الدبلوماسية النووية.. ذراع روسيا الفولاذي لاختراق الشرق الأوسط؟

الاثنين 17 أكتوبر 2022 12:19 م

تعتبر روسيا منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا "فرصة جذابة" لتوسيع سوق صادراتها النووية؛ نظرا للطلب المتزايد بسرعة هناك على الكهرباء والطاقة.

ظروف مواتية وأرض خصبة جعلت موسكو تطلق ما وصفه خبراء بـ"دبلوماسية نووية" تعزز من خلالها التعاون مع دول الشرق الأوسط، في إطار خطة أوسع لاختراق وتعزيز نفوذها بالمنطقة.

وتشير الدبلوماسية في مجال الطاقة عادة إلى الجهود التي يبذلها بلد منتج للطاقة، سواء نووية وغيرها، لتأمين الوصول إلى الأسواق؛ بهدف تأمين الطلب على منتجه. 

وبات استخدام الطاقة النووية لإنتاج الكهرباء أكثر قبولا عالميا رغم الحذر منها الذي ساد العالم بعد كارثة "فوكوشيما" النووية باليابان عام 2011.

ولأسباب سياسية واقتصادية، تصاعد الاهتمام بهذا المصدر الهام لإنتاج الطاقة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا؛ حيث تشير التوقعات إلى أنها ستسجل، بحلول عام 2030، ارتفاعا في الطلب على الكهرباء بنسبة لا تقل عن 40%.

وفي هذا الصدد، تأتي روسيا، التي تعد واحدة من أكبر مصدري التكنولوجيا النووية بالعالم، كخيار جذاب بالنسبة لأولئك الذين يسعون إلى إعادة ضبط علاقاتهم مع الولايات المتحدة.

فموسكو ترى في الشرق الأوسط سوقا واعدا للطاقة النووية، ولا تضع قيودا على تصدير هذا النوع من الطاقة، لاعتبارات حقوقية أو سياسية، بخلاف ما تفعله واشنطن.

وهناك، أيضا، تأثير جيوسياسي؛ حيث تنحرف العدد من دول المنطقة، وخاصة الخليجية، أكثر عن التحالف التقليدي والشراكات الأمنية مع الولايات المتحدة.

ومثل هذا التحول، في منطقة تسعى إلى الاعتماد جزئيا على مفاعلات روسيا النووية في تأمين احتياجاتها من الطاقة، يشكل تحديا لمصالح الولايات المتحدة.

ومثلما أصبح إنتاج النفط في الخليج الآن أكثر توافقا مع الأهداف الروسية، فقد نشهد أيضًا تحالفًا استراتيجيًا إقليميًا بشأن إمدادات الوقود النووي وبناء المفاعلات ومعالجتها قيد التنفيذ.

ولعل كلمة السر في ذلك، شركة "روساتوم" النووية الروسية المملوكة للدولة، وهي مصدر دخل مهم لموسكو؛ إذ تعد واحدة من الموردين الرئيسيين للمفاعلات النووية في العالم، ومسؤولة عن صناعة الطاقة النووية الروسية، ووحدة الأسلحة النووية، وأسطول كاسحات الجليد التي تعمل بالطاقة النووية، ومؤسسات الأبحاث النووية.

الأهم من كل ذلك، أنها تمثّل قدرة الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين" على إنشاء وصيانة القدرات النووية للعديد من البلدان في جميع أنحاء العالم.

وتدير "روساتوم" أكثر من 300 شركة ومنظمة تشارك في جميع مراحل سلسلة إنتاج الأسلحة النووية والطاقة.

ووفقًا لتقريرها السنوي لعام 2020، بلغت محفظة الطلبات الخارجية للشركة لمدة عشر سنوات 138.3 مليارات دولار.

وشكّلت إنشاءات محطات الطاقة الذرية في الخارج 89.1 مليار دولار من هذه الطلبات.

وتخضع الشركة بالكامل لسيطرة الرئيس الروسي، الذي يحدد أهدافها الإستراتيجية، ويعيّن مديرها وأعضاء مجلسها الإشرافي.

