كارثة بيئية.. استخراج الوقود من البلاستيك المحترق في قطاع غزة المحاصر

الجمعة 26 أغسطس 2022 07:05 م

يطلب "محمود الكفارنة" من أحد عماله إشعال مزيد من الحطب أسفل خزان ملأه بنحو طن من مادة البلاستيك ليقوم بصهره وتحويله إلى وقود يبيعه في السوق المحلية في قطاع غزة المحاصر الذي يشهد أزمة طاقة تؤدي إلى ارتفاع أسعارها بينما يعد سكانه من الأفقر في العالم.

يعمل "الكفارنة" (25 عاما) في جباليا المحاذية للحدود الشمالية مع اسرائيل، مع أشقائه في المشروع الذي تعتمد فكرته على إعادة تدوير البلاستيك عبر صهره تحت درجات حرارة عالية جدا.

وتستغرق عملية الصهر وقتا طويلا خاصة لملء الخزان الذي تبلغ سعته طنا ونصف الطن من البلاستيك، وهي كمية كافية لإنتاج ألف لتر من الوقود.

وأمام الخزان الموضوع في أرض مفتوحة شرق مخيم جباليا للاجئين شمال قطاع غزة، يقول "الكفارنة"، إن "الفكرة جاءت من الحصار الإسرائيلي لقطاع غزة المستمر منذ 2007 والذي أدى إلى أزمة وقود متجددة تأثر بها قطاع الكهرباء".

وأضاف الشاب الحاصل على بكالوريوس في إدارة الأعمال: "نعتمد في العمل طريقة بدائية ومعدات بسيطة محلية الصنع"، موضحا أنه استعان بالإنترنت لتطوير فكرته وخاض في 2018 "عدة تجارب فاشلة قبل أن أتمكن بعد 8 أشهر من استخراج الوقود".

وتابع أن "الخزان لا يستوعب أكثر من طن ونصف الطن من البلاستيك بينما تستمر عملية استخراج الوقود لمدة تتراوح بين 12 و14 ساعة".

وتمر عملية إعادة التدوير بمراحل عدة قبل أن يتم تكرارها إذ يحتاج إلى 8 ساعات على الأقل لتبريد الخزان وتنظيفه.

ويتبخر البلاستيك المصهور في المرحلة الأولى قبل تكثيفه عبر تبريده بالماء للحصول على الوقود، ويتصل الخزان المغلف بالطين لضمان حفظ الحرارة بأنبوب موصول بخزان آخر يحتوي على ماء.

ويعمل الخزان الثاني على تكثيف البخار الذي يتحول بدوره إلى وقود يتم تعبئته في جالونات عبر صنبور موضوع إلى جانب الخزان.

ويقوم فريق العمل بفصل البنزين عن السولار عبر جهاز آخر.

كارثة بيئية

لا يعترف "الكفارنة" بوجود أي مخاطر صحية أو بيئية للمشروع الذي لا يستخدم العاملون فيه أيا من وسائل السلامة. وقال: "لا يوجد مخاطر والمنطقة تعتبر صناعية وخالية من السكان".

وفي المقابل أكد مدير المعهد الوطني للبيئة والتنمية "أحمد حلس"، أن "الظاهرة كارثية وتنم عن فوضى عارمة ولا تستند لأي ضوابط أو معايير أو رقابة بيئية".

وشدد "حلس" على أن "المواد الكيميائية التي تنتج عن حرق البلاستيك هي مواد سامة بحتة واستنشاقها سبب مباشر وقطعي في انتشار الأمراض خصوصا سرطان الرئة"، منتقدا اعتماد المشروع على طريقة "عشوائية وبدائية تلحق ضررا كبيرا جدا بالعمال وبجميع السكان".

وأضاف أن "الخزان المستخدم بحد ذاته يعتبر قنبلة موقوتة يمكن حدوث انفجار فيه وهذا أمر عواقبه وخيمة".

لكن "الكفارنة" مقتنع بأن المشروع يساعد على إنتاج كمية كبيرة من مادة الغاز أيضا، ويعترف في الوقت نفسه: "لا نعرف كيف نستغل الغاز لذلك نقوم بتبخيره عبر وضعه في الماء حتى لا يؤثر على البيئة".

ويشدد الشاب على تأثير الحصار الاسرائيلي على القطاع وعلى عمله. وقال: "يمكن الاستغناء عن الخزان الحراري (واستخدام) خزان يعمل بالكهرباء يستوعب كمية أكبر ويتحمل حرارة أكبر، لكنه غير متوفر بسبب الحصار الإسرائيلي".

ودمّرت إسرائيل محطة توليد الطاقة الوحيدة في غزة في 2006. ومنذ ذلك الحين، يعاني سكان القطاع من أزمة حادة في الكهرباء، إذ يقطع التيار الكهربائي أكثر من 12 ساعة يوميا.

نصف الثمن

على رصيف ميناء غزة للصيادين يملأ صياد السمك "عبدالمعطي الهبيل" (23 عاما) بواسطة خرطوم بلاستيكي خزان وقود قاربه القديم بالسولار المستخرج من البلاستيك، موضحا أنه يستخدم هذه المادة لأن سعرها يبلغ "نصف تكلفة السولار المستورد من إسرائيل".

ويضيف الشاب الذي تحتاج رحلته للصيد التي تستمر 12 ساعة، إلى 900 لتر من السولار يوميا أنه "لا عيوب في هذا السولار، جودته وكفاءته عالية". ويشير إلى أن 7 قوارب أخرى تستخدم هذا النوع من السولار.

لكنه يشعر "بالأسف لأن الكميات المستخصلة من البلاستيك قليلة ومحدودة"، مؤكدا أنه لا يحصل على أكثر من 500 لتر كل يومين.

ويتوقف حجم إنتاج الوقود بشكل أساسي على كمية العبوات البلاستيكية التي يتم جمعها من القمامة، حسب "الكفارنة" الذي يقول "ننتج من 700 إلى ألف لتر سولار يوميا".

في منطقة تبعد مئات الأمتار عن الحدود مع إسرائيل شرق مخيم جباليا يقوم 6 عمال بفرز عبوات البلاستيك الفارغة التي يصل ارتفاعها إلى نحو 10 أمتار في مرآب لبيع البلاستيك.

ويوضح أحد هؤلاء العمال "عماد حامد": "نشتري البلاستيك من عمال يجمعونه من الشوارع ثم نقوم بفرزه قبل طحنه بواسطة ماكينة كهربائية خاصة ليصبح كحبات الأرز الناعمة".

ويتابع: "نقوم بوضع المواد المستخرجة في أكياس ثم نبيعها لأصحاب المصانع والمشاغل المتخصصة بتدوير البلاستيك".

ويشكو "حامد" من تأثير أزمة نقص الكهرباء التي يعاني منها القطاع على استمرار عمله، موضحا: "أحيانا نضطر للعمل في الليل تزامنا مع وصل التيار الكهربائي".

ويضيف أن "العمل شاق (...) لكن المخاطر التي يخلفها القصف الإسرائيلي في غزة أكبر من خطر عملنا هذا".

وقبل أسبوعين شهد القطاع جولة مواجهة عسكرية عنيفة استمرت 3 أيام بين الجهاد الإسلامي وإسرائيل التي اندلعت على أثر اغتيال إسرائيل لأحد القادة العسكريين في حركة "الجهاد الإسلامي".

المصدر | أ ف ب

  كلمات مفتاحية

الوقود حرق البلاستيك إعادة التدوير كارثة بيئية

قطر تتعهد بإعادة إعمار منازل دمرتها إسرائيل خلال عدوانها الأخير على غزة