استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

الغذاء والأسمدة والمستقبل

الثلاثاء 3 مايو 2022 10:11 ص

الغذاء والأسمدة والمستقبل

هناك أزمة كبيرة جداً في توريد الغذاء العالمي فعلى مدى 2021 كانت الزيادة في أسعار القمح أكبر بكثير من الزيادة بأسعار النفط.

الحظر على الصادرات يُعد مشكلة أكبر من الزيادات الانتقامية في الرسوم الجمركية في إطار الحرب التجارية الأميركية-الصينية.

روسيا أوقفت معظم صادراتها من الحبوب للإبقاء على الأسعار منخفضة داخليا. وكذلك فعلت كازاخستان، ثالث أكبر مصدِّر زراعي بالمنطقة.

الصين، التي تُعد منتجا كبيرا للأسمدة، علّقت جزءاً كبيراً من صادراتها العام الماضي، أيضاً في محاولة على ما يبدو للإبقاء على الأسعار منخفضة داخلياً.

السلام يعزز التجارة. وبينما يصبح العالم مكاناً أخطر قد تكون بعض المسلّمات، كالتجارة واسعة النطاق في الغذاء أكثر ضعفاً وهشاشة مما كان يُتصور.

تسبب أزمة الغذاء معاناة في أميركا لكنها معاناة أكبر بكثير في الدول الفقيرة إذ تذهب حصة أكبر بكثير من إنفاق الأسر إلى الغذاء. فمن وراء أزمة الغذاء؟

إنتاج الأسمدة يتطلب كثرا من الطاقة وقبل الحرب كانت روسيا تُعد أكبر مُصدِّر للأسمدة بالعالم، لكن روسيا علّقت تلك الصادرات الآن. وكذلك الصين أيضا.

* * *

كما يعلم أي شخص يقود سيارة، فإن أسعار الغازولين (البنزين) ارتفعت ارتفاعاً كبيراً مقارنة مع المستويات المتدنية التي كانت عليها في 2020. وذلك راجع لعدة أسباب.

فأولاً، زاد التعافي الاقتصادي العالمي من الطلب على النفط، وبعد ذلك، أدى الهجوم الروسي على أوكرانيا إلى تقليص صادرات النفط الروسية. غير أن الأسعار في كل من محطة الوقود والمنبع عرفت استقراراً، في الوقت الراهن على الأقل.

ولكن بالمعايير التاريخية، يمكن القول إن أسعار البنزين الحقيقية – الأسعار بعلاقة مع كلفة المعيشة الإجمالية – ليست بذاك الارتفاع الكبير، بل إنها أدنى مما كانت عليه خلال الفترة بين 2006 و2014. واعتباراً من صباح الثلاثاء، عاد نفط تكساس الخام للانخفاض إلى ما دون مستوى 100 دولار للبرميل.

غير أنه إذا كانت أزمة الطاقة ربما أقل حدة بعض الشيء مما يتخيله البعض، فإن هناك أزمة كبيرة جداً في توريد الغذاء العالمي. فعلى مدى العام الماضي، كانت الزيادة في أسعار القمح أكبر بكثير من الزيادة في أسعار النفط.

وهو ما يتسبب في معاناة هنا في أميركا، ولكنه يتسبب في معاناة أكبر بكثير في الدول الفقيرة، حيث تذهب حصة أكبر بكثير من إنفاق الأسر إلى الغذاء. فما الذي يقف وراء أزمة الغذاء؟

جزء من القصة واضح وبديهي: فأوكرانيا تُعد عادة مصدِّراً زراعياً رئيسياً، ولكن القيام بذلك يصبح صعباً في وقت تقصف فيه روسيا السكك الحديدية وتحاصر موانئك.

غير أن هناك أجزاء أخرى للقصة: ذلك أن روسيا أوقفت معظم صادراتها من الحبوب، في محاولة على ما يبدو للإبقاء على الأسعار منخفضة داخليا. وكذلك فعلت أيضا كازاخستان، التي تُعد ثالث أكبر مصدِّر زراعي بالمنطقة.

ثم هناك الأسمدة. فإنتاج الأسمدة الحديث يتطلب الطاقة بشكل كبير، وقبل الحرب، كانت روسيا تُعد أكبر مصدِّر لهذه المادة في العالم، غير أن روسيا علّقت تلك الصادرات الآن. ولكن ليس روسيا فحسب.