وبالإضافة إلى إمدادات الأسلحة التقليدية والمرتزقة والقاعدة العسكرية في المنطقة، يستخدم "بوتين" بنشاط "روساتوم" لتوسيع النفوذ الروسي في الشرق الأوسط؛ حيث تلعب الشركة دورا رئيسيا في التقرّب وإقامة علاقات أوثق مع القوى الإقليمية.

وتملك الشركة مقرا إقليميا في دبي، وتخطط لفتح فرع لها في السعودية.

ورغم العقوبات الغربية على الصادرات الروسية، لا تزال "روساتوم" تسعى إلى زيادة عدد عملائها الإقليميين.

وعندما أعلن الرئيس الأمريكي "جو بايدن" حظرا أمريكيا على واردات النفط والغاز والفحم الروسي في مارس/آذار الماضي، لم يتمّ ذكر "روساتوم".

ويمكن أن يُعزى ذلك إلى اعتماد الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين على اليورانيوم الروسي، الذي شكّل 14% من مشتريات اليورانيوم الأمريكية في عام 2021، و20% من واردات الاتحاد الأوروبي من اليورانيوم في عام 2020.

وبالتالي، فإن فرض عقوبات على "روساتوم" بعد قطع صادرات الغاز الروسي إلى أوروبا يمكن أن يؤدي إلى تفاقم أزمة الطاقة العالمية.

وهذا الإعفاء يمنح "روساتوم" الامتياز والحرية للعمل في الشرق الأوسط.

وبعد إيران، تكشف خطط التحول إلى الطاقة النووية في مصر، والأردن، والسعودية، وتركيا، والإمارات عن طموحات للنمو الاقتصادي لمواجهة الطلب المتزايد على الكهرباء والمياه المحلاة.

وتتوافق هذه الخطط أيضاً مع رغبة هذه الدول في الاكتفاء الذاتي من الطاقة، وتقليل الواردات، وتنويع مصادر الطاقة، وزيادة صادراتها.

ومنذ ثورات الربيع العربي عام 2011، سعت روسيا إلى ترسيخ موطئ قدم لها في المنطقة، واستفادت من الصراعات الإقليمية، والفراغ السياسي الناتج من الانسحاب الأمريكي، والتوتر بين بعض الأنظمة العربية والإدارات الأمريكية المختلفة بشأن الاتفاق النووي الإيراني، وانتهاكات حقوق الإنسان.

وبذلك، ظهرت في الأفق فرصة إعادة التقرب من روسيا بوصفها فرصة للأنظمة العربية لإعادة ضبط علاقاتها مع الولايات المتحدة، في وقت يسمح تعزيز العلاقات مع "بوتين" للحكومات العربية بالضغط على الولايات المتحدة وفق الحاجة.

وفي عام 2005، وقَّعت إيران و"روساتوم" اتفاقية تعاون ساهمت روسيا بموجبها في تطوير مفاعل بوشهر، رغم أن الولايات المتحدة حثت روسيا على وقف المشروع، الذي قد يساعد في برنامج أسلحة نووية إيراني.

ومرة أخرى، وعلى الرغم من الضغوط الغربية، وقّعت الشركة عقداً مع إيران في نوفمبر/تشرين الثاني 2014 لبناء مفاعلين إضافيين للطاقة النووية في بوشهر.

وبدأ بناء المشروع في سبتمبر/أيلول 2016، ومن المتوقع أن يستغرق 10 سنوات ليكتمل.

ومع ذلك، فإن طموح "بوتين" يتجاوز النظام المتشدّد الإيراني ليشمل لاعبين إقليميين معتدلين.

واستلزم ذلك الاقتراب من مصر وتركيا والسعودية والإمارات والمغرب والأردن.

ففي عام 2015، وقعت "روساتوم" اتفاقيات مع العديد من الدول العربية، منها اتفاقية مع السعودية تتعلق بالمفاعلات الصغيرة والمتوسطة، واتفاقية أخرى مع الأردن أُلغيت بعد ذلك بـ3 سنوات.

لكن الشركة لم تستسلم، وتأمل في إقناع الأردن مستقبلا باستخدام مفاعلات معيارية صغيرة.

وفي النهاية، أدى تركيز "روساتوم" على البلدان التي كانت جزءا من مدار الولايات المتحدة إلى صيد ثمين في مصر وتركيا.

