كيف كشفت إسرائيل عن برنامج سوريا النووي؟.. ابحث عن القذافي

الاثنين 10 أكتوبر 2022 05:57 ص

كشفت وثيقة إسرائيلية تفاصيل "عملية خاصة" وصفها بأنها كانت "خارج الصندوق" بشأن قصف وتدمير ما زُعم أنه مفاعل نووي كانت سوريا تبنيه سرا.

ووفق وثائقي قصير، نشره الجيش الإسرائيلي عبر قناته على "يوتيوب"، فإن دائرة المخابرات قدرت قبل 20 عاما (2002) أن سوريا كانت تبني مفاعلا نوويا.

وتحدث الجيش الإسرائيلي عن وثيقة سرية قال إنها قادته لضرب ما سماه بالمفاعل النووي السوري، في منطقة دير الزور، قبل 15 عاما.

وقال إن مقاتلاته دمرت بتاريخ 7 سبتمبر/أيلول 2007، المفاعل النووي السوري في دير الزور.

ووفق رئيس قسم المخابرات العسكرية بالموساد سابقا "أمنون صفرين"، فإن الملف النووي الليبي قادهم إلى البرنامج السوري، الذي كان متقدما وعلى وشك التشغيل.

ويروي "صفرين" لصحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية، ما جرى بالقول إنه "عندما أعلن الأمريكيون والبريطانيون، في ديسمبر/كانون الأول 2003، وبعد عدة أشهر من المفاوضات، أنهم تمكنوا من إقناع الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي، بالتخلي عن خططه للأسلحة النووية مقابل رفع العقوبات، أدركت إسرائيل أنها كانت مستبعدة من العملية، وأنها اكتشفت ذلك متأخرا مثل البقية".

ويضيف: "اتضح أن المشروع النووي الليبي كان في مرحلة متقدمة جدا، وكان الشخص الذي يقف وراء المشروع هو عالم الفيزياء الباكستاني عبدالقادر خان، الذي كان يبيع خبرته النووية لأي شخص يريدها، وكان من المعروف حتى ذلك الوقت، أن دولتين على الأقل اشتريتا خدمات خان، هما إيران وليبيا".

ويتابع "صفرين": "بالإعلان الأمريكي، أدركنا أن الباكستانيين متورطون بشدة في ليبيا، وبدأنا البحث عن اسم خان الذي سلم المشروع النووي لليبيا؛ حيث قام بتوزيع أجهزة الطرد المركزي والمرافق في جميع أنحاء ليبيا".

ويزيد: "نظرت إلى البيانات وقلت لنفسي إذا كان خان هو مدير المشروع، فلنر أين كان في الشرق الأوسط".

"وبعد فحص سريع للغاية، بدا واضحا أن خان زار ثلاث دول، هي مصر والسعودية وسوريا، فاستبعدت القاهرة والرياض؛ لأنهما تعتمدان على الولايات المتحدة وتخشيان منها"، حسب "صفرين".

ويكشف المسؤول الإسرائيلي السابق أنه "في أوائل العقد الأول من القرن الحالي، وصلت معلومات إلى إسرائيل من طرف ثالث حول الأنشطة السورية المتعلقة بأجهزة الطرد المركزي النووية، لكنها لم تكن كافية لإطلاق عملية استخباراتية".

ويضيف: "عندما جاء الإعلان عن مشروع نووي في ليبيا، وعلمت أن خان زار سوريا، شعرت بالقلق على الفور، خاصة مع المعلومات الأولية التي كانت لدينا عن نشاط نووي في سوريا".

ويتابع: "بعد شهر ونصف من العمل، عاد الإسرائيليون باستنتاج واضح وهو أن السوريين يبنون قدرات نووية".

وفي فبراير/شباط 2004، أصدر الموساد أول تحذير حول احتمال وجود مشروع نووي في سوريا.

وحسب "صفرين"، فإن وثيقة الموساد "أشارت بوضوح" إلى نشاط مشبوه على أساس التجربة الليبية وتورط العالم الباكستاني.

ومباشرة بعد استنتاجات فرق المخابرات العسكرية، أطلع "صفرين"، رئيس الموساد في ذلك الوقت "مئير داغان" بها، ووضعه أمام الصورة الكاملة، فقرر ونائبه "تامر باردو"، إعداد خطة أنشطة لكشف ما يحدث في سوريا.

وانصب التركيز على البحث عن مواقع التخصيب وطرق الإمداد، وآثار أجزاء أجهزة الطرد المركزي.

