كيف حرفت الإمارات بوصلة السياسة الأمريكية لتتماشي مع مصالحها عبر اللوبييات؟

الخميس 8 ديسمبر 2022 06:04 م

سلط موقع "ريسبونسبل ستيت كرافت" التابع لمعهد "كوينسي" للحكم الرشيد، الضوء على تحليل نشره المعهد، يتناول استغلال الإمارات للوبييات (جماعة الضغط) وتمويلها؛ للتدخل في السياسة الخارجية الأمريكية وتحويل بوصلتها لتتماشي مع مصالح الدولة الخليجية.

ووصف التحليل التدخل الإماراتي باعتباره واحدا من أكبر عمليات التأثير الأجنبي وأكثرها تمويلًا داخل الولايات المتحدة، مشيرا إلى أن هذا التدخل أصبح الآن مصدر قلق للأمن القومي، وفقًا لتقرير سري أعده مسؤولي المخابرات الأمريكية، وإحاطة لصانعي السياسات في الكونجرس والسلطة التنفيذية.

وجاء التقرير السري بعد سنوات من تصدر المساعي الإماراتية للتدخل غير القانوني في السياسة والانتخابات الأمريكية عناوين الصفحات الأولى لسنوات، بما في ذلك مخطط لتحويل ملايين الدولارات بشكل غير قانوني إلى حملات "دونالد ترامب" و"هيلاري كلينتون" خلال الانتخابات الرئاسية لعام 2016 وحملة سرية بملايين الدولارات لتشويه سمعة خصم الإمارات العربية المتحدة في واشنطن (قطر).

التحليل الذي كتبه "بن فريمان" الباحث في معهد "كوينسي"، الذي يركز أعماله على كيفية سعي الحكومات الأجنبية للتأثير على الحكومة الأمريكية والسياسة الأمريكية، جاء تحت عنوان " اللوبي الإماراتي في أمريكا" كشف النقاب عن مساعي الإمارات لكسب التأييد القانوني وعمليات ممارسة الضغط والتأثير في أمريكا.

وأوضح "فريمان" في تحليله كيف تم تمويل هذه المساعي على نحو استثنائي للغاية من بعض شركات الضغط والعلاقات العامة الأكثر نفوذاً في أمريكا؛ للعمل على التأثير على أعضاء الكونجرس، والسلطة التنفيذية، ووسائل الإعلام، ومراكز الفكر، وآخرين لتشكيل قرارات السياسة الخارجية الأمريكية الحاسمة في الشرق الأوسط.

ويشمل اللوبي الإماراتي في أمريكا أكثر من عشرين شركة مسجلة بموجب قانون تسجيل الوكلاء الأجانب (FARA) للعمل نيابة عن الدولة الخليجية لتحقيق مصالحها في الولايات المتحدة.

في غضون عامين فقط (2020و2021)، وفقا لتحليل "فريمان" أبلغ اللوبي الإماراتي عن أكثر من 10 آلاف نشاط سياسي نيابة عن عملائه الإماراتيين، بما في ذلك البريد الإلكتروني والاتصال والاجتماع بأعضاء الكونجرس وموظفيهم أكثر من7 آلاف مرة.

وقد تم تصميم هذا التأثير الاستثنائي لتوجيه العديد من قرارات السياسة الخارجية الأمريكية التي من شأنها أن توسع التشابكات العسكرية الأمريكية في المنطقة.

التطبيع عبر مبيعات الأسلحة

حظي اتفاق التطبيع (اتفاقيات إبراهيم) – بين إسرائيل والإمارات والبحرين والمغرب والسودان – بترحيب علني باعتبارها "سلامًا دافئًا يغير الشرق الأوسط"، وفقًا لسفارة الإمارات في واشنطن.

لكن خلف الكواليس، كان اللوبي الإماراتي يستخدم بهدوء اتفاقات أبراهام كرافعة للحصول على مليارات من المعدات العسكرية الأمريكية ومعاهدة أمنية رسمية مع الولايات المتحدة.

باختصار، تم استخدام اتفاقيات "السلام" هذه لزيادة، وليس تقليل، عسكرة السياسة الخارجية للولايات المتحدة في الشرق الأوسط.