فكما يشير تحليل جديد لتشاد باون ويلين وانغ من «معهد بيترسون للعلوم الاقتصادية الدولية»، فإن الصين، التي تُعد منتجاً كبيراً آخر للأسمدة، علّقت جزءاً كبيراً من صادراتها العام الماضي، أيضاً في محاولة على ما يبدو للإبقاء على الأسعار منخفضة داخلياً. وكما يشير الباحثان، فإن مثل هذا الحظر على الصادرات يُعد مشكلة أكبر من الزيادات الانتقامية في الرسوم الجمركية في إطار الحرب التجارية الأميركية-الصينية.

كل هذا يتسبب في مشاكل كبيرة للزراعة حول العالم، ولاسيما في الأسواق النامية مثل البرازيل. وهذا أمر سيئ. كما أنه يمثل درساً مهماً في العلاقة بين الجغرافيا السياسية والعولمة.

فالكثير من الناس، على ما أعتقد، يتصورون أن العولمة تُمثل تطوراً حديثاً نسبياً. غير أن المؤرخين الاقتصاديين يعرفون أن اقتصاداً عالمياً مندمجا ظهر بين حوالي 1870 و1913، وتأتّى بفضل التقدم التكنولوجي آنذاك مثل البواخر، والسكك الحديدية، والتلغراف.

وبفضل ذلك، كان البريطانيون في أوائل القرن العشرين يتناولون القمح الكندي ولحم البقر الأرجنتيني ولحم الضأن النيوزيلندي.

وبعد ذلك، قتلت الجغرافيا السياسية – الحروب وتصاعد الشمولية والحمائية – معظم هذه الموجة الأولى من العولمة. ولم تحي التجارة من جديد إلا مع قيام «عصر السلام الأميركي»، واستغرق الأمر نحو 40 عاماً لإعادة التجارة العالمية إلى مستويات 1913.

الشيء الثابت أن هذه الموجة الأولى من العولمة كانت بسيطة نسبياً وكانت بشكل عام عبارة عن تبادل للسلع المصنعة للاقتصاد المتقدم في مقابل منتجات أولية مثل القمح.

أما سلاسل القيمة المركبة التي تميّز الاقتصاد العالمي الحديث، والتي تحتوي فيها السيارات التي تصنع في الدول الغنية، على سبيل المثال، على رقائق إلكترونية من اليابان وأسلاك من المكسيك وأوكرانيا، فإنها تمثّل بشكل عام تطوراً لم ير النور إلا بعد 1990، وتأتّى إلى حد كبير بفضل الاستخدام الواسع للحاويات وتكنولوجيا المعلومات الحديثة، ودفع التجارة العالمية إلى مستويات عالية جديدة.

ولكن يبدو أن كلا شكلي العولمة يعتمدان على بيئة جيوسياسية مستقرة نسبياً – يبدو أننا بصدد فقدانها.

ولعل أحد الجوانب المفاجئة للمشاكل الاقتصادية الأخيرة، بالنسبة لي على الأقل، هو أنه يبدو في الوقت الراهن أنها تُلحق ضرراً أكبر بالعولمة على الطراز القديم منها بالعلاقات الاقتصادية المعقدة التي تطورت بعد 1990.

إذ رغم مشكلة نقص الحاويات والاكتظاظ والازدحام في الموانئ وكل ذلك، إلا أنه ما زال من السهل نسبياً شراء أجهزة إلكترونية تشمل مكونات موردة من عشرة بلدان. وبالمقابل، يمكن القول إن ما يتعرض للضرب الآن هو المواد الخام مثل التجارة في القمح والأسمدة.

وعلى كل حال، فإنه حتى قبل الهجوم الروسي على أوكرانيا، كانت هناك أسباب متزايدة للتساؤل بشأن مستقبل العولمة. فكثيراً ما يُقال لنا إن التجارة تعزز السلام، وهو ما قد يكون صحيحاً وقد لا يكون. غير أن الشيء الأكيد هو أن السلام يعزز التجارة. وبينما يصبح العالم مكاناً أخطر، قد تكون بعض الأشياء التي نعتبرها من المسلّمات، مثل التجارة واسعة النطاق في الغذاء، أكثر ضعفاً وهشاشة مما كان يتصوره أي شخص.

* د. بول كروغمان كاتب وأكاديمي أمريكي حائز على جائزة نوبل في الاقتصاد.

المصدر | نيويورك تايمز

  كلمات مفتاحية

الأسمدة، الغذاء، المستقبل، الطاقة، التجارة، العولمة، السلام،