القمة العربية: مصالحات تكتيكية وخصومات استراتيجية؟

الجمعة 4 نوفمبر 2022 02:20 م

نجحت القمة العربية، التي اختتمت أشغال دورتها العادية الحادية والثلاثين أول أمس الأربعاء، في تدوير الزوايا الحادة، وتخفيف شدة التعارضات بين الدول العربية، وتضمين ذلك في بيان بعنوان «إعلان الجزائر»، لتتأهل، كما اقترحت بعض وسائل الإعلام الجزائرية، لتسمية «قمة لم الشمل».

خصص البيان محوره الأول، بالكامل، لفلسطين، وهو أمر إيجابي، على أكثر من مستوى، ويُحسب لصالح الدولة المنظمة، وخصوصا في تزامنه مع إعلان النتائج الأولية للانتخابات الإسرائيلية التي كشفت عن صعود اليمين العنصري المتطرف، وهو صعود سيفتح آفاقا شديدة الخطورة على كل الأطر الديمغرافية الفلسطينية، في الضفة وغزة وأراضي 48، والشتات.

سبق ذلك جهد جزائري كبير لتحقيق مصالحة بين الفصائل الفلسطينية، وخصوصا بين «فتح» و«حماس»، وهو أمر، بغض النظر عن إمكانيات نجاحه، على المدى البعيد، فقد أعطى انطباعا بوجود غطاء سياسي (ومالي) عربي، صار مفتقدا لدى الفصائل الفلسطينية، وخصوصا مع الاتجاه المتزايد للتطبيع لدى عدد من الدول العربية.

رغم المحاولات الحثيثة للتوفيق، فقد غاب عن القمة عدد من الزعماء العرب، وخصوصا من دول مجلس التعاون الخليجي، فباستثناء أمير قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، فقد اكتفت الدول الخليجية بإرسال رؤساء وفود لتمثيل قادتها.

كان لافتا، أيضا، على الضفة الأخرى من العالم العربي، غياب محمد السادس، ملك المغرب، الذي كان يمكن لحضوره أن يخفف من التوتر السياسي والأمني الهائل الذي تصاعد في السنوات الأخيرة بين الرباط والجزائر.

بغض النظر عن الأقاويل التي تداولتها وسائل الإعلام العربية والأجنبية، عن أسباب عدم حضور العاهل المغربي، فقد أثارت هذه الواقعة من القمة العربية، ووقائع أخرى نظيرة لها، مفارقات عديدة، تجعل المراقب يتساءل عن المعنى الحقيقي لاجتماع القمة العربية، كما تجعله يحتار في كيفية اشتغال منظومة السلوك السياسي للدول العربية.

يرتبط اجتهاد الجزائر في الموضوع الفلسطيني بإرث النضال ضد الاستعمار، وإذا كانت الجزائر وضعت ثقلها في دعم الفلسطينيين ومصالحتهم المأمولة، فإن هذا لا ينفي ضرورة العمل، بالحماس نفسه، للتصالح مع جار شقيق، هو أيضا جدير بالمصالحة، بدل إغلاق الحدود، وطرد من يحملون الجنسية إلى البلدين الأصليين، وإشعال الحملات الإعلامية القاسية.

لا يُقنع، في هذا السياق، كثيرا، ربط الخصومة بين البلدين بالتطبيع المغربي مع إسرائيل (الذي يعتبره الفلسطينيون نكسة لجهود تحررهم من نير الاحتلال الإسرائيلي)، فهذه الخصومة كانت موجودة منذ عقود، وبدليل أن الجزائر عملت جاهدة، لإعادة النظام السوري إلى الجامعة العربية، واستضافته في اجتماع القمة، متعاونة في ذلك، مع الإمارات، التي تجاوز تطبيعها مع إسرائيل، المغرب، وحتى الدول العربية الأخرى، القديمة في مجال التطبيع.

يشابه هذا الأمر، ما فعله الرئيس التونسي قيس سعيد، الذي قام في خطابه في القمة العربية بالمطالبة بحل المشاكل الداخلية في ليبيا وسوريا واليمن، وحديثه البليغ عن وحدة الصف، وهو ما دفع العديد من التونسيين للسخرية، من كلام الرئيس عن حل خلافات خارج بلاده في الوقت الذي قام هو بتأجيجها، باستلاب السلطة، وإبعاد الجهات السياسية الوازنة عن الحكومة والبرلمان.

يدرك مواطنو الدول العربية أن الأحاديث المتكررة عن «سوق عربية مشتركة»، أو فتح الحدود بين كل الدول العربية، أو تحقيق مصالحات سياسية حقيقية، بين الأنظمة المتجاورة، أو حتى بين الأنظمة وشعوبها، هي أمور أشبه بأضغاث الأحلام، وأن أقصى ما يستطيعون رؤيته من القمم العربية اجتماعات لتحقيق الحد الأدنى من التوافق بين دول متكارهة ومتصارعة ومتقاتلة، بحيث تبدو المصالحات، عملا تكتيكيا، يشبه تبويس الشوارب واللحى، فيما تستمر الخصومات استراتيجية فاعلة قاتلة!

المصدر | القدس العربي

  كلمات مفتاحية

الجزائر فلسطين تونس قيس سعيد القمة العربية إعلان الجزائر مصالحات تكتيكية خصومات استراتيجية سوق عربية مشتركة الأنظمة فتح الحدود

ميدل إيست مونيتور: القادة العرب يزعمون دعم القضية الفلسطينية ويفعلون العكس