د. علي محمد فخرو سياسي ومفكر بحريني

المصدر | الشروق

  كلمات مفتاحية

عرب، القومية، المجتمع المدني، توينبي، سد النهضة، التحدي، الاستجابة، إرادة، أعراض،