ما هو الخط الأحمر الأمريكي بشأن احتجاجات إيران؟

الجمعة 28 أكتوبر 2022 03:03 ص

مع دخول الاحتجاجات الإيرانية المنددة بمقتل "مهسا أميني" الشهر الثاني، أقر الرئيس الأمريكي الأسبق "باراك أوباما" بأن نهج إدارته المتمثل في عدم دعم احتجاجات الحركة الخضراء عام 2009 كان خطأ.

وقال "أوباما": "حيثما وجد بصيص أمل والناس يبحثون عن الحرية، فعلينا أن نضع ذلك في اهتمامنا ونعبر عن التضامن معه". وأضاف أنه بعد احتجاجات 2009 كان هناك نقاش كبير داخل البيت الأبيض. وتابع: "لقد اتُهم الكثير من الناشطين بأنهم أدوات في الغرب، لذلك كنا نخشى أن نقوض بطريقة ما رصيدهم في الشارع إذا أعلنا دعم ما يفعلونه".

وحظيت تعليقات "أوباما" بتغطية واسعة من قبل وسائل الإعلام الإيرانية، لكن حتى هذه  التصريحات الشفافة تجاهلت نقطة أساسية، وهي أن مشكلة السياسة الخارجية الأمريكية في 2009-2010 لم تكن عدم التضامن مع الحركة الخضراء، بل التفاعل الإيجابي مع حكام إيران، ما جعلهم يستنتجون أن واشنطن لن تتخذ أي موقف تجاهها مهما نفذت من حملات قمع ضد المتظاهرين.

بعبارة أخرى، لم يكن الأمر يتعلق بما لم تفعله الحكومة الأمريكية (مثل عدم دعم الحركة الخضراء) بل بما فعلته واشنطن وتسبب في عواقب طويلة الأجل. على سبيل المثال، في 23 أغسطس/آب 2009، وسط القمع الشديد والأخبار المرعبة حول سوء معاملة السجناء السياسيين، كشفت وسائل الإعلام الإيرانية أن "أوباما" أرسل رسالة ودية إلى المرشد الإيراني "علي خامنئي" يحثه فيها على الموافقة على صفقة دبلوماسية محتملة مع واشنطن.

وفي 3 نوفمبر/تشرين الثاني 2009، أشار المرشد علنًا إلى هذه الرسالة، قائلاً: "قال الرئيس الجديد لأمريكا كلمات جميلة! لقد أرسل لي رسائل مرارًا وتكرارًا - شفهيًا [و] كتابيا - قائلاً دعنا نقلب الصفحة ونعمل معًا لحل مشاكل العالم.. قلت ليس لدينا أحكام مسبقة وسننظر إلى أفعالكم.. قال إننا نريد إجراء تغيير.. قلت دعونا نرى التغيير في سلوككم".

وأشارت تصريحات "خامنئي" حول الرسائل "المتكررة" من الرئيس الأمريكي إلى حقيقة أن رسالة "أوباما" كانت في الواقع رسالته السرية الثانية إلى الزعيم الإيراني. وتم إرسال الأولى في 21 أبريل/نيسان 2009، عشية الانتخابات الرئاسية المثيرة للجدل في إيران. وعلم الجمهور الإيراني عن تلك الرسالة عندما أشار إليها "خامنئي" خلال خطبة صلاة الجمعة في 19 يونيو/حزيران 2009.

وفي هذا الخطاب، حذر "خامنئي" مؤيدي المتظاهرين من أنه إذا استمرت هذه الأوضاع، فسيكونون مسؤولين عن "إراقة الدماء" القادمة. وفي نفس الخطبة، أضاف أن الرئيس الأمريكي أرسل له خطابًا أعرب فيه عن اهتمامه بإقامة علاقات مع النظام الإيراني وكذلك احترام الجمهورية الإسلامية.

وصدمت هذه الإشارات إلى خطابات "أوباما" الجمهور الإيراني وأرسلت رسالة واضحة إلى المتظاهرين مفادها: "بغض النظر عن البيانات الدبلوماسية الصادرة عن الأمريكيين الذين ينتقدون القمع من قبل السلطات الإيرانية، فإن واشنطن تتواصل سرا مع القيادة وتعقد صفقات معها".

فترة "ترامب"

خلال رئاسة "دونالد ترامب"، تغيرت سياسة الولايات المتحدة بشأن إيران بشكل كبير. وانسحب "ترامب" من الاتفاق النووي، وفرض عقوبات أكثر صرامة على طهران، وأصدر أمرًا مفاجئًا بقتل الجنرال "قاسم سليماني". وأدلى "ترامب" أيضًا بتصريحات قوية لدعم المتظاهرين في الشوارع الإيرانية. وبالرغم من كل هذا، فإنه (مثل "أوباما") قاد المسؤولين الإيرانيين إلى استنتاج مفاده أن الحملة الوحشية ضد الاحتجاجات الشعبية لن تؤدي إلى رد فعل خطير من واشنطن.

وبعد أشهر قليلة من احتجاجات ديسمبر/كانون الأول 2017 - يناير/كانون الثاني 2018، أعلن وزير الخارجية الأمريكي آنذاك "مايك بومبيو" 12 مطلبا تريدهم واشنطن من طهران، مع التأكيد على أن إدارة "ترامب" ستستمر في ممارسة ضغوط شديدة على الجمهورية الإسلامية حتي يتم الوفاء بهذه المطالب.

