هل تتفادى منطقة شرق المتوسط سيناريو أوكرانيا وتبدأ مرحلة التفاوض؟

الثلاثاء 15 مارس 2022 01:27 م

في الآونة الأخيرة، شهدت المنطقة تطورين مهمين، أولهما سحب الدعم الأمريكي من مشروع خط أنابيب شرق البحر المتوسط ​​المعروف باسم "إيست ميد"، والثاني هو الحرب الروسية الأوكرانية.

وبالنظر إلى التطورات السياسية، يبدو أن انهيار مشروع خط أنابيب شرق البحر المتوسط قد غير ترتيب القضايا ذات الأهمية في المنطقة. فبعد انقطاع طويل، يمكننا القول إن الدبلوماسية استعادت دورها الذي يضفي المرونة على حركة الأطراف الفاعلة في المنطقة.

في الواقع، سعت اليونان خلال السنوات التي حظي فيها خط أنابيب شرق البحر المتوسط بدعم الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، لحشد القنوات الدبلوماسية من أجل "عزل وتحييد" دور تركيا في المنطقة. وبطبيعة الحال، تسبب هذا الوضع بالتأثير سلبًا على دور الدبلوماسية وتعميق النزاعات.

من ناحية أخرى، حاولت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي التعامل مع تركيا على أنها "الباب الخارجي" للدبلوماسية الأوروبية، بدلا من الحفاظ على مسافة متساوية بين أنقرة والأطراف في أثينا وقبرص في أزمة شرق البحر المتوسط.

ودفع هذا الوضع باليونان والإدارة القبرصية الجنوبية إلى الضرب بالعمل الدبلوماسي عرض الحائط، والجنوح نحو التعنت وفرض سياسة الأمر الواقع.

وبينما كانت الدول الأوروبية تحاول حل مشاكل مماثلة فيما بينها من خلال تفعيل العمل الدبلوماسي، كانت مواقف هذه الدول تجاه تركيا تظهر حالة تتناقض مع جوهر التحالف والواقع الجيوسياسي وقواعد ومبادئ القانون الدولي.

ورغم جميع التحديات السياسية والعسكرية من خصومها، تمكنت تركيا من تجاوز هذه الفترة بفضل خبرتها في إدارة الأزمات، وحماية حقوقها القانونية ومصالح القبارصة الأتراك.

ومن جانب آخر، سرعان ما أدت استراتيجيات الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي لعزل تركيا في شرق البحر المتوسط ​​إلى نشوء فراغ جيوسياسي على حدود أوروبا. في هذا الفراغ، لم يمض وقت طويل قبل أن تصبح الصين وروسيا، اللتان وصفهما الحلفاء الغربيون "بالعدو"، أكثر بروزا.

لقد منحت روسيا، على وجه الخصوص، لنفسها مساحة استراتيجية قادرة على هز طبيعة للنظام الأوروبي بسبب الاختلالات الجيوسياسية في المنطقة، والمواقف غير المنضبطة للحلفاء الغربيين.

وفي الوقت الذي كان العالم فيه يُناقش قضايا تتعلق بضرورة بناء نظام عالمي جديد، كان من المفهوم، وإن كان متأخرًا، أن تهميش تركيا عزز الفرص الجيوسياسية لروسيا والصين وقدرتهما على زعزعة الخريطة الجيوسياسية للمنطقة.

ـ ثقل تركيا الجيوسياسي والدبلوماسيي

ومع التغيير السريع في المشهد الجيوسياسي الدولي، تم الكشف مرة أخرى عن دور تركيا الحيوي في أمن الطاقة والدفاع بأوروبا، والمساحة الجيوسياسية لحلف شمال الأطلسي. وهكذا، بدأت القوى الغربية بإعلاء لغة المديح بدلًا من الحملات الأيديولوجية والجيوسياسية المناهضة لأنقرة والتي سادت خلال السنوات الماضية.

أدى اتباع موسكو أسلوب القوة الخشنة أحادي الجانب لحل المشكلات، إلى فتح الباب وبشكل جاد، أمام مناقشة سلبيات اعتماد الاتحاد الأوروبي على الغاز والنفط الروسي وضرورة تحرير أوروبا من ذلك في أقرب وقت، وفق تصريحات صادرة عن الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي "ناتو" والاتحاد الأوروبي.

بالإضافة إلى زيادة قدرة مصادر الطاقة البديلة، فقد اكتسبت مكانة تركيا أهمية خاصة في إطار البحث الأوروبي عن طرق وموارد بديلة للطاقة بعيدة عن روسيا.

في واقع الأمر، تدرك أوروبا أن تركيا تعتبر الطريق الأكثر أمانًا في إيصال موارد الطاقة من بحر قزوين والشرق الأوسط وشرق البحر المتوسط ​​إلى القارة، فضلًا عن أهميتها في أمن الطاقة والدبلوماسية الأوروبية، وتزايد ثقل أنقرة أيضًا في إطار الجهود المبذولة لتطوير السياسات العالمية.