وفي عام 2015، وقّعت "روساتوم" اتفاقية مع مصر لبناء محطة للطاقة النووية في مصر بالقرب من الضبعة على ساحل البحر المتوسط، من خلال تقديم قرض بقيمة 25 مليار دولار من روسيا.

والتكلفة الباهظة للاتفاقية مع مصر، التي تعاني بالفعل من ديونها الخارجية، تسلط الضوء على حاجة الحكومة المصرية إلى تعزيز مكانتها السياسية المحلية وتجاوز واشنطن، التي انتقدت مصر منذ 2013 بسبب سجلها الحقوقي.

وبعد زيارة "بايدن" إلى السعودية في يوليو/تموز الماضي، سافر وزير الخارجية الروسي "سيرجي لافروف" إلى القاهرة لحشد الدول إلى جانب بلاده.

وبعد أيام قليلة، أعلنت مصر أن شركة "روساتوم" بدأت في بناء أول مفاعل نووي مصري للاستخدام السلمي، واصفة إياه بأنه "أكبر مشروع للتعاون الروسي المصري" منذ الخمسينيات.

وفي تركيا، يستمر البناء لما وصفته "روساتوم" بأنه "أكبر مشروع في تاريخ العلاقات الروسية التركية".

ويعود المشروع إلى عام 2010، عندما أبرمت تركيا عقدا بقيمة 20 مليار دولار مع الشركة لبناء محطة للطاقة النووية، تضم 4 وحدات لإنتاج الطاقة.

وفي ديسمبر/كانون الأول 2010، أنُشئت شركة "أكويو" النووية المساهمة في أنقرة لتنفيذ المشروع.

وتبلغ حصة "روساتوم" في "أكويو" النووية 75% تقريبا.

وبعد 4 سنوات، ناقش المحللون في واشنطن ما إذا كانت تركيا تسعى لامتلاك أسلحة نووية.

وفي أغسطس/آب الماضي، منحت "روساتوم" شركة "TSM Enerji" عقداً للقيام بأعمال البناء المتبقية في محطة الطاقة النووية البالغة قيمتها 20 مليار دولار التي تبنيها في "أكويو" (جنوب تركيا).

وفي عام 2017، وقّع المغرب أيضًا مذكرة تفاهم مع شركة "روساتوم"، فتحت الباب أمام مجالات متعددة من التعاون الثنائي، بما في ذلك، مساهمة "روساتوم" بتطوير البنية التحتية النووية، والصيانة، وتوريد المعدات لتلبية احتياجات المغرب.

ومع ذلك، كما في الحالة الأردنية، فإن التعاون بين المغرب و"روساتوم" لم يتحقَّق بعد.

إلا أنه قبل أيام، عاد الحديث عن هذه الاتفاقية، قبل أن توافق الحكومة الروسية للتعاون في مجال استخدام الطاقة الذرية، ودعم تشييد المملكة محطة نووية.

ووفق الاتفاقية، ستساعد روسيا المغرب في إنشاء وتحسين البنية التحتية للطاقة النووية، وتصميم وبناء المفاعلات النووية.

ومنذ سنوات، تحذر وسائل إعلام غربية من تنامي النفوذ الروسي في الشرق الأوسط، في ظل تضاؤل النفوذ الأمريكي وتراجعه.

ومن المتوقع، وفق مراقبين، أن يزداد الدور الروسي ويتسع نطاقاً في المستقبل، بالنظر إلى مصالح روسيا الحيوية المتنامية في الشرق الأوسط على الصعيدين الاستراتيجي والاقتصادي، والثقة والقبول اللذين أصبحت تتمتع بهما روسيا بوصفها شريكاً لكثير من دول المنطقة.

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

نووي محطات نووية روسيا دبلوماسية نووية روساتوم الشرق الأوسط مصر إيران بوتين المغرب

«روس آتوم» الروسية تتوسع بإنشاء المحطات النووية بالشرق الأوسط

مباحثات بين موسكو وأنقرة لإنشاء محطة نووية جنوب تركيا

تحذر منها روسيا.. ما هي القنبلة القذرة وهل تنوي أوكرانيا استخدامها؟

أمريكا: تحركات روسية لاختبار طوربيدات نووية

أوكرانيا عطلتها.. دبلوماسية السلاح الروسية تتعمق في الشرق الأوسط (تحليل)