تجاهل لافت للشرق الأوسط.. ماذا بعد قمة بايدن للديمقراطية؟

الجمعة 17 ديسمبر 2021 09:08 ص

لم تحقق قمة الديمقراطية التي أطلقها الرئيس الأمريكي "جو بايدن" النجاح المنتظر، حيث لم تفِ بوعد الحملة الانتخابية الذي قطعه "بايدن" بتعديل المسار بشكل حاسم بعد 4 أعوام من التراجع الديمقراطي والعلاقات الأمريكية الدافئة مع المستبدين في عهد الرئيس السابق "دونالد ترامب".

وبالنظر إلى هدف الإدارة المحدد مسبقا، كان للقمة تأثيرها بالتأكيد فقد كانت دعوة واضحة لدعم الديمقراطية في العالم في مواجهة ما يشير إليه "فريدوم هاوس" بأنه العام الـ15 على التوالي من التراجع في الديمقراطية على مستوى العالم. كما أن القمة أشارت إلى بعض الاستراتيجيات العملية لمكافحة صعود الاستبداد.

ووجه المؤتمر أصابع الاتهام لروسيا والصين بشكل غير مباشر، وكان ذلك أحد الأهداف الرئيسية للمؤتمر. في المقابل، أصدرت الخارجية الروسية بيانا استنكرت فيه القمة، وانتقدت إخفاقات الديمقراطية في الغرب. فيما وصفت الصين المؤتمر بأنه "مزحة". وتعاون سفيرا البلدين لدى الولايات المتحدة في مقال رأي مشترك نادر لصحيفة "ذا ناشونال إنترست" يستنكر القمة باعتبارها نتاج "عقلية الحرب الباردة" التي لا يمكن إلا أن "تؤجج المواجهة الأيديولوجية والشرخ في العالم".

لكن القمة فشلت في لفت الانتباه إلى تراجع الحرية وتفاقم انتهاكات حقوق الإنسان في الشرق الأوسط. وتمت دعوة دولتين فقط من المنطقة لحضور المؤتمر وهما إسرائيل والعراق، وكلاهما ديمقراطيات معيبة للغاية. وتم استبعاد حلفاء الولايات المتحدة الرئيسيين مثل السعودية ومصر والإمارات، وجميع الأنظمة القمعية الأخرى، وهو أمر مفهوم، لكن كان من اللافت أنه نادرا ما تمت الإشارة إلى هذه الدول خلال المؤتمر.

وقد يكون هذا منطقيا في ضوء هدف القمة وهو دعم الديمقراطية حيث توجد بالفعل وإظهار تفوق الديمقراطية كمحرك للتقدم الاقتصادي والسياسي. ولم يكن القصد، إلى حد كبير، توجيه انتقادات لدول محددة بعينها. لكن مع عدم التركيز على منطقة من العالم يصنفها "فريدوم هاوس" على أنها الأقل حرية على وجه الأرض، فشلت القمة في الدفاع عن الديمقراطية في الأماكن التي تشتد الحاجة إليها.

ماذا أنجزت القمة؟

ركزت القمة على 3 محاور رئيسية هي: مواجهة الاستبداد، ومحاربة الفساد، وتعزيز حقوق الإنسان.

وناقشت الجلسات العامة الاستبداد التكنولوجي والرقمي، ودور القطاع الخاص في تعزيز الديمقراطية، ودعم المدافعين عن حقوق الإنسان، ودور المرأة، وإجراءات مكافحة الفساد، وغيرها من القضايا.

ومن المتوقع أن تُعقد قمة ثانية في أواخر عام 2022 أو أوائل عام 2023. وفي الفترة الفاصلة بين القمتين، يُتوقع من جميع المشاركين في القمة "تقديم التزامات عامة ذات مغزى" لتعزيز الديمقراطية وحقوق الإنسان وإجراءات مكافحة الفساد محليا ودوليا.