وبعد أقل من شهرين من توقيع اتفاقيات "إبراهيم"، تم الإعلان عن بيع أسلحة أمريكية بقيمة 23 مليار دولار إلى الإمارات العربية المتحدة من شأنه أن يوفر للإمارات بعضًا من أكثر الأسلحة الأمريكية تقدمًا، بما في ذلك الطائرات الموجهة عن بعد، وربما الأهم من ذلك صفقة تتضمن تزويد الإمارات بـ 50 مقاتلة أمريكية من طراز "إف-35".

وبحسب "فريمان" كان أعضاء جماعات الضغط الإماراتي يمهدون الطريق لبيع تلك الأسلحة منذ شهور.

على سبيل المثال، تُظهر إيداعات قانون تسجيل الوكلاء الأجانب (FARA) أن شركة أمريكان ديفنس إنترناشونال (ADI)، التي تعمل لصالح شركة "أكين جامب" للمحاماة وبالنيابة عن سفارة الإمارات، أجرت اتصالات بالعشرات من مكاتب الكونجرس بشأن التعديلات المقترحة في (قانون ترخيص الدفاع الوطني) والعمليات الخارجية والبرامج ذات الصلة، ومشروع قانون الدولة والعمليات الخارجية والبرامج ذات الصلة، والذي من شأنه أن يحد من عمليات نقل الأسلحة إلى الإمارات.

وشمل ذلك تنظيم اجتماعات متعددة بين سفير الإمارات وأعضاء الكونجرس الرئيسيين في هذه اللجان.

ساعد شركة ADI في هذا الأمر، بشكل كبير "تود هارمر"، وهو كولونيل متقاعد بالقوات الجوية الأمريكية تحول إلى العمل مع جماعة ضغط إماراتية مع American Defense International، والذي كان واحدًا من 280 متقاعدًا عسكريًا حصلوا على تصريح للعمل في الإمارات.

بعد الإعلان عن بيع الأسلحة، لم يتردد اللوبي الإماراتي في ربط مبررات بيع الأسلحة الهائل باتفاقات إبراهيم.

ونص تقرير سفارة الإمارات العربية المتحدة، الذي جاء بعنوان "الإمارات والطائرة إف-35 والذي وزعته جماعات الضغط الإماراتية على نطاق واسع، صراحةً على أنه "مع اتفاقيات التطبيع التاريخية الأخيرة، سيتم إضفاء الطابع الرسمي على التعاون الأمني ​​والدفاعي وتسريعها".

الرسالة من هذه الملفات وغيرها من ملفات قانون تسجيل الوكلاء الأجانب التي وزعها اللوبي الإماراتي هي أن السلام الذي توفره اتفاقيات إبراهيم يستلزم بيع أسلحة الحرب.

على الرغم من أن صفقة "إف-35" أُلغيت في نهاية المطاف في أواخر عام 2021، إلا أن جهود اللوبي الإماراتي للحصول على معدات عسكرية أمريكية قد أثمرت بشكل كبير.

ووافقت إدارة "بايدن" على ما يقل قليلاً عن 3.5 مليار دولار من مبيعات الأسلحة إلى الإمارات، مما ساعد على جعلها ثالث أكبر متلق للأسلحة الأمريكية في السنوات الخمس الماضية، بعد أفغانستان والسعودية فقط.

لكن الجائزة الأكبر للإمارات واللوبي الإماراتي لم تأت بعد – وتمثل ذلك في اتفاقية أمنية رسمية مع الولايات المتحدة.

في ربيع عام 2022، في أعقاب هجمات المتمردين الحوثيين في اليمن، طلبت الإمارات والسعودية إبرام معاهدة أمنية رسمية مع الولايات المتحدة، وبحسب ما ورد، كانتا تستخدمان علاقاتهما الإسرائيلية الجديدة لدعم موقفهما.

في حين أن المعاهدة الرسمية لم يتم إقرارها، فقد ورد أن إدارة "بايدن" وافقت هذا الصيف على اتفاقية أمنية مع الإمارات ستكون بمثابة تعهد للأمريكيين بالقتال والموت من أجل أبوظبي.

متابعة اللوبي المالي  الإماراتي

الطريق إلى هذا الاتفاق ا لأمني ​​الذي يمكن، مرة أخرى، أن يضع أفراد الخدمة الأمريكية في وسط حرب أخرى في الشرق الأوسط، تم تمهيده جزئيًا بملايين الدولارات التي كرستها الإمارات للتأثير على العمليات في الولايات المتحدة.