ويضيف: "تخصص خان في طريقة التخصيب عن طريق أجهزة الطرد المركزي، وكان الافتراض العملي هو أن سوريا تتبع نفس المسار، وهو تقييم ثبت لاحقا أنه خاطئ".

ويتابع "صفرين": "في نهاية عام 2006، بدأنا في تكوين فكرة حول وجود عدة أماكن بها نشاط مشبوه.. وفي هذه المرحلة، لم نتمكن من تحديد ما هو موجود في كل مكان، كنا نريد اكتشاف المفاعل النووي الذي لا تعلم إسرائيل شيئا بشأنه".

وبينما كان البحث عميقا من قبل الموساد، حدثت نقطة تحول خلال إحدى المناقشات الدورية حول الأمر مع المخابرات العسكرية.

ويكشف "صفرين" عن ذلك بالقول: "أخبرني ضابط شاب أنه ربما أخطأنا في الافتراض الرئيسي، بأن السوريين لديهم أجهزة طرد مركزي، وأنهم ربما بدلا من ذلك لديهم مفاعل بلوتونيوم".

ويتم التخصيب في مفاعل البلوتونيوم عن طريق انشطار قضبان معدنية، يتم إدخالها في قلب المفاعل، ولهذا الغرض، يلزم إنشاء مفاعل بغطاء من الرصاص والخرسانة حوله لمنع التسرب.

كما أنه على عكس أجهزة الطرد المركزي لتخصيب اليورانيوم التي يمكن نشرها في أي مكان، يُبنى هذا المفاعل بالقرب من مصدر للمياه للسماح بتبريده المستمر.

ويقول "صفرين": "قادنا هذا التعليق إلى إعادة التفكير في سياق العملية الاستخباراتية؛ لأنه إذا كان مفاعل بلوتوجيني، فهو لا يتوافق مع المعرفة الباكستانية، بل يتوافق مع معرفة كوريا الشمالية".

ويضيف: "بعد ذلك بوقت قصير، اكتشفنا نشاطا متزايدا للكوريين الشماليين في سوريا.. لقد أصبحنا على علم بهذا النشاط كجزء من مساعدة بيونج يانج في إنشاء خطوط إنتاج لصواريخ سكود دي السورية. ثم أدركنا أن هناك المزيد من الكوريين".

ووفقا لتحقيق أجرته صحيفة "ذا نيويوركر"، والذي لم تنكره إسرائيل أبدا، فقد تتبع عملاء الموساد رئيس وكالة الطاقة الذرية السورية "إبراهيم عثمان"، الذي وصل لحضور الاجتماع السنوي للمحافظين في مقر وكالة الطاقة الذرية التابعة للأمم المتحدة في فيينا.

وفقا للتحقيق، اقتحم موظفو الموساد غرفته بالفندق، واستنسخوا جهاز الكمبيوتر الخاص به، وغادروا دون أن يتركوا أثرا.

ويقول "صفرين": "في هذه المرحلة كنا بالفعل متأكدين تماما، أن النشاط النووي السوري مولّدا بالبلوتوجين وليس بالطرد المركزي، فبدأنا في تحديد المناطق المشبوهة لبناء مفاعل".

ويضيف: "حددنا موقع المبنى في دير الزور كواحد منهم، لكننا لم نكن نعرف ما بداخله".

ويتابع المسؤول الإسرائيلي السابق: "رأينا العديد من العلامات المشبوهة، منطقة معزولة بالقرب من نهر الفرات، وخط أنابيب مع محطة ضخ.. بالنظر إلى كل هذه العناصر، فهمت أن شيئا ما يختمر هناك، لكننا ما زلنا نفتقر إلى دليل ذهبي".

في أوائل مارس/آذار 2007، حقق التحقيق تقدما كبيرا، بعد أن حصل وكلاء الموساد على صور تم تصويرها داخل "مكعب روبيك"، تضمنت صورا أظهرت مسؤولين كوريين شماليين في الموقع.

وأكدت الصور ما اشتبهت به إسرائيل بأن الموقع كان بالفعل مفاعل بلوتونيوم.

كما وصلت عملية فك شفرة جهاز الكمبيوتر المحمول الخاص بـ"عثمان" من قبل المخابرات العسكرية إلى قسم الأسلحة غير التقليدية في الموساد ليلة أربعاء؛ فحلل خبراء الموساد المواد لساعات ودهشوا.

