قراءة في مستقبل احتجاجات إيران.. لماذا لن يسقط النظام قريبا؟

الأربعاء 7 ديسمبر 2022 04:51 م

بعد أسابيع من الاحتجاجات الواسعة، توقع الكثيرون انهيارا وشيكا للنظام الإيراني، ويبدو أن ذلك مبالغة فمنذ عام 1979 يتوقع المراقبون الأجانب والمعارضون المحليون سقوط النظام في كل مرة تندلع فيها احتجاجات جماهيرية.

وعلى سبيل المثال، خلال الاحتجاجات في عام 2018، أعرب رئيس حزب "المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية" عن تفاؤله بشأن انهيار وشيك للنظام، لكن سرعان ما اكتشفوا أن الحكومة لم تنج فحسب، بل أصبحت أقوى وأثبتت متانة نفوذها في جميع أنحاء الشرق الأوسط.

التغيير ليس وشيكًا

بدأت سلسلة الاضطرابات الحالية في سبتمبر/أيلول الماضي بعد وفاة امرأة تبلغ من العمر 22 عامًا عندما احتجزتها شرطة الأخلاق، كما لعبت النساء أيضًا دورًا محوريًا في اضطرابات 2017-2018، عندما تم تقديم مطالب مماثلة لما يطالب به الإيرانيون اليوم.

ومع ذلك، لا يطالب المتظاهرون حاليا بالإصلاحات الاجتماعية والسياسية فقط لكن يطالبون بالإطاحة بالنظام بشكل كامل. ويرى الناشطون أن الاحتجاجات لم تعد ضمن حركة إصلاحية، بل طليعة ثورية تلد أمة جديدة.

وبعد أن تحمل الشعب الإيراني العديد من الاضطرابات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، يبدو أنه فاض به الكيل، ولم يعد لدى الشباب ما يخسرونه ويبدو أنهم عازمون على استمرار الاحتجاجات.

وقد يكون التغيير السياسي في إيران أمرًا لا مفر منه، لكنه ليس وشيكًا. وبعد 10 أسابيع من المظاهرات، يبدو النظام واثقًا أن الاحتجاجات سوف تموت في النهاية، تمامًا كما حدث مع الموجات السابقة.

واجتذبت حركات الاحتجاج في الماضي ملايين الأشخاص من جميع أنحاء البلاد وبخلفيات عرقية ودينية متنوعة. ومع ذلك، تقتصر الاحتجاجات الحالية على آلاف المتظاهرين الشباب ولم يتمكنوا من جذب الطبقة الوسطى إلى المعركة.

ولا تعد الاضطرابات أمرا مفاجئا؛ فالبنية السياسية الحالية في إيران غير مقبولة، كما أصبحت أيديولوجيتها الدينية بائدة، لكن الحرس الثوري مازال قادرا على الحفاظ على دعائم النظام والقضاء على المنافسين السياسيين، واحتكار السلطة وتحقيق توازن دقيق بين العلمانية والإسلام الشيعي.

تراجع دور البازار

مع غياب القوى التي سبق أن أنتجت التغيير السياسي، من غير المرجح أن تنجح أي انتفاضة، خاصة مع السيطرة الأمنية والعسكرية الصارمة علي البلاد.

إحدى هذه القوى هي مؤسسة البازار الإيرانية، وهي سوق كبير نما على مر القرون ليصبح مؤسسة اقتصادية تمثل الرأسمالية الإيرانية التقليدية.

وكان البازار أحد أعمدة ثلاثة للنظام السياسي الإيراني، والآخران هما رجال الدين والنخبة السياسية. وعلى مر السنين، فقد البازار دوره كأداة للتحول السياسي.

لكن قبل عقود، جلبت العلاقات الرأسمالية الناتجة عن الواردات الأوروبية تغييرات هزت أعمدة المجتمع التقليدي، مما أدى إلى تحالفات بين البازار ورجال الدين أثناء عملهم ضد الملكية.

وأدت هذه الائتلافات إلى حركات احتجاج واسعة ضد الحكم الاستبدادي لملوك القاجار ثم آخر شاه لإيران "محمد رضا بهلوي".

وشملت هذه الانتفاضات احتجاجات التبغ في عام 1891، والثورة الدستورية في عام 1906، وحركة تأميم صناعة النفط في عام 1950، وانتفاضة يونيو 1963 والثورة الإسلامية في عام 1979.

