مونديال قطر 2022 ومعركة الثقافة والهوية

السبت 19 نوفمبر 2022 06:29 ص

عندما كشفت الفيفا في وقت سابق من هذا العام عن التميمة الرسمية لكأس العالم "لعّيب" التي تعني "اللاعب الماهر"، أدهشتني لغته الإنجليزية بلكنة عربية. لقد سلط نطقه للأحرف "t" و"d" و"r" الضوء على أصوله العربية.

لقد تحول "لعيب" أيضًا من الحديث بالإنجليزية إلى العربية عدة مرات في الفيديو التمهيدي بالإنجليزية، وهي ظاهرة لغوية نموذجية للمتحدثين ثنائيي اللغة (العربية والإنجليزية).

وجاءت فكرة تصميم "لعّيب" من غطاء الرأس الشهير "الغترة"، وهو رمز ثقافي قوي متجذر تاريخياً. لكن الجوانب الثقافية لبطولة كأس العالم في قطر تتجاوز التميمة. على سبيل المثال، فإن تصاميم وأسماء الملاعب متأصلة أيضًا في العمارة والتراث العربي والإسلامي.

وتتزاحم هذه الأعمال الرمزية للتأكيد على الهوية العربية القطرية، التي يعتقد الكثيرون أنها مهددة من قبل الأعداد الهائلة من الوافدين الذين يقيمون في الدولة، إلى جانب القلق الثقافي الناتج عن قدوم الأجانب إلى هذه الأرض المحافظة.

ومن المثير هنا أن حدثا عالميا يجلب لغات وثقافات متنوعة يعتبر أيضًا تهديدًا، سواء كان فعليًا أو متصورًا، للتراث والهوية القطرية. ويتضح هذا القلق بشأن الهوية من الموقع الرسمي لكأس العالم قطر 2022، والذي يضم قسمًا للتوعية الثقافية. يبدأ بعبارة: "قطر دولة محافظة نسبيًا لكنها مضيافة للغاية".

ويقدم موقع الويب قائمة بما يجب فعله وما يجب تجنبه والذي يجب على الزائرين مراعاته فيما يتعلق بالملابس والتعبير العام عن المشاعر وتناول الكحول والتصوير الفوتوغرافي.

ويعد الاهتمام بالثقافة والتراث القطريين جزءًا من الخطاب العام في البلاد منذ فترة. وفي عام 2014، أطلق مركز قطر التطوعي، وهو منظمة غير حكومية، حملة توعية ثقافية بعنوان "اعكس احترامك"، حيث تم توزيع منشورات على غير المواطنين تحتوي على معلومات حول ارتداء الملابس المحتشمة في الأماكن العامة.

وتم تداول منشورات مشابهة على وسائل التواصل الاجتماعي الشهر الماضي، للتركيز على السلوكيات الاجتماعية التي يجب تجنبها. وقد سارع منظمو كأس العالم إلى توضيح أنها ليست من مصدر رسمي وأنها تحتوي على معلومات خاطئة.

عدم التوازن الديموغرافي

تنبع المخاوف بشأن الهوية الثقافية من اختلال التوازن الديموغرافي في دول مجلس التعاون الخليجي التي يشكل الوافدين فيها ما يزيد قليلاً على نصف إجمالي السكان.

وعلى وجه التحديد، فإن عدد المواطنين الأجانب في قطر والإمارات مرتفع بشكل مذهل، حيث يشكل المواطنون العرب أقل من 15% من إجمالي السكان في كل منهما. تناقش العديد من الصحف العربية في كثير من الأحيان المخاطر التي يشكلها وجود غير العرب على اللغة والثقافة العربية. وقد تم ذكر المخاوف بشأن الهوية والتراث في رؤية قطر الوطنية 2030 كأحد التحديات التي تواجه الدولة.

بالإضافة إلى عدم التوازن الديموغرافي، يُنظر إلى اللغة، خاصة اللغة الإنجليزية، على أنها تهديد محتمل حيث أدى التنوع الديموغرافي إلى اعتماد فعلي للغة الإنجليزية كلغة مشتركة بين المتعلمين من الطبقة المتوسطة من العرب وغير العرب. 

ويتم استخدام الإنجليزية في العديد من الإعلانات التي تطلقها الجهات الحكومية القطرية وتستهدف شرائح واسعة. وقد تم إنتاج فيديو السلامة على متن الخطوط الجوية القطرية، والذي يظهر فيه نجوم كرة القدم مثل "روبرت ليفاندوفسكي" و"نيمار"، باستخدام الإنجليزية، كما هو الحال مع فيديو الشركة الذي يحتفل بـ25 عامًا من الإنجازات.