ولم تترك الصور مجالا للشك بأن هناك مفاعل بلوتوجيني سوريا، بل أنه  كان جاهزا للتشغيل، بما في ذلك القلب، وأنظمة التبريد وأنابيب مدخل ومخرج المياه.

وفي صباح اليوم التالي، اتخذ القرار بإبلاغ المستويات السياسية العليا، وفقا لـ"صفرين".

وفي كل يوم خميس، كان "داغان" يعقد اجتماعا منتظما مع رئيس الوزراء حينها "إيهود أولمرت" في القدس.

يقول "صفرين": "دخلت الغرفة التي كان يجلس فيها أولمرت وداغان، وقلت لرئيس الوزراء: هل تتذكر ما قدمناه بشأن الملف النووي السوري؟ (..) أزيلت علامات الاستفهام"، مشيرا إلى أن "أولمرت" استمع بتركيز شديد، "ثم سأل: ماذا سنفعل بهذه المعلومات؟، فأجبت أنا وداغان تلقائيا: نزيلها".

وعلى الفور، بدأت عدة فرق الاستعداد لضربة جوية مع مراقبة دقيقة لما يحدث في هذا المفاعل السوري.

وحتى هذه المرحلة، تم إطلاع أقل عدد ممكن من الأشخاص على العملية لضمان سريتها، مع إجبار كل من شخص تم إطلاعه عليها على التوقيع على اتفاق سرية.

وحتى الطيارين الذين نفذوا الغارة الجوية لم يعرفوا عن العملية إلا قبل لحظات من إنطلاقهم.

وفي الأشهر التي سبقت الهجوم، تم تدريب الطواقم على العملية من دون أن يكونوا على علم بها؛ حيث قاموا بالتدرب على القصف الذي كانوا سينفذونه في وقت لاحق في دير الزور.

ويقول "صفرين" إن إسرائيل دخلت في تلك المرحلة في سباق مع الزمن؛ خشية أن تكون شحنة البلوتونيوم موجودة بالفعل في سوريا، وأن المفاعل سيتم تشغيله، مشيرا إلى أنه "إذا كان الأمر كذلك، فإن أي هجوم عليه سيعني انفجارا نوويا لا يمكن السيطرة عليه".

ويضيف أن "أولمرت" طلب من الأمريكيين مهاجمة الموقع، لكن الرئيس "جورج دبليو بوش" رفض؛ فـ"أنهى أولمرت المكالمة بأن إسرائيل ستفعل ما عليها أن تفعله"، وفق "صفرين".

وإلى جانب الجهود الاستخباراتية والعملياتية، افترضت إسرائيل أن يبدأ "بشار الأسد" حربا بعد قصف المفاعل.

وفي محادثات "أولمرت" مع "بوش"، طلبت إسرائيل أسلحة فريدة وبكميات كبيرة، فوافقت الإدارة الأمريكية على الفور.

وفيما أطلق عليه عملية "خارج الصندوق"، قصف الجيش الإسرائيلي في 6 سبتمبر/أيلول 2007 المفاعل السوري ودمر الموقع.

ويرى "صفرين" أن المشروع النووي السوري لم يبدأ في عهد "بشار الأسد"، ولكن مع والده "حافظ"، و"ربما في منتصف الثمانينيات".

وبينما كان "حافظ الأسد" يكرر عبارة "التوازن الاستراتيجي" كثيرا في هذه الفترة، فإن إسرائيل كانت تعتقد أنه يتحدث عن تعزيز كبير لقدرته العسكرية التقليدية.

ويضيف "صفرين": "طرح بشار الأسد نفس العبارة.. اعتقدنا أنه يردد صدى والده، لكن أدركنا لاحقا أنه كان يقصد امتلاك أسلحة نووية".

وسبق أن نشر الجيش الإسرائيلي أيضا صورا ومقاطع فيديو، للحظات استهداف الموقع النووي السوري.

ويأتي نشر هذه المعلومات، في ذروة تهديدات إسرائيل لإيران حال امتلاكها سلاحا نوويا، كما يأتي في وقت تبذل إسرائيل جهودا كبيرة لثني الدول الغربية عن توقيع اتفاق متبلور مع إيران، حيال برنامجها النووي.

المصدر | لك

  كلمات مفتاحية

سوريا القذافي برنامج سوريا النووي برنامج نووي دير الزور

هل تهاجم (إسرائيل) منشآت إيران النووية كما فعلت في العراق وسوريا؟

إسرائيل: استهدافنا شحنة أسلحة خلال عبورها من العراق لسوريا