وكان من بين نتائج القمة التزام الولايات المتحدة بإطلاق مبادرة رئاسية جديدة للتجديد الديمقراطي تتضمن 424.4 مليون دولار لجهود الولايات المتحدة لتعزيز الديمقراطية محليا وخارجيا، و30 مليون دولار لدعم وسائل الإعلام المستقلة، و33.5 مليون دولار لمبادرة القيادة للنساء، و5 ملايين دولار لصندوق يدعم "مجتمع المثليين".

وأعلنت وزارة الخارجية عن "استراتيجية أمريكية جديدة لمكافحة الفساد"، تتضمن تعيين منسق لوزارة الخارجية للجهود العالمية لمكافحة الفساد.

أصوات قليلة من الشرق الأوسط

وبينما استمع المشاركون إلى مجموعة واسعة من الآراء من أوروبا وأفريقيا وآسيا وأماكن أخرى، كانت الأصوات من الشرق الأوسط قليلة. وتضمن البرنامج الرسمي اثنين فقط، هما الأردني "زيد رعد الحسين"، الذي كان يتحدث بصفته رئيسا ومديرا تنفيذيا لـ"معهد السلام الدولي"، و"محمد زارع"، مدير "مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان".

وكان "زارع" هو المصري الوحيد والمدافع العربي الوحيد عن حقوق الإنسان الذي شارك في القمة. وكان لافتا أنه يستطيع المشاركة أصلا؛ حيث يخضع لحظر سفر وتجميد أصول من قبل الحكومة المصرية بسبب عمله. ويوجد في مصر وحدها أكثر من 60 ألف سجين سياسي، وتواصل دول المنطقة سياسة حبس المعارضين بغض النظر عن انتماءتهم، وقد أهدرت القمة فرصة تركيز الانتباه على هذه المشكلة والنظر في الحلول.

وكانت الالتزامات، التي تعهدت بها الدول المشاركة للدفاع عن الديمقراطية وحقوق الإنسان، غامضة، ولا يبدو أن هذه الالتزامات سيكون لها تأثير على العديد من الانتهاكات التي ترتكبها حكومات الشرق الأوسط ضد مواطنيها.

وتشمل هذه الانتهاكات: سوء المعاملة والتعذيب في السجون، والاختفاء القسري، واستغلال قوانين مكافحة الإرهاب لتهديد وسجن المعارضين السياسيين، وترهيب النشطاء ومعارضي النظام في الخارج، وعدم احترام سيادة القانون.

هل أبقت واشنطن الشرق الأوسط خارج جدول الأعمال؟

ويبدو أن نظرة إدارة "بايدن" لضرورة العمل مع الطغاة في الشرق الأوسط لها علاقة كبيرة بهذه الفجوة الصارخة في التخطيط للقمة. ورفض "بايدن" بشكل خاص معاقبة ولي العهد السعودي "محمد بن سلمان" على خلفية مقتل الصحفي "جمال خاشقجي"، بالرغم من وعوده الانتخابية بجعل السعودية "منبوذة". وشرعت الإدارة في مبيعات أسلحة كبيرة إلى السعودية والإمارات، بالرغم من الشكوك والوعود السابقة بمراجعة جميع مبيعات الأسلحة إلى البلدين.

ومع ذلك، يبدو أن مصر تحظى بتأييد خاص من واشنطن، بالرغم من سجلها الحقوقي المتدهور. وفي سبتمبر/أيلول، أفرجت وزارة الخارجية عن معظم شريحة الـ 300 مليون دولار من المساعدات العسكرية لمصر، التي كانت خاضعة لشروط حقوق الإنسان، بينما فرضت شروطا محدودة على الباقي. كما مضت الإدارة قدما في الحوار الاستراتيجي رفيع المستوى بين الولايات المتحدة ومصر في نوفمبر/تشرين الثاني، والذي تم خلاله الإشادة بـ"الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان" التي طرحتها القاهرة.

إضافة إلى ذلك، وافقت واشنطن وربما دعمت اختيار مصر لاستضافة اجتماع الأمم المتحدة للمناخ "كوب 27" عام 2022، وهو أمر لا يتوافق مع سجل مصر في قضايا المناخ وحقوق الإنسان.

