تحليل أمريكي: المسيّرات التركية تضع علاقات أنقرة وموسكو أمام عتبة حرجة

الأحد 16 أكتوبر 2022 02:08 م

"تركيا قوة عسكرية شرسة على أعتاب روسيا، وهو أمر لن تتمكن موسكو من تجاهله"، هكذا سلط محلل الشؤون الدفاعية "جان كاسابوغلو" الضوء على تأثير استراتيجية تركيا بشأن الطائرات المسيرة بدون طيار على علاقتها بروسيا ونفوذها بمنطقة البحر الأوسط وما وراءها.

وذكر "كاسابوغلو"، في تحليل نشره بموقع مؤسسة "جيمس تاون" الأمريكية، المتخصصة في سياسات الدفاع، أن تركيا تتبنى استراتيجية "مجزأة" في علاقاتها مع روسيا، ولا تضع مصالحها الثنائية مع الكرملين في سلة واحدة، ولولا عضويتها بحلف شمال الأطلسي (الناتو)، لكان للحلف "خريطة مختلفة" لتصور بيئته المحيطة.

فتركيا هي الدولة الوحيدة في الناتو التي اشترت سلاحًا استراتيجيًا روسيًا في أعقاب عدوان موسكو عام 2014 في شبه جزيرة القرم، وهو صواريخ الدفاع الجوي "إس 400"، وفي الوقت ذاته أصبحت البائع الرئيسي للطائرات المسيرة إلى الجيش الأوكراني، الذي تمكن من تكبيد نظيره الروسي خسائر كبيرة بفضل تلك الطائرات.

هذا التأرجح الحاد يجعل تحليل العلاقات بين تركيا وروسيا أكثر صعوبة للمحللين وصناع السياسة، حسبما يرى "كاسابوغلو"، مشيرا إلى أن اتفاقا غير معلن بين البلدين على "تجزئة" ملفات تلك العلاقات وعدم ربطها ببعضها البعض هو ما يقف وراء استمرار هكذا تباين.

ويشير محلل سياسات الدفاع إلى أن تركيا لا تبيع الطائرات المسيرة فقط، بل تشعل منافسة ضارية على سوق صناعة أنظمة تلك الطائرات بالخارج، خاصة في المناطق المحيطة بروسيا؛ ما يعزز تحالفاتها الإقليمية من جانب ويعزز قدراتها في مجال الحرب الروبوتية من جانب آخر.

ورغم أن "النمط" الحالي للعلاقات التركية الروسية شهد استثناءات مقلقة، مثل إسقاط الجيش التركي مقاتلة روسية من طراز "سو 24" عام 2015 أو مقتل 36 جنديًا تركيًا في ريف إدلب على يد قوات النظام السوري، المدعومة من موسكو، عام 2020، إلا أن كلا من أنقرا ومسكو أظهرتا قدرة كبيرة على التقارب في العلاقات بينهما.

منافسة طويلة الأمد

ومع هذا التقارب، لاسيما في قطاعي الطاقة والدفاع، إلا أن التنافس طويل الأمد بين تركيا وروسيا في البحر الأسود وجنوب القوقاز لا يزال قائمًا، وتلوح في الأفق الحروب العثمانية الروسية في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، ولا سيما حرب القرم (1853-1856)، باعتبارها أمثلة بارزة على هذه المنافسة طويلة الأمد.

وهنا يشير "كاسابوغلو" إلى أن الكرملين لديه رهانات كبيرة في حوض البحر الأسود، وأن التقديرات تشير إلى أن روسيا تضم ​​في الوقت الحاضر ما يقرب من 25 ألف جندي و21 سفينة كبيرة و7 غواصات، و 200 سفينة دعم.

كما اعتمدت روسيا منطقة البحر الأسود منطلقا للتوسع نحو البحر المتوسط، عبر التدخل العسكري في سوريا عام 2015، ما حوّل المنطقة إلى بوابة للوجود الروسي على الجانب الجنوبي لحلف الناتو.

أما تركيا، فيرى "كاسابوغلو" أن سياستها الخارجية والأمنية الحالية تستند إلى 3 محركات رئيسية، هي: تحقيق استقلالية استراتيجية طويلة المدى في الشؤون الجيوسياسية الرئيسية والاكتفاء الذاتي في تقنيات الدفاع، وبناء شراكات جديدة لتقليل اعتماد تركيا المفرط على حلفائها الغربيين التقليديين، وتجنب المواجهة المباشرة مع روسيا.

