تحديات هائلة.. أسطورة المصالحة الكاملة بين تركيا والنظام السوري

الخميس 1 سبتمبر 2022 07:10 ص

بعد التعليقات الأخيرة التي أدلى بها وزير الخارجية التركي "مولود جاويش أوغلو" حول مصالحة محتملة بين أنقرة ودمشق، تساءل الكثيرون حول جدوى هذا الموضوع. وفي حين أنه لا ينبغي توقّع اختراق دبلوماسي في أي وقت قريب، فإن الفوائد المزعومة لتركيا لا يمكن لها أن تتحقق في ظلّ الوقائع القائمة.

وأدلى الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان" بتصريح مهم الأسبوع الماضي قال فيه إن تركيا لا تهدف إلى تغيير النظام، لكنها تركز على محاربة الإرهاب في سوريا، فيما قال "جاويش أوغلو" إن أنقرة مستعدة للتحدث مع دمشق دون أي شروط مسبقة.

وتخدم هذه التصريحات هدفين رئيسيين: الاستجابة للضغوط الروسية، ومعالجة الاعتبارات السياسية الداخلية. فقد جادلت المعارضة التركية بأن المصالحة مع نظام "الأسد" ستسهل عودة اللاجئين إلى سوريا، وأن عناد الحكومة التركية هو العقبة الوحيدة. ويبدو أن الناخبين الأتراك قبلوا هذه الحجة.

ويعتقد أولئك الذين يؤيدون فكرة المصالحة مع نظام "الأسد" في أنقرة أنها ستسهل عودة اللاجئين السوريين وتساعد في القتال ضد "وحدات حماية الشعب" الكردية. إنهم يأملون في أن تدعم روسيا التقارب بصدق، حيث تركز موسكو على أوكرانيا وتهدف إلى تجنب الوقوع في المستنقع في سوريا.

لكن التذكير بالوقائع في سوريا جاء فورا من وزير خارجية النظام السوري "فيصل المقداد" الذي اتهم تركيا هذا الأسبوع بدعم الإرهاب، وطالب بانسحاب القوات التركية من سوريا بشكل كامل وإنهاء أي شكل من أشكال الدعم للمعارضة السورية.

نظرة قاتمة

بالنسبة لمراقبي الصراع السوري، كانت هذه التصريحات متوقعة تمامًا. وكان نظام "الأسد" قد وصف تركيا في السابق بأنها "أحد الرعاة الرئيسيين للإرهاب" بسبب دعمها للمعارضة السورية.

يجب أن يتم فحص التوقعات بين الجمهور التركي ودعاة المصالحة من خلال التحقق من الواقع الذي يشير إلى أن آفاق المصالحة بين أنقرة ودمشق قاتمة. ولكن لنفترض جدلاً أن ذلك سيحدث، فهل سيتم تلبية هذه التوقعات؟

وفيما يتعلق بعودة اللاجئين السوريين، يبدو أن دعاة المصالحة تجاهلوا تجارب لبنان والأردن، فكلاهما قام بتطبيع العلاقات مع دمشق. ومع ذلك، منذ عام 2019 عاد حوالي 40 ألف سوري فقط من لبنان إلى سوريا، بينما دخل آلاف اللاجئين الآخرين إلى الأردن. وتواجه الحكومة الأردنية الآن مشكلة تهريب المخدرات حيث أصبحت حكومة "الأسد" منتجًا ضخمًا للكبتاجون.

في تركيا، تبدو فرص العودة إلى سوريا التي يسيطر عليها النظام غير مرجحة وسط اشتباكات عسكرية منتظمة بالقرب من الحدود التركية. في المقابل، فإن المناطق القريبة من لبنان والأردن تخضع بالكامل لسيطرة نظام "الأسد".

علاوة على ذلك، لا يريد الكثير من اللاجئين السوريين في تركيا العيش في ظل نظام "الأسد"، خوفًا من مصيرهم إذا عادوا. إذا تم إعادتهم بالقوة، فقد يجربون حظهم في الفرار إلى أوروبا. وبالنسبة لنظام الأسد"، فإن هؤلاء السوريين غير مرحب بهم فهو يعتبرهم عملاء وإرهابيين، وقامت قواته بتعريض العائدين للاعتقال والاختفاء والتعذيب بما في ذلك العنف الجنسي.