وكانت كل هذه التحركات من قبل إدارة "بايدن" بمثابة إضفاء للشرعية على هذه الأنظمة الاستبدادية في المنطقة. 

دعم حقوق الإنسان بالشرق الأوسط

ولن يتم الحكم على النجاح النهائي للقمة أو فشلها من خلال قوة البيانات، لكن من خلال قوة الالتزامات والسياسات والبرامج التي تنبثق عنها على مدار العام المقبل. وينبغي النظر في عدد من التدابير لتعظيم تأثيرها واستدامتها. ولكن هناك مجموعة من التوصيات قد تكون مفيدة في تهيئة الظروف للتقدم في الشرق الأوسط. 

بدلا من أن تكون القمة حدثا من دورتين، يجب أن تصبح القمة اجتماعا سنويا يمكن من خلاله مراجعة التقدم وقياس الالتزامات. ويمكن أن يتم التناوب على الرئاسة بين الديمقراطيات لخلق دعم أقوى من المشاركين وتركيز أكثر استدامة على القضايا. ومن ثم لا يمكن تجاهل القمة أو انتظار أن تتلاشى تأثيراتها.

ينبغي تعزيز دور المجتمع المدني. وبدلا من الاعتماد على الحكومات، يجب أن يشارك المجتمع المدني في كل مرحلة من مراحل التخطيط وتنفيذ جدول الأعمال والاضطلاع بدور أكثر بروزا في الجلسات العامة. ويعد ذلك مفيدا لمنظمات المجتمع المدني في المنطقة العربية بشكل خاص، حيث لا تزال تحت الحصار من قبل حكوماتها. ويجب على المنظمين أخذ لمحة من منتدى المستقبل في عهد "بوش"، وهو جزء من أجندة إدارة "بوش" للشرق الأوسط وشمال أفريقيا، تضمن إشراك منظمات المجتمع المدني في اجتماعات مع حكوماتها مع توفير فرصة للمناقشة وتبادل وجهات النظر بحضور مراقبين دوليين.

يجب إيلاء المزيد من الاهتمام للصلة المباشرة بين مبيعات الأسلحة والمساعدات الخارجية واستمرار الحكم الاستبدادي. وهذا صحيح بشكل خاص في الشرق الأوسط؛ حيث لعبت مبيعات الأسلحة الضخمة وغير الخاضعة للرقابة من قبل الولايات المتحدة وأوروبا دورا رئيسيا في تعزيز الحكم غير الديمقراطي والقمعي. وبالمثل، فإن برامج المساعدة التي يتم إجراؤها بالتنسيق مع الحكومات، بالإضافة إلى كونها مكلفة وبيروقراطية، تميل إلى تعزيز أولويات تلك الحكومات؛ فينبغي بذل المزيد من الجهود لتنويع الشركاء على أرض الواقع، بما في ذلك المجتمعات المحلية. وستكون القمة التي تضم المنظمات غير الحكومية قادرة على مناقشة ذلك بالتفصيل.

يجب تنظيم منتديات إقليمية للديمقراطية وحقوق الإنسان في الفترة الفاصلة بين انعقاد مؤتمرات القمة، تقوم فيها منظمات المجتمع المدني من مختلف المناطق بوضع جداول أعمالها الخاصة لتسليط الضوء على مشاكل الديمقراطية وحقوق الإنسان في مناطقها واقتراح الحلول. وفي الشرق الأوسط، على سبيل المثال، قد يتركز الاهتمام على السجناء السياسيين والافتقار إلى الإجراءات القانونية. ومن المفترض أن تقدم هذه المنتديات الإقليمية تقارير عن النتائج والتوصيات في القمة نفسها. ولن يلفت هذا النهج الانتباه فقط إلى قضايا محددة في مناطق مختلفة، بل سيكون له تأثير وقائي على المجتمع المدني من خلال ضمان إبقاء منظمات المجتمع المدني وموظفيها موضع اهتمام دولي.

