ماذا وراء تصاعد هجمات وكلاء إيران في العراق وسوريا؟

الأحد 27 فبراير 2022 08:21 ص

في أوائل يناير/كانون الثاني 2022، نفذت الميليشيات المدعومة من إيران سلسلة من الهجمات استهدفت الأصول الأمريكية وحلفاء الولايات المتحدة في العراق وسوريا.

ففي 5 يناير/كانون الثاني على سبيل المثال، تم إطلاق طائرتين مسيرتين مسلحتين نحو قاعدة "عين الأسد" في محافظة الأنبار والتي تستضيف قوات أمريكية، ولكن تم اعتراض الطائرتين بالدفاعات الأمريكية، ولم تتمكنا من إلحاق أضرار.

بعد ذلك بيوم واحد، أطلقت 5 صواريخ كاتوشيا تجاه نفس القاعدة الجوية، وهبطت على بعد كيلومترين منها ولم تسبب أي ضرر أو إصابات.

كما ردت قوات التحالف التي تقودها الولايات المتحدة على النيران التي وجهتها الميليشيات ضد قاعدة "القرية الخضراء" في وادي الفرات في سوريا في 5 يناير/كانون الثاني. وقبل ذلك بيومين، تم إسقاط طائرتين مسيرتين أيضا لدى اقترابهما من قاعدة تستضيف القوات الأمريكية بالقرب من مطار بغداد الدولي.

في أعقاب الهجمات، صرح المتحدث باسم البنتاجون "جون كيربي" أن الحوادث أظهرت التهديد المستمر الذي تمثله الميليشيات المدعومة من إيران للقوات الأمريكية في العراق وسوريا. وتبنت منظمة غامضة تسمى "ٌقاصم الجبارين" الهجوم على قاعدة "عين الأسد" على سبيل المثال، لكنها كانت متسقة مع النمط الذي يميز الميليشيات المدعومة من إيران في العراق وسوريا.

منظمات غامضة

يعتقد على نطاق واسع أن "قاصم الجبارين" تتلقى أوامرها من "كتائب حزب الله"، وهي جماعة شيعية شبه عسكرية وجزء من "قوات الحشد الشعبي" في العراق. ولدى "الحشد الشعبي" علاقات مادية وتكتيكية بإيران.

وتفضل "قاصم الجبارين" عادة الهجمات باستخدام العبوات الناسفة، وبالتالي فإن الضربة الصاروخية على "عين الأسد" كانت أول هجوم لهم من هذا النوع. وتعد "قاصم الجبارين" واحدة من المنظمات العديدة التي ادعت المسؤولية عن هجمات ضد المصالح الغربية في العراق وسوريا منذ أواخر عام 2021.

وتشمل الجماعات التي نسبت لنفسها هجمات مماثلة في العراق "عصبة الثائرين" و"سرايا المنتقم" و"ثأر المهندس" من بين آخرين، وبرزت هذه المنظمات بعد مقتل قائد فيلق القدس "قاسم سليماني" في يناير/كانون الثاني 2020، ولا تتوفر معلومات كافية عن التسلسل الهرمي فيها أو مناطق وجودها.

ويبدو أن مسؤوليتها الرئيسية هي التغطية على تورط المنظمات الكبرى مثل "كتائب حزب الله" في العمليات التكتيكية. وفي العراق على وجه الخصوص، يتيح ذلك لمنظمات أكبر مثل "كتائب حزب الله" مواصلة أدوارها كأطراف فاعلة "مشروعة" داخل "الحشد الشعبي" وفي نفس الوقت، يصعّب هذا محاسبة أي ميليشيات أكبر أو أفراد أو حتى حكومات.

وعندما تدعي جماعات مثل "قاصم الجبارين" مسؤوليتها عن الهجمات، فإنها تخلق طبقة أخرى من الانفصال عن "كتائب حزب الله" و"فيلق القدس" وفي نهاية المطاف طهران.

ولا يستخدم هذا التكتيك فقط مع الهجمات التي تستهدف المصالح الأمريكية. ففي يناير/كانون الثاني 2022، أعلنت جماعة عراقية غير معروفة مدعومة من إيران تسمى "ألوية وعد الحق" مسؤوليتها عن استهداف مرافق في أبوظبي بهجمات طائرات مسيرة. وأوردت التقارير أن هذا يأتي انتقامًا من سياسات الإمارات في العراق واليمن. ومن الأكيد أن هذه المجموعة تتلقى أوامرها من فيلق القدس وقد أشادت "كتائب حزب الله" بها على قنوات التواصل الاجتماعي.

الطائرات المسيرة المسلحة

ويبدو واضحا أن هجمات الطائرات المسيرة أصبحت الأداة العملياتية الأساسية للوكلاء المدعومين من إيران.

تعد الطائرات المسيرة الإيرانية غير متطورة نسبيًا، حيث تم صنع بعضها باستخدام مواد متاحة تجاريًا، لكنها تحتفظ بالقدرة على تسديد ضربة قريبة من الهدف المقصود من بعيد.

وبالنسبة للميليشيات المدعومة من الإيران، من السهل تعديل الطائرات المسيرة وتسليحها، وفي الوقت ذاته تظل غير مكلفة وسهلة التوزيع. وأثنى كل من قائد قوة الفضاء في الحرس الثوري "أمير علي حاجي زاده" والمرشد الأعلى "علي خامنئي"، على جهود إيران لزيادة ترسانتها من الطائرات المسيرة.

بالرغم من تزايد ضربات الطائرات المسيرة منذ بداية 2022، لم يكن هناك أي ارتفاع في إصابات القوات الأمريكية، ولا أضرار جسيمة للبنية التحتية العسكرية والمنشآت أو المعدات الأمريكية.