ونفذ أصحاب المتاجر والتجار احتجاجات التبغ التي انبثقت بشكل رئيسي من البازار في طهران. كما شكلوا العمود الفقري للحركة الدستورية التي شملت رجال الدين وغيرها من المجموعات الاجتماعية ضد "قاجار شاه" و"ناصر الدين شاه".

وشملت حركة تأميم صناعة النفط أيضًا تجار البازار الذين دعموا "آية الله كاشاني" والزعيم القومي "محمد مصدق"، وكان دعم التجار حاسماً أيضًا لنجاح انتفاضة عام 1963 والثورة الإسلامية بعد 16 عامًا.

وكان البازار قبل الثورة مؤسسة نشطة داخل المجتمع المدني الإيراني، حيث لعب دورًا بارزًا في تقييد الملكية والإطاحة بها في نهاية المطاف من خلال تحالفه مع رجال الدين.

وفي الفترة التي سبقت الثورة، نظم التجار ورجال الدين حوالي ثلثي المظاهرات والمسيرات في المدن الإيرانية وشكلوا عشرات المؤسسات من أجل الدعم المالي.

ولكن بعد الثورة، تغيرت العلاقة بين البازار والحكومة. وأصبح تجار البازار التقليديون جزءًا من المؤسسة السياسية، وتولوا المناصب السياسية والاقتصادية في الدولة، وبالتالي فقدوا نفوذهم في المجتمع المدني.

وتم تقسيم البازار إلى معسكرين - أحدهما متحالف مع النظام وآخر غير موالٍ له - لكن الانقسام لم يتضح حتى نهاية الحرب الإيرانية العراقية في عام 1988، وبشكل أكثر دقة خلال عهد الرئيس "هاشمي رافسانجاني" من 1989 إلى 1997.

وفتح "رفسانجاني" الباب أمام الحرس الثوري ليصبح كيانًا اقتصاديًا. وفي مايو/أيار 2004، منع الحرس الثوري الرئيس الإصلاحي "محمد خاتمي" من افتتاح مطار الإمام "الخميني" في طهران لأنهم أرادوا السيطرة على نصيب الأسد في عملياته.

وقام "محمود أحمدي نجاد"، رئيس بلدية طهران المحافظ في ذلك الوقت، بتسهيل هيمنة الشركات المرتبطة بالحرس الثوري على أنشطة القطاع الخاص.

كما حافظ الحرس على نفوذ كبير على النظام السياسي، بما في ذلك القضاء والبرلمان والرئاسة، لضمان توسيع نشاط الحرس الاقتصادي، بالرغم من قرار "الخميني" حظر مشاركة الجيش في الشؤون السياسية.

وسهل الحرس الثوري انتصار "أحمدي نجاد" في الانتخابات الرئاسية 2005 و 2009. وخلال فترة وجوده في منصبه، توسعت العناصر العسكرية في البرلمان والحكومة والمجالس البلدية.

واستبعد الحرس الثوري القطاع الخاص من معظم مشاريع صناعة النفط وإنشاء الطرق، كما استثمر في النشر والإعلام والصحافة، واستفاد من العقوبات الاقتصادية لتوسيع استيراد البضائع والسلع المهربة، مما دفع "أحمدي نجاد" إلى وصف قادة الحرس الثوري بأنهم إخوة في التهريب، وقام الحرس الثوري حتى ببناء موانئ سرية لتمرير السلع إلى البلاد.

ويتجاوز دخل الحرس السنوي (لا تفرض عليه الضرائب) 140 مليار دولار، ويشير ذلك إلى فجوة كبيرة بين تجار البازار التقليديين والتجار الجدد في البيروقراطية العسكرية الإيرانية.

ويمكن القول إن البازار فقد تجانسه كمؤسسة بعد الثورة؛ فقد انضم التجار الكبار الذين ساعدوا في تمويل نجاحه إلى النخبة السياسية وأصبحوا أحد مكونات النظام السياسي الجديد، وتخلوا عن الإنتاج وركزوا على الواردات وتوزيع البضائع حتى ظهرت فئة جديدة من التجار التابعين للحرس الثوري، وتسببت هذه التغييرات الاقتصادية في انقسام المحافظين إلى مجموعات سياسية منافسة.

إضعاف المحافظين

ينقسم المحافظون الآن بشأن اختيار خليفة للمرشد الأعلى الحالي "علي خامنئي"، الذي يريد أن يذهب المنصب إلى ابنه بعد منحه بالفعل لقب "آية الله".