يجب توسيع برامج المساعدة المؤيدة للديمقراطية وحقوق الإنسان المنبثقة عن القمة وتخصيص أجزاء منها للشرق الأوسط. ويشمل ذلك الأموال المخصصة لدعم المبادرة الرئاسية للتجديد الديمقراطي وكذلك المبادرات الأوروبية وغيرها من المبادرات التي قد تظهر. وبالمثل، ينبغي إعادة تقييم برامج المساعدة الحالية للديمقراطية والحكم الرشيد وتنشيطها. على سبيل المثال، وسعت أول ميزانية للشؤون الخارجية لـ"بايدن" الموارد المخصصة للديمقراطية والحكم الرشيد بشكل كبير، لكنها تواصل أيضا التركيز بشدة على المساعدة الأمنية على حساب برامج الديمقراطية.

النضال من أجل الديمقراطية في منطقة شديدة التنافس

استمرت الاضطرابات بعد الربيع العربي في العديد من الأماكن، مثل السودان وتونس ولبنان والجزائر؛ ما يعكس نضال الشعوب المستمر من أجل الكرامة والفرص الاقتصادية والصوت السياسي.

في غضون ذلك، يفرض المستبدون في المنطقة إجراءات قمعية أشد قسوة، ويسعون للحصول على الدعم من روسيا والصين في محاولة للحفاظ على السلطة. ولن يؤدي الفشل في الاعتراف بتراجع الحرية في هذه المنطقة وعدم التفكير في سياسات عملية لمواجهة الاستبداد إلا إلى تقويض أهداف القمة وأجندة الحرية الخاصة بالإدارة.

وتضمنت مداخلة المصري "محمد زارع" في مؤتمر الديمقراطية إشارات مهمة. فقد أشار إلى أن مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان عقد منتدى إقليميا موازيا قبل أسبوعين من انعقاد القمة نفسها. وفي هذا الاجتماع، قدم المشاركون وجهات نظر محددة بشأن ما يجب القيام به من قبل الدول الديمقراطية وخاصة الولايات المتحدة.

وقال "زراع": "لكي تنجح القمة في تعزيز الديمقراطية بشكل حقيقي والوقوف ضد الاستبداد، يجب على الدول المهتمة بتعزيز الديمقراطية أن تتبنى نهجا مختلفا في سياساتها الخارجية. ويجب أن يتجاوز هذا النهج التعامل مع الديمقراطية كأداة بلاغية ليتم معاملتها بنفس أهمية قضايا الاستقرار والأمن".

وأضاف أن "نزع الطابع الأمني ​​عن السياسة الخارجية يعد خطوة أولى أساسية، بالإضافة إلى تقليص حجم المساعدات العسكرية وزيادة المساعدات الموجهة لحقوق الإنسان والتعليم والتنمية. ويجب أن تخضع جميع أشكال المساعدة لقواعد صارمة للالتزام بالمعايير الدولية لحقوق الإنسان".

وتستحق نصائح "زارع" الاهتمام إذا كانت إدارة "بايدن" تأمل حقا في أن تؤدي قمة الديمقراطية إلى تقدم عالمي كبير في كل من الديمقراطية وحقوق الإنسان، وهو هدف لا يمكن تحقيقه إلى حد كبير إذا تم تجاهل مستقبل منطقة الشرق الأوسط التي يبلغ عدد سكانها نحو نصف مليار نسمة.

المصدر | تشارلز دون/المركز العربي واشنطن دي سي - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

الديمقراطية حقوق الإنسان قمة الديمقراطية جو بايدن الشرق الأوسط الحكم الاستبدادي القمع الأنظمة الاستبدادية

لوب لوغ: الاستبداد الرقمي أكبر خطر يهدد الديمقراطية بالشرق الأوسط

فورين أفيرز: هكذا يمكن أن تسقط قمة الديمقراطية الأنظمة الاستبدادية

مارس المقبل.. البيت الأبيض يعلن تنظيم قمة من أجل الديمقراطية