وفي هذا الإطار، تعطي تركيا الأولوية في سياستها الخارجية لخطة التعاون الإقليمي مع دول البحر الأسود الأخرى، بدلاً من الاعتماد فقط على حلفائها الغربيين، وبذلك لعبت "توازنًا دقيقًا" في مواجهة الحملة العسكرية الروسية، بينما نأت بنفسها عن النهج التقليدي المتشدد ضد موسكو بوصفها حليفا في الناتو.

فالأمن البحري يمثل أولوية قصوى لأنقرة التي تريد الحفاظ على موقفها الرصين وتجنب أي مسارات تصعيدية في البحر الأسود، وفي الوقت ذاته، لم تمتنع عن بيع طائرات بدون طيار إلى كييف، بل إنها تبني منشأة مشتركة لإنتاج قاذفات تلك الطائرات مع استمرار الحرب في أوكرانيا.

ولذا يصف "كاسابوغلو" السياسة التركية في البحر الأسود بأنها براجماتية، كانت حتى وقت قريب "جذابة لروسيا"، إلا أن ضربات الطائرات المسيرة في أوكرانيا جعلتها أمام "عتبة حرجة"، خاصة أن أحدث طائرات تركيا المسيرة "أقنجي" سيتم تجهيزها بمحركات أوكرانيا حسبما أعلنت أنقرة وكييف.

فالطائرات التركية المسيرة أصبحت أفضل الحلول المتاحة في أسواق الأسلحة الدولية نظرًا لسعرها التنافسي وفعاليتها القتالية، خاصة بعد الإنجازات التي حققتها باستخدام القوات الأذربيجانية لها في حرب إقليم قره باغ الثانية.

وإزاء ذلك، أصبح النموذج التركي لحرب الطائرات المسيرة يتمتع بشعبية كبيرة في الدول المحيطة بروسيا، ما يزيد من تعقيد العلاقات مع أنقرة بالنسبة لموسكو.

محور جيواستراتيجي

الأكثر سوءا بالنسبة لروسيا، هو أن حلفاء البلطيق يمكنهم الآن أن يحذوا حذور أوكرانيا، إذ تبدو لاتفيا مهتمة باختيار أنظمة تركيا للطائرات المسيرة؛ ما يفتح أبواب المنطقة أمام مصنعي الأسلحة الأتراك.  

ويعني ذلك أن المناطق العسكرية المحيطة بروسيا غربا وجنوبا قد تكون محاطة قريبا بتهديد الطائرات التركية المسيرة.

وإزاء ذلك، يرى عديد الخبراء أن السياسة الخارجية التركية نجحت في بناء محور جيواستراتيجي جديد من خلال تشكيل تحالفات مع دول ما بعد الاتحاد السوفيتي السابق وحلف وارسو ذات الميول الغربية، مع تواصل كبير مع أذربيجان وأوكرانيا وجورجيا ومولدوفا.

فتركيا وافقت مؤخرًا على زيادة اعتمادها على إمدادات الغاز من أذربيجان، الأمر الذي أثار حفيظة روسيا، حيث يتيح خط أنابيب "تاناب" لأذربيجان أن تصبح مُصدرًا رئيسيًا للغاز في سوق الطاقة الأوروبية، وهو ما يهدد الهيمنة الروسية.

كما تبني تركيا شراكات ذات قيمة جيواستراتيجية خاصة، تخدم مصالحها في البحر الأسود، مثل مشروعها لإعادة بناء البحرية الأوكرانية بطرادات من فئة "MILGEM" وأسلحة حرب الطائرات المسيرة.

ويصف "كاسابوغلو" إعادة بناء البحرية الأوكرانية عبر تركيا بأنها صفقة "تتجاوز الدفاع، إنها بالأحرى حركة موازنة ضد الهيمنة الروسية في البحر الأسود".

ويخلص محلل سياسات الدفاع إلى أن مردود مناورة تركيا في متابعة سياستها التقليدية تجاه روسيا وصل بالفعل إلى الذرورة، وأن وراء "العتبة الحرجة" ما وراءها مستقبلا.

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

تركيا روسيا الطائرات المسيرة أوكرانيا قره باغ القرم

مصادر: مساع فرنسية لشراكة مع تركيا في صناعة الطائرات المسيرة