بالإضافة إلى ذلك،  لا يستطيع النظام رعاية مزيد من الملايين من السوريين الآخرين، مع العلم أن وجودهم في البلاد قد يؤدي إلى انتفاضة أخرى. لماذا قد يخاطر نظام الأسد بمثل هذه القصة؟

تهديد وجودي

يبقى أيضًا أن نرى ما سيحدث للسكان داخل سوريا في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة، بما في ذلك النازحون داخليًا من جميع أنحاء البلاد الذين رفضوا العيش في ظل نظام "الأسد" وتم نقلهم في حافلات خضراء باتجاه الحدود التركية.

ونظرًا لأن حكومة "الأسد" تريد انسحاب تركيا من سوريا، فإن المصالحة بين دمشق وأنقرة تأتي بفرصة واقعية لملايين السوريين الآخرين الذين يحلمون بالفرار إلى تركيا.

كما تتناقض التوقعات بشأن التعاون المحتمل في حرب تركيا ضد "وحدات حماية الشعب" مع الحقائق في سوريا. فقد قع نظام "الأسد" اتفاقية مع "وحدات حماية الشعب" عام 2019 تقضي بحماية المناطق التي تسيطر عليها هذه المليشيا من تركيا وقوات المعارضة المتحالفة معها.

ومنذ ذلك الحين، نشر النظام قواته إلى جانب الجيش الروسي في تل رفعت ومنبج وكوباني ومدن أخرى.

ومع تهديد تركيا مؤخرًا بعملية عسكرية أخرى في سوريا، تعهدت "وحدات حماية الشعب" بالتنسيق مع نظام "الأسد" للدفاع عن المنطقة. وفي وقت سابق من هذا الشهر، قصف سلاح الجو التركي مواقع حدودية بالقرب من بلدة كوباني التي يسيطر عليها الأكراد، مما أسفر عن مقتل 17 مقاتلاً بينهم 3 جنود للنظام السوري.

ومن وجهة نظر نظام "الأسد"، تشكل المعارضة السورية تهديدًا وجوديًا، في حين أن "وحدات حماية الشعب" هي مشكلة محلية يمكن حلها من خلال دمج قواتها في الجيش السوري ومنح بعض حقوق الحكم المحلي للأكراد السوريين.

وبالنسبة للأتراك، فإن "وحدات حماية الشعب" تمثل أولوية قصوى في سوريا، بينما تعد المعارضة السورية المدعومة من تركيا هي الأولوية بالنسبة لنظام "الأسد".

أخيرًا، فإن الافتراض بأن لروسيا مصلحة حقيقية في التوصل إلى حل سياسي في سوريا وسط حرب أوكرانيا هو تصور خاطئ. وبالنظر إلى الاستراتيجية الروسية وإتقانها لحملات المعلومات المضللة، من المحتمل أن ترغب موسكو في كسب الوقت ومنع عملية عسكرية تركية-سورية أخرى أثناء انشغالها بأوكرانيا.

تعرف روسيا أنها ستواجه كابوسًا لوجستيًا إذا حدث تصعيد عسكري في سوريا، بعد أن أغلقت تركيا مضيق البوسفور والدردنيل ومجالها الجوي أمام القطع العسكرية الروسية المتجهة إلى سوريا.

ويبدو أن موسكو ترغب في تعطيل تركيا حتى تنخفض تكاليف الحرب في أوكرانيا. إن الوثوق بروسيا، التي ادعت مرارًا وتكرارًا أنها لا تنوي غزو أوكرانيا، سيكون مسعى أحمق.

المصدر | عمر أوزكيزيلجيك | ميدل إيست آي - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

تركيا الأسد أردوغان روسيا الحرب في سوريا وحدات حماية الشعب حرب أوكرانيا النظام السوري العلاقات السورية التركية

وزير الداخلية التركي: لن نترك البشر تحت ظلم نظام الأسد و"بي واي دي"

للمرة الأولى منذ 10 سنوات.. وفد سوري تابع لنظام الأسد في تركيا

توترات متزايدة بين تركيا وجيرانها رغم تحسن العلاقات مع دول الشرق الأوسط

في إشارة لتقدم العلاقات.. رويترز تكشف كواليس زيارة رئيس المخابرات التركية إلى سوريا

مؤشرات على تحسن العلاقات بين تركيا والنظام السوري.. ماذا بعد؟

إعادة ضبط إقليمية.. 3 نجاحات وإخفاقان لمصالحات تركيا في الشرق الأوسط