ولكن كانت جميع المطالب الـ 12 التي أعلنتها إدارة "ترامب" مرتبطة بالسياسة الخارجية الإيرانية، ولم يتطرق أي منها إلى طريقة تعامل النظام مع الشعب الإيراني؛ كما لو أن السلوك الداخلي للنظام لم يكن مهمًا بما يكفي لذكره.

وخلال احتجاجات نوفمبر/تشرين الثاني 2019، تسبب رد فعل واشنطن في المزيد من الإحباط. وفي غضون 3-4 أيام، تم تحطيم سجلات عدد المتظاهرين في الشوارع الذين قتلوا على يد السلطات منذ قيام الجمهورية الإسلامية. وبحسب "رويترز"، قُتل نحو 1500 شخص خلال هذه الانتفاضة.

وبالرغم أن واشنطن أدانت عمليات القتل بعبارات شديدة وأعلن "ترامب" دعمه للاحتجاجات، فقد نفذت الإدارة الأمريكية بعد أسبوعين فقط عملية تبادل سجناء مع إيران. وفي 7 ديسمبر/كانون الأول 2019، علّق "ترامب" على عملية التبادل وغرد قائلا: "شكرًا لإيران على إنجاح هذه المفاوضات.. انظروا يمكننا عقد صفقة معًا!". وفي تصريح آخر في نفس اليوم، قال "ترامب": "أعتقد أنه كان من الرائع إظهار أنه يمكننا القيام بشيء ما. ربما كانت مقدمة لما يمكن فعله".

أقنعت هذه التصريحات العديد من الإيرانيين أن تبادل السجناء لمرة واحدة كان أكثر أهمية بالنسبة لرئيس الولايات المتحدة من الرسالة السياسية التي ينبغي توجيهها للجمهورية الإسلامية. ولم يستطع هؤلاء الإيرانيون المحبطون فهم سبب شكر "ترامب" للجمهورية الإسلامية بعد وقت قصير من إراقة الدماء في نوفمبر/تشرين الثانب 2019.

هل تهتم طهران برد فعل "بايدن"؟

تعد الأولوية القصوى للرؤساء الأمريكيين هي حماية مصالح الولايات المتحدة ويجب أن تكون كذلك. ومن الواضح أن كل من "أوباما" و"ترامب" - بناءً على وجهات نظرهما الخاصة - اعتبرا أن الصفقة مع طهران تتماشى مع مصالح الولايات المتحدة.

ومع ذلك، فإن ما حدث عمليًا هو أن موقف "أوباما" خلال احتجاجات عام 2009 جعل طهران أكثر عنادًا في متابعة برنامجها النووي، ولم يظهر النظام مرونة إلا بعد سنوات عقب استهداف صادرات النفط الإيرانية والنظام المصرفي. ولم يؤد حماس "ترامب" بشأن صفقة تبادل السجناء مع إيران في 2019 إلى اتفاق أيضًا.

وفي المقابل، أقنعت هذه مواقف مختلف الرؤساء الأمريكيين السلطات الإيرانية بأنه بغض النظر عن عدد المتظاهرين الذين قتلوا أو اعتقلوا أو عذبوا، ستكون هناك دائمًا طرق للإفلات من تبعات هذه الممارسات.

على سبيل المثال، إذا نجحت طهران في إبقاء واشنطن في حالة انتظار من أجل التوصل إلى صفقة استراتيجية في المستقبل، فسيكون ذلك كافيًا للسيطرة على رد فعل الولايات المتحدة تجاه القمع الداخلي الذي يمارسه النظام الإيراني.

لذلك من غير المرجح أن تشعر الجمهورية الإسلامية بالقلق إزاء ما تقوله الإدارة الأمريكية الحالية بشأن المظاهرات المستمرة على مستوى البلاد وحملة القمع التي تنفذها السلطات.

وفي 15 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، قال "بايدن" إنه "مندهش" من الاحتجاجات الجماهيرية وأعلن أن الولايات المتحدة تقف مع "نساء إيران الشجاعات". ومع ذلك، فقد تعلمت السلطات الإيرانية أنها لا تحتاج إلى أخذ ردود فعل واشنطن في هذا الصدد على محمل الجد.

ومن وجهة نظر حكام إيران، طالما أن إدارة "بايدن" لديها أمل في التوصل إلى اتفاق نووي جديد مع طهران، فإنها لن تتخذ أي إجراءات صارمة فيما يتعلق بالسياسات الداخلية لإيران.

وإلى أن يتم تغيير هذه التصورات في أذهان المسؤولين الإيرانيين، سيؤدي موقفهم العنيد إلى المزيد من الإجراءات القمعية والوحشية، وفي الوقت نفسه ستزداد عدم ثقة المتظاهرين تجاه الولايات المتحدة، ما يقلل فرصهم في إحداث تغيير جوهري.

المصدر | ماري عبدي | معهد الشرق الأوسط - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

إيران خامنئي أوباما بايدن النووي الإيراني الاحتجاجات الإيرانية الاتفاق النووي الإيراني العلاقات الإيرانية الأمريكية ترامب

استراتيجية معقدة.. البعد العسكري لاحتجاجات إيران

اتهام أممي لإيران بالتحفظ على بعض جثث ضحايا الاحتجاجات