وهنا نستطيع القول إن القدرات الدبلوماسية لا تقل أهمية عن الجغرافيا السياسية. وعليه، فإن تركيز أنقرة على دبلوماسية ريادة الأعمال في السنوات الأخيرة، مكنها من بلوغ مرحلة ريادية عالميا، إلى جانب استضافتها فعاليات مهمة دوليا مثل قمة الشراكة التركية الإفريقية، ومؤتمر إسطنبول للوساطة، ومنتدى أنطاليا الدبلوماسي، وهو ما أدى أيضا إلى زيادة قدراتها الدبلوماسية بشكل كبير.

كما تمكنت أنقرة من قيادة دبلوماسية متعددة الأوجه في المنظمات الدولية الرائدة مثل الأمم المتحدة، ومنظمة الأمن والتعاون في أوروبا، وحلف شمال الأطلسي، والاتحاد الإفريقي، ومنظمتي "الدول التركية" و"الدول الإسلامية"، ما سمح لتركيا بتوسيع حدود قدرتها الدبلوماسية، وزاد من ثقلها وفاعليتها.

ومع الجوانب والخطوات القوية التي اتخذتها في مجال الصناعات الدفاعية، عززت تركيا دورها الرئيسي في الحفاظ على النظام الأوروبي. إن أوروبا تدرك هذه الحقيقة عندما تقيّم احتياجاتها الاستراتيجية بشكل صحيح. وينطبق الشيء نفسه على إسرائيل واليونان وأرمينيا. وهنا نستطيع القول إن على هذه الدول إقامة أواصر تعاون مع تركيا، لا سيما في المناطق التي تشهد صراعات.

وفي هذا الإطار، نستطيع القول إن زيارتي الرئيس الإسرائيلي "إسحاق هرتسوج" ورئيس الوزراء اليوناني "كرياكوس ميتسوتاكيس" إلى تركيا، كانتا مهمتين لحل المشاكل الإقليمية من خلال الحوار وفتح الباب أمام فرص التعاون الإقليمي، لا سيما أن العالم يكافح للحد من آثار الأزمة الاقتصادية الناجمة عن وباء كورونا، والتداعيات السلبية للحرب الأوكرانية.

لذلك فإن استخدام القنوات الدبلوماسية والحوار السياسي، وتعزيز المشاريع القائمة على الاقتصاد، يعدان عاملين مهمين للغاية لتحقيق السلام والاستقرار الدائمين في شرق البحر المتوسط ​​والشرق الأوسط.

ـ أهمية التعاون مع تركيا

حتى اليوم، تسببت سياسات الغرب القائمة على العداء لتركيا بأضرار أكثر من الربح وهدر الوقت فقط. من الواضح أن استراتيجية عدم التعاون مع أنقرة في قضايا شرق المتوسط ​​والشرق الأوسط لم يكتب لها النجاح، وهنا تتمثل مهمة الاتحاد الأوروبي والناتو والولايات المتحدة في تنسيق اجتماع الأطراف حول المصالح المشتركة بناء على هذه الحقيقة.

وهنا أود الإشارة إلى إمكانية العثور على أمثلة عديدة في التاريخ تشرح أسباب ميل الدول إلى التعاون، لعل أبرزها التهديدات المشتركة، والأزمات الاقتصادية العالمية، والفرص الإقليمية.

اليوم، هناك أدلة كثيرة على وجود ظواهر مماثلة لكن القادة السياسيين في دول المنطقة بحاجة إلى تبني شعور قوي بالانتماء والمسؤولية والاستجابة لتوازنات التعاون وعدم الجنوح للصراع، خاصة أن الهوّة بين مجالات التعاون ونظيرتها التي تتعارض فيها المصالح في شرق المتوسط ​​والشرق الأوسط قد تعمقت خلال السنوات الماضية بسبب الدبلوماسية الخاطئة وتغليب اللغة السياسية القائمة على التعنّت بدل التعاون.

إن الحرب في أوكرانيا، تعتبر درسا يظهر وجود أخطاء مزمنة في رحلة السياسة المحفوفة بالمخاطر. علاوة على ذلك، فقد أظهرت أهمية تغليب التعاون والدبلوماسية من أجل تجاوز الأزمات، خاصة أن اختلاف الدول بشأن قضية واحدة لا يعني أنها لا تستطيع الاتفاق على جميع القضايا.

ولهذا السبب، بات حريا بالاتحاد الأوروبي وتركيا وإسرائيل ومصر واليونان تجاوز فترة الصراع إلى مرحلة التفاوض والتعاون والحوار لحل الخلافات السياسية في شرق المتوسط، قبل أن تتحول ​​إلى مشاكل عسكرية، كما في أوكرانيا، خاصة وأن تأجيج الصراع في شرق المتوسط ​​ليس في مصلحة الحلفاء الغربيين، بل من شأنه أن يفتح الباب أمام الهجمات الجيوسياسية الروسية.

المصدر | الأناضول

  كلمات مفتاحية

تركيا المتوسط أوكرانيا

حرب أوكرانيا.. اليوم الـ20 لحظة بلحظة

فشل التقديرات الاستخبارية الأميركية: أوكرانيا بعد أفغانستان

هل تسرع حرب أوكرانيا الانسحاب الأمريكي من الشرق الأوسط؟