هكذا تحولت الأزمة السياسية في العراق إلى معضلة مستعصية

الخميس 29 سبتمبر 2022 04:32 م

يتسم المأزق السياسي الحالي في العراق بتعدد المنافسات المركبة داخل المجموعات السياسية نفسها، حيث يختلف السياسيون الشيعة على منصب رئيس الوزراء، بينما يختلف السياسيون الأكراد على منصب رئيس البلاد.

وتمثل أحداث الأشهر العشرة الماضية، لا سيما أحداث الشهر الماضي الذي شهد اشتباكات متكررة في الشوارع واقتحامات لـ"المنطقة الخضراء"، تطورًا جديدًا في هذا المأزق، ما يحول الأزمة من سياسية إلى دستورية ويخلق معضلة وجودية للنظام السياسي في العراق الذي ترسخ بعد عام 2003.

كيف وصل العراق إلى هذا الوضع؟

بعد فوزه في الانتخابات البرلمانية في أكتوبر/تشرين الأول 2021، حاول رجل الدين الشيعي "مقتدى الصدر" مرارًا تشكيل حكومة "أغلبية وطنية" على رأسها التيار الصدري، لكنه فشل بسبب الجهود التي بذلها "الإطار التنسيقي" المقرب من إيران.

وعلى أثر الإحباط المتكرر، سحب "الصدر" فجأة نوابه الـ73 من البرلمان في يونيو/حزيران، لتصبح هذه المقاعد من نصيب منافسه الرئيسي "الإطار التنسيقي".

ويرجع السبب الرئيسي لفشل "الصدر" في تشكيل الحكومة إلى دستور العراق، الذي يشترط حضور ثلثي أعضاء البرلمان في جلسة التصويت على رئيس جديد. وفي الماضي، أدى هذا التقييد إلى قيام البرلمانات العراقية المتعاقبة بمحاولة تشكيل حكومات قائمة على التوافق مع تمثيل من جميع الفصائل، ما يضمن لجميع الفصائل الرئيسية مقعدًا على الطاولة بغض النظر عن نتائجها الانتخابية.

لكن بعد انتخابات أكتوبر/تشرين الأول، اتخذ "الصدر" قرارا طموحا بتشكيل حكومة "أغلبية وطنية" تستبعد "الإطار التنسيقي" من السلطة من خلال التحالف مع الجماعات السنية والكردية. وعرقل "الإطار التنسيقي" بدوره جهود "الصدر" من خلال منع تعيين رئيس، ما يجعل من المستحيل المضي قدمًا في تشكيل الحكومة.

إخفاق "الصدر"

بعد فشل "الصدر" في تشكيل الحكومة، حاول اتباع تكتيك مختلف، حيث دعا نوابه إلى الاستقالة من البرلمان، وألقى الكرة في ملعب "الإطار التنسيقي" مع العلم أن التحالف الموالي لإيران يفتقر أيضًا إلى القوة لتشكيل الحكومة. ومع ذلك، كان تصرف "الصدر" أحادي الجانب ولم يلق دعمًا من حلفائه الأكراد والسنة من "الحزب الديمقراطي الكردستاني" الكردي و "كتلة السيادة" السنية.

لم تتبع أي من المجموعتين الصدريين في استقالتهم، الأمر الذي كان من الممكن أن يؤدي إلى اانتخابات جديدة. وأشار مراقبون إلى أن "الصدر" لم يكن يتوقع أن العملية السياسية قد تمضي قدما دون مشاركته.

ودفع الفشل في مناورة الاستقالة إلى تفكير "الصدر" في استغلال الغضب العام المتصاعد من خلال الدعوة إلى اعتصامات واحتجاجات حول المنطقة الخضراء ومبنى البرلمان، ما أدى إلى اضطراب شعبي كبير أثر على النظام السياسي العراقي.

وبالرغم أن "الصدر" نفسه ادعى في أواخر أغسطس/آب أنه سيعتزل السياسة بشكل دائم، لكن الجناح العسكري للتيار الصدري "سرايا السلام"، والمجموعات المسلحة التابعة لمكونات "الإطار التنسيقي"، وجدوا أنفسهم في مواجهة مسلحة مباشرة في بغداد وعدة محافظات جنوبية.

ويؤكد العنف على غياب سيادة القانون وضعف الدولة في مواجهة الجماعات المسلحة، كما يشير إلى احتمالات تجدد الصدام المسلح بين المكونات الشيعية بما يحمله ذلك من تداعيات كارثية رغم أن الفصيلين لا يمثلان الغالبية العظمى من المواطنين العراقيين العاديين، حتى أولئك الذين ينتمون للمناطق ذات الأغلبية الشيعية.