ويمكن أن يكون ذلك جزءًا من استراتيجية طهران الأوسع، حيث تحتاج إيران إلى الموازنة بين مواصلة الضغط على الولايات المتحدة في الشرق الأوسط مع تجنب أي نوع من الانتقام العسكري الكبير.

ومن الممكن أن تكون النية الأساسية وراء هجمات الطائرات المسيرة هي عدم التسبب في وفيات أو أضرار مادية كبيرة، وإنما تعزيز حملة إيران للإرهاب الإقليمي.

وبالتأكيد ساهمت الذكرى السنوية الثانية لاغتيال قائد فيلق القدس "قاسم سليماني" في تحفيز عمليات الميليشيات المدعومة من إيران في شرق سوريا والعراق. وكان "سليماني" يعتبر ثاني أقوى شخصية في إيران. وفي 6 يناير/كانون الثاني أعاد قائد فيلق القدس الحالي "إسماعيل قآني" التأكيد على رغبة إيران في تدبير انتقام من اغتيال "سليماني".

وما تزال هجمات الطائرات المسيرة، التي تمثل حدًا أدنى من الخطر على الأفراد العسكريين الأمريكيين في الشرق الأوسط، جزءا أساسيًا من هذه السردية.

وهناك حافز آخر يتجلى في تغيير الولايات المتحدة لطبيعة تواجدها في العراق، فقد انخفض عدد القوات الأمريكية في العراق من 150 ألفًا في ذروته إلى 2500 فقط في الوقت الحاضر، مع اقتصار هذه القوات المتبقية على مجالي التدريب والاستشارات للقوات العراقية.

ومن وجهة نظر طهران، لا يزال الوجود الأمريكي عائقا أمام تعزيز نفوذ إيران الإقليمي. ومن الممكن أن الانسحاب السريع للقوات الأمريكية من أفغانستان جرأ إيران وجعلها تعتقد أنه يمكن تيسير انسحاب مماثل من العراق إذا استمرت الهجمات التي تهدد القوات الأمريكية بدون انقطاع.

نفوذ طهران على وكلائها

لا إجابة بعد للسؤال المتعلق بمقدار تحكم طهران -وخاصة فيلق القدس- في العديد من الميليشيات التي تعمل في العراق وسوريا.

وبعد الانتخابات العراقية في أكتوبر/تشرين الأول 2021، التي فشلت فيها القوى السياسية التي تدعمها إيران لا سيما "ائتلاف الفتح"، سافر "إسماعيل قآني" إلى بغداد وتعهد بالمساعدة في تحقيق الاستقرار السياسي في العراق.

وبينما اتهم الكثيرون الميليشيات الشيعية الوقوف وراء محاولة اغتيال رئيس الوزراء العراقي "مصطفى الكاظمي" في نوفمبر/تشرين الثاني 2021، إلا إن طهران و"قآني" نأيا بنفسهما على الفور عن محاولة الاغتيال الفاشلة.

ولا يمتلك "قآني" نفس النفوذ على الوكلاء الإيرانيين مثل سلفه "سليماني"، لأنه يفتقر إلى كاريزما "سليماني" بالإضافة إلى قلة خبرته العملياتية في العراق وسوريا. وبناء على ذلك، ليس من المستبعد أن تنفذ هذه الميليشيات عمليات دون توجيه من فيلق القدس.

ولكن الدوافع خلف زيادة هجمات وكلاء إيران في العراق وسوريا لا تعد ولا تحصى وتستند إلى الأهداف الإيديولوجية الطويلة الأمد المتمثلة في زيادة النفوذ الإقليمي والاستراتيجي لإيران.

ومنذ وفاة "سليماني"، تعرضت الحكومة الإيرانية لأزمات متتالية بما في ذلك الانكماش الاقتصادي الحاد والإضرابات العمالية واستمرار العقوبات الأمريكية. وبالتالي، فإن الهجمات على الولايات المتحدة هي إلهاء مرحب به عن هذه المشاكل المحلية.

ومع تهميش الأحزاب المدعومة من إيران في البرلمان العراقي، فمن غير المرجح أن تسعى إيران لأنشطة عسكرية عدوانية تتخطى استهداف الأصول الأمريكية، حيث لن ترغب هذه الجبهة في المخاطرة بفقدان المزيد من الدعم السياسي المحلي في العراق.

ومع ذلك، فإن توسيع النفوذ لا يزال مرتكزًا رئيسيًا لأجندة طهران. لذلك، فإن الاستخدام المستمر لشبكة وكلائها لبسط النفوذ في العراق وسوريا سيبقى حجر الزاوية في هذا المسعى.

المصدر | أندرو ديفيريكس - جيمس تاون - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

إيران وكلاء إيران كتائب حزب الله قاصم الجبارين سوريا العراق عين الأسد الولايات المتحدة

إيران تعين مستشارا لتطوير علاقاتها الاقتصادية مع نظام الأسد

معركة نفوذ.. محاولات خليجية لجذب العراق بعيدا عن إيران

النفوذ الإيراني في سوريا ما بعد الصراع: الآفاق والخصومات مع دول الخليج

نفوذ إيران في العراق لن يتغير بانتخابات أو مفاوضات نووية.. لماذا؟

الهجمات الأخيرة ضد قواعد أمريكية في سوريا تثير تساؤلات حول الحدود مع العراق

وكلاء الحرب.. هكذا تحولت إيران الضعيفة اقتصاديا لأكثر الأنظمة نفوذاً بالمنطقة