وفقًا لموقع أوبن سكترس  (OpenSecrets)، تلقى اللوبي الإماراتي أكثر من 157 مليون دولار من الإمارات منذ عام 2016، مما يجعلها واحدة من أكثر جماعات الضغط الأجنبية تمويلًا جيدًا في أمريكا.

منح هذا التمويل الاستثنائي الشركات التي تعمل من أجل المصالح الإماراتية الفرصة لتقديم عقود ضغط مربحة لمسؤولي الدفاع السابقين، مثل "تود هارمر"، وأعضاء سابقين في الكونجرس، مثل "إليانا روس ليتينين" و"لامار سميث"، الذين كانوا يمثلون ذات يوم مصالح ناخبيهم  الأمريكيين، لكنهم يتقاضون رواتبهم الآن لتمثيل المصالح الإماراتية.

بينما كان اللوبي الإماراتي يد فع واشنطن نحو المزيد من التشابكات العسكرية مع الإمارات، كان يدفع أيضًا مئات الآلاف من الدولارات إلى حملات أعضاء الكونجرس.

في الواقع، كما هو موثق في "اللوبي الإماراتي في أمريكا"، تبرعت شركة واحدة فقط تعمل لصالح الإماراتيين، "أكين جامب"، بأكثر من نصف مليون دولار لحملات السياسيين الذين اتصلت جماعات الضغط التابعة لها نيابة عن الإمارات.

في بعض الحالات تم إجراء هذه الاتصالات والمساهمات ع لى فترات متباع دة، مثلما حدث عندما عقد السناتور تود يونج اجتماعًا شخصيًا مع أحد أعضاء جماعات الضغط في "أكين جامب" لمناقشة “العلاقات الثنائية بين الولايات المتحدة والإمارات العربية المتحدة” في 15 أبريل/ نيسان 2021، ثم بعد  ثمانية أيام، تبرعت "أكين جامب" بمبلغ 5000 دولار للجنة حملته، وفقًا لإيداع الشركات بموجب قانون تسجيل الوكلاء الأجانب.

ومن المؤكد أن تبرعات اللوبي الإماراتي كانت من الحزبين.

من بين أعضاء الكونجرس، كان زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ "ت شاك شومر" (ديمقراطي – نيويورك) وزعيم الأغلبية في مجلس النواب ستيني هوير (ديمقراطي – ماريلاند) من كبار المتلقين لمساهمات من اللوبي الإماراتي.

بينما قد يرى البعض هذه الممارسات على أنها سياسة الدفع مقابل اللعب، إلا أنها ليست إلا "ممارسات غير قانونية".

يحق لجماعات الضغط من مواطني الولايات المتحدة تقديم مساهمات للحملات، ضمن الحدود القانونية، لمن يختارون، حتى لو ذهبت تلك المساهمات إلى أعضاء الكونجرس الذي ضغطوا عليه للتو نيابة عن نظام استبدادي.

سواء كانت هذه المساهمات تساعد اللوبي الإماراتي أم لا، فمن المؤكد أنها قابلة للنقاش، وكذلك قيمة أجندة اللوبي الإماراتي بالنسبة للولايات المتحدة.

تُدفع لهذه الشركات عشرات الملايين من الدولارات كل عام لإقناع صانعي السياسة بأن المصالح الإماراتية هي مصالح الولايات المتحدة. لكن دافعي الضرائب الأمريكيين هم الذين تُركوا لدفع فاتورة السياسة الخارجية الأمريكية العسكرية في الشرق الأوسط. وتشمل  التكلفة بالفعل الاستمرار في دفع 30 ألف جندي أمريكي التي لا تزال متمركزة في الشرق الأوسط.

وإذا ساعد اللوبي الإماراتي في إقناع واشنطن بتوقيع اتفاق أمني مع الإمارات، فستشمل هذه التكلفة مطالبة أعضاء الخدمة الأمريكية بالقتال والموت للدفاع عن أبوظبي. لهذا السبب، إذا لم يكن هناك سبب آخر، فسيكون من الضروري فهم كيفية عمل اللوبي الإماراتي على تشكيل السياسة الخارجية للولايات المتحدة في المستقبل.

المصدر | ريسبونسبل ستيت كرافت/بن فريمان- ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

الإمارات لوبي مصالح إماراتية سياسيات أمريكية