ويُحسب لـ"الصدر" أنه دعا أنصاره إلى نزع سلاحهم، رغم أنه لا يزال من غير الواضح تأثير هذه الكلمات في الواقع.

أزمة دستورية

هناك طبقة جديدة من الأزمة تتعدى الجدل حول "حكومة توافق مقابل حكومة أغلبية وطنية". ويتعلق ذلك بدور المحكمة الاتحادية العليا التي أجلت حل البرلمان العراقي 4 مرات من قبل. وقد اجتمعت المحكمة هذا الشهر لمناقشة القضية التي أثارها التيار الصدري بشأن حل البرلمان وإجراء انتخابات مبكرة، لكنها ردت القضية باعتبار أنها ليست من اختصاصها.

ويجادل أنصار "الصدر" أن مجلس النواب فقد شرعيته الدستورية منذ إخفاقه في انتخاب رئيس ورئيس للوزراء وتشكيل حكومة ضمن الفترة الدستورية.

ولا يوجد قانون محدد بشأن سلطة المحكمة في حل البرلمان من جانب واحد، لكن الدستور العراقي ينص في المادة 64 على آليتين في حل البرلمان، الأولى: يُحل بالأغلبية المطلقة لعدد أعضائه، بناء على طلب من ثلث أعضائه (وهو ما فشل فيه الصدريون) أما الآلية الثانية: بناء على طلب من رئيس مجلس الوزراء وبموافقة رئيس الجمهورية، لكن صلاحيات كل من "الكاظمي" و"صالح" أصبحت مقيدة لكونهما قائمين بالأعمال، ما يعني أنهما لا يملكان الحق في القيام بذلك.

وباختصار، تتمثل المعضلة في أن حل البرلمان وعقد الانتخابات المبكرة (والذي ربما يكون الحل الوحيد قصير المدى للأزمة السياسية الحالية والمطلب المحوري للاعب الأقوى في العراق) لا يمكن ترتيبه قانونًيا بواسطة المحكمة أو الرئيس أو رئيس الوزراء وفقًا للدستور، ولا يمكن الموافقة عليه في البرلمان بسبب انقساماته الحزبية الحادة.

لقد دخلت حكومة العراق في أزمة لا يستطيع دستور البلاد حلها، وحتى لو كان لدى أي من اللاعبين المذكورين القدرة على ذلك، فسيبدو كأنه تعرض لضغط مؤيدي "الصدر" للموافقة علي هذا القرار، مما يشكك في قدرتهم على المواصلة في مناصبهم بصفة محايدة.

من جانبه، عقد رئيس الوزراء العراقي المؤقت "مصطفى الكاظمي" جولة ثانية من المحادثات مع القادة العراقيين بهدف حل الأزمة السياسية المستمرة بين الكتل الشيعية المتنافسة وبعض شركائهم السنة والأكراد، لكن ممثلي الشخصية الأكثر نفوذاً (زعيم التيار الصدري) لم يحضروا مبادرات الحوار.

ومن المرجح أن يعيق غياب "الصدر" عن المحادثات جهود "الكاظمي" للتوسط في حل الأزمة المستمرة منذ 11 شهرًا. 

وفي نهاية المطاف، لم تحدث احتجاجات أو أعمال عنف بعد قرار المحكمة العليا. ويعد القضاء آخر مؤسسة ترغب أي من القوى السياسية في تحديها بما في ذلك التيار الصدري.

وربما يُعزى الهدوء الحالي قبل العاصفة التالية إما إلى المفاوضات الجارية لإيجاد تسوية لحل الأزمة الحالية، أو حاجة كل طرف لفترة من التخطيط والاستعداد لإيجاد طرق بديلة للتغلب على القيود الدستورية.

بطريقة أو بأخرى، لن تنتهي الأزمة الحالية ببساطة من تلقاء نفسها، ولكن يمكن أن تنتهي عبر القرارات التي سيتم اتخاذها في الأسابيع المقبلة.

المصدر | زيدون الكناني | منتدى الخليج الدولي - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

العراق التيار الصدري انتخابات العراق الإطار التنسيقي الكاظمي أزمة العراق السياسية إيران البرلمان العراقي

المعارضة الوطنية.. الحلقة المفقودة في المشهد السياسي العراقي