وقد أقال "خامنئي" مؤخرًا رئيس الاستخبارات في الحرس الثوري لأنه عارض فكرة توريث المنصب.

وفي الوقت الحاضر، لا يوجد شخصية داخل النظام الإيراني يمكن أن تتولى القيادة بدعم من الجهات الفاعلة السياسية من توجهات مختلفة.

وجميع القادة السياسيين الذين يمكن أن يكونوا مرشحين لديهم ماض مثير للجدل يجعلهم غير مقبولين للبعض، كما لا توجد شخصية دينية مستقلة ذات كاريزما قادرة على ملء الفراغ السياسي الذي يلوح في الأفق.

وفي الوقت نفسه، فإن المؤسسة الدينية عالقة في الماضي، ولا يمكنها أن تتخلى عن السياسات التي لا تحظى بشعبية.

وهناك قلة قليلة من الإيرانيين الذين يقبلون أفكار المؤسسة القديمة، فيما يختلف معظمهم مع تصريحات "خامنئي" التي تتهم المتظاهرين وتصفهم بأنهم إما مخدوعون أو عملاء للعدو.

والحقيقة أن هذه الاتهامات المعلبة هي التي تنمي الدافع لدى الإيرانيين للاحتجاج.

ومن المحتمل أن يستمر عدم الاستقرار السياسي، مع الأخذ في الاعتبار حتمية حدوث معارضة لأي خليفة للمرشد الأعلى؛ فأبرز المرشحين عمرهم أكثر من 80 عامًا.

أما المرشحان المحتملان الأصغر سنا فهما الرئيس الحالي "إبراهيم رئيسي" ورئيس القضاء "أمولي لاريجاني". ومع ذلك، فإنهم يأتون من مدرسة فكرية مماثلة لـ "خامنئي" وليسا منفتحين على الإصلاح، ناهيك عن التحول السياسي.

التغييرات المتوقعة

منذ ثورة عام 1979، خضع المجتمع الإيراني لتحولات ثقافية هائلة وغير متوقعة، وقد قسمته إلى علمانيين ومتدينين ملتزمين بالثورة بشكل كامل. ولهذا؛ من الضروري النظر في الحقائق الاجتماعية لتوقع القادم مستقبلًا.

وقد أدخل المدافعون عن النظام الإسلامي مفهوم "الكاريزما الجماعية" بعد الإطاحة بالشاه. وطبقا لهذا المفهوم (الذي لا يمتلك الفرد بموجبه الكاريزما وإنما المجموعة) فإن المرشد الأعلى يستمد وضعه من كاريزما منصبه وليس العكس.

إن تاريخ المؤسسة الدينية مليء بالصراع مع المؤسسة السياسية، ومع ذلك فقد أظهرت قدرة كبيرة على البقاء، لذلك لن يسقط النظام ولكنه سيعيد اختراع نفسه؛ وستظل استراتيجيته للنجاة هي غرس أكبر قدر ممكن من الخوف بين المجتمع.

وقد استخدمت السلطات العنف المفرط والعقوبات القضائية، بما في ذلك عقوبة الإعدام، لتخويف أولئك الذين يدعون إلى التغيير.

وحاولت طهران أيضًا تشتيت التركيز من خلال شن ضربات على أهداف في شمال العراق، مدعية أنها للرد على الجماعات الكردية المتطرفة التي تهرب الأسلحة إلى البلاد.

ولن يسعى معظم الإيرانيين لتغيير جذري يؤثر على هويتهم الوطنية، في ظل اعتقادهم بأن ذلك قد يعرض البلاد للتفكيك.

وفي الوقت نفسه، سوف يتشبث الحرس الثوري بالسلطة ويعيد تقديم نفسه باعتباره أفضل خيار، تمامًا مثل الجيوش في دول أخرى بالمنطقة مثل مصر والجزائر.

وعلى الأرجح، سيقبل الناس عملية الانتقال في حال كانت تستبعد المحافظين من عملية صنع القرار دون تقويض دور الشيعة في حماية سلامة أراضي إيران والحفاظ على هويتها الوطنية.

المصدر | هلال خاشان/ جيوبوليتيكال فيوتشرز - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

إيران احتجاجات إيران مهسا أميني الحرس الثوري خامنئي إبراهيم رئيسي

شقيقة خامنئي: أخي لا يستمع إلي صوت الشعب 

موسوي من إقامته الجبرية: المشنقة لن توقف الاحتجاجات في إيران