وسيكون كأس العالم في قطر الحدث الأول الذي يجلب مجموعة من اللغات والثقافات الأجنبية إلى بلد يكافح منذ فترة طويلة للحفاظ على التوازن بين الحاجة إلى غير المواطنين للعمل في مشاريع تنموية ضخمة، والخوف (المتصور أو الحقيقي) من التحلل الثقافي.

التمائم والرسائل

تحمل جميع تمائم كأس العالم رسائل معينة. كان الأسد "ويلي" هو التميمة لنسخة كأس العالم الأولى التي استضافتها المملكة المتحدة في عام 1966. وكان علم "يونيون جاك" في وسط قميصه ما يعكس الهوية البريطانية.

وكان في كأس العالم 1970 في المكسيك "خوانيتو"، وهو طفل يمثل مشجعي كرة القدم المكسيكية. واختارت مضيفة كأس العالم 1994، الولايات المتحدة، كلبًا يرتدي قميصًا أحمر وأبيض وأزرق مزينًا بـ"USA 94". وكان "زابيفاكا"، الذي يعني "الهداف"، تميمة كأس العالم 2018 التي استضافتها روسيا.

ولكن في حين أن رمزية التمائم السابقة كانت تدور غالبا حول كرة القدم، فإن "لعيب" يتجاوز ذلك ويمثل رمزًا ثقافيًا معقدًا. ويرمز الاسم والتصميم واختيار اللكنة إلى الثقافة والهوية العربية. وتحتوي كلمة "لعيب" على صوت عربي فريد من نوعه، "عين" (ممثلة بالحرف العربي ع أو بعلامة اقتباس أحادية بعد الحرف "a").

ونظرًا لطبيعة الجمهور المستهدف من الفيديو التمهيدي، لا يتحدث "لعيب" باللغة العربية، لكن اللغة الإنجليزية تبدو بلكنة عربية، ويظهر ذلك في نطق حرف "t" أو حرف "r".

وفي بداية الفيديو، يُدرج "لعيب" العبارة العربية القطرية ("تدري شلون") قبل أن يشرح أنه جاء من عالم موازٍ، واللافت للنظر هو أن العبارة لم تتم ترجمتها حتى إلى اللغة الإنجليزية، ما يعكس أنماط المحادثة الفعلية بين الناطقين باللغتين العربية والإنجليزية في قطر والعالم العربي.

كما أن شكل ولون "لعيب" مستوحى من الغترة العربية البيضاء التقليدية المؤمّنة بعقال أسود. وهاتان القطعتان لهما أهمية كبيرة في الثقافة العربية.

وتم تعزيز هذه الرموز اللغوية والثقافية الدقيقة من خلال التصميم المعماري لملاعب كأس العالم، حيث إن استاد البيت، الذي يستضيف المباراة الافتتاحية بين قطر والإكوادور في 20 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، على غرار الخيمة العربية التقليدية، في حين أن استاد لوسيل، الذي سيستضيف النهائي، يجمع تصميمه بين الأواني اليدوية التي وصلت من العصر الذهبي للفنون في العالم الإسلامي والفنار الذي استُخدم قديمًا لإرشاد السفن عبر انبعاث الضوء من منافذه.

وقد تم تصميم ملعب الجنوب على غرار المركب الشراعي، وهو قارب تقليدي يستخدم في الغوص بحثًا عن اللؤلؤ وصيد الأسماك.

وفي الوقت الذي تتطلع فيه قطر إلى الترحيب بفرق كرة القدم والمشجعين من جميع أنحاء العالم، بلغاتهم وهوياتهم المميزة، في أحد أكبر الأحداث الرياضية الدولية، فهي تحاول التأكيد على أن ثقافتها وهويتها ترتكز بقوة على إرث الثقافة القطرية والعربية والإسلامية.

وسيتذكر التاريخ نهائيات كأس العالم لأسباب مختلفة. لكن قطر تضع التركيز على تراثها وهويتها.

المصدر | رضوان أحمد | ميدل إيست آي - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

كأس العالم قطر الثقافة القطرية لعيب مونديال قطر مونديال قطر

إحصائية: القطريون يتصدرون قائمة الأكثر حصولاً على تذاكر مباريات كأس العالم

وجه استشراقي قبيح.. هذا ما كشفته التغطية الغربية لمونديال قطر 2022

امتزاج الثقافات بمونديال قطر.. 3 علامات فارقة ربما تنتقل إلى إنجلترا