عثمان نموذجا.. تقرير حقوقي يحذر: ذراع السيسي في القمع يستهدف الأمريكيين

الأربعاء 11 يناير 2023 03:26 م

"انتهاك مصر لحقوق الإنسان لم يقف عند المصريين فحسب، بل استهداف كذلك الأمريكيين".. هكذا خلص تقرير لمنتدى "Just Security" الحقوقية الأمريكية، متحدثة عن المعارض "شريف عثمان" الذي قبع في سجن إماراتي بطلب مصري لمدة 46 يوما، بتهم ملفقة.

التقرير لفت إلى أن "عثمان" استخدم قناته على موقع "يوتيوب" لإدانة الرئيس المصري "عبدالفتاح السيسي" ودعم الدعوات للاحتجاجات السلمية ضده أثناء حضور الرئيس الأمريكي "جو بايدن" قمة المناخ للأمم المتحدة (COP27) في نوفمبر/تشرين الثاني بمنتجع شرم الشيخ المصري.

وأضاف أن انتهاكات "السيسي" على حرية التعبير في الداخل، امتدت إلى ما وراء حدود البلاد، لمطالبة الإمارات باعتقال "عثمان"، حيث كان يزور عائلته، وتسليمه إلى القاهرة.

وتم القبض بالفعل على "عثمان" من قبل ضباط الشرطة في دبي، واحتجزه "حليف مفترض" للولايات المتحدة، دون أن تنظر الإمارات إلى الشراكة مع أمريكا.

ولفت التقرير إلى أن قضية "عثمان" جديرة بالملاحظة، لأنها تعكس مراقبة النظام المصري للمعارضين في الخارج، حتى أولئك الموجودين على الأراضي الأمريكية، حيث سجل "عثمان" مقاطع الفيديو الخاصة به على "يوتيوب".

وحتى عندما لا يبدو أن المواد تنتشر على نطاق واسع (تحتوي قناة عثمان على 35900 منخفضة نسبيًا) ومقاطع الفيديو الخاصة به تحصد من 50 ألفا إلى 110 آلاف مشاهدة.

كما يشير التحرك الاستراتيجي للحكومة المصرية بالانتظار حتى وصول "عثمان" إلى الإمارات وتسليمه عبر كيان تابع للجامعة العربية، إلى الطبيعة السياسية لاعتقاله.

وإلا، لكانت مصر قد طلبت رسميًا تسليمه من خلال الحكومة الأمريكية، وعزز ذلك رفض الإمارات لطلب مصر بترحيل "عثمان".

يتم فهم ما جرى مع "عثمان" بشكل أفضل في سياق الامتداد العالمي المتزايد باستمرار للنظام الاستبدادي في مصر.

ومنذ وصوله إلى السلطة في عام 2014، وصل قمع "السيسي" إلى مستويات غير مسبوقة، حيث يقدر الخبراء أن عشرات الآلاف محتجزون كسجناء سياسيين ونشطاء المجتمع المدني المصري يتعرضون لتهديد مستمر بالسجن وحظر السفر وتجميد الأصول، مما أجبر الكثيرين على الفرار من البلاد.

وامتدت ذراع "السيسي" الطويلة للقمع إلى إسكات النقاد خارج حدود مصر، فيما يسميه الأكاديميون "القمع العابر للحدود".

وتحتل مصر المرتبة الثالثة بعد الصين وتركيا، بل وتتفوق على روسيا، في ترتيب الدول التي ترتكب قمعًا عابرًا للحدود.

ويعد "عثمان" ليس المثال الأول على محاولات مصر لقمع الأمريكيين في الخارج، ففي يونيو/حزيران 2020، اعتقل النظام عائلة ناشط حقوق الإنسان الأمريكي "محمد سلطان" بعد أن أقام دعوى قضائية أمام محكمة أمريكية ضد رئيس الوزراء المصري السابق "حازم الببلاوي" لتغاضيه عن ممارسات التعذيب، خلال سجنه.

وقبل عام، أعلنت وزارة العدل الأمريكية اعتقال جاسوس مصري في نيويورك كان قد جمع معلومات عن خصوم "السيسي" السياسيين في الولايات المتحدة، حتى أن المشتبه به سعى إلى الاستفادة من علاقاته مع ضباط إنفاذ القانون المحليين في الولايات المتحدة لمساعدته في مساعيه.

من الواضح أن "السيسي"، وفق التقرير، مستعد لتهديد حياة المواطنين الأمريكيين وعائلاتهم لإسكات أي وجميع الانتقادات.

وعلى الرغم من تحرير الإمارات لـ"عثمان"، فقد تحول السفر إلى هناك إلى كابوس لمناصري الديمقراطية ومنتقديها، وكذلك أفراد عائلاتهم من جميع أنحاء العالم.

وقبل أشهر قليلة من مقتل الصحفي السعودي "جمال خاشقجي"، اعتقلت السلطات الإماراتية زوجته "حنان العتر"، أثناء زيارتها لعائلتها هناك، واستجوبتها بشأن "خاشقجي" ونشاطه في المنفى، وزرعت برنامج التجسس القوي "بيجاسوس" على هاتفها.

وبالمثل، في أغسطس/آب 2022، أُطلق سراح "عاصم غفور" المواطن الأمريكي والمحامي السابق لـ"خاشقجي"، بعد أن أمضى شهرًا في سجون الإمارات بتهم غامضة تتعلق بالفساد المالي.

وعلاوة على ذلك، وفي عام 2018 ساعدت الإمارات في اختراق الناشطة السعودية البارزة في مجال حقوق المرأة "لجين الهذلول" واعتقالها، وإعادتها قسراً إلى المملكة، حيث تعرضت للتعذيب.

كما ساعدت الإمارات في قمع الصين للأويجور من خلال تسليمهم إلى الصين، والسماح لكبار المسؤولين الصينيين بتشغيل "مواقع سوداء" على أراضي الإمارات، حيث تم إجبارهم على التجسس لصالح الحزب الشيوعي الصيني.

وتعكس حالة "عثمان" سمة مهمة للعلاقة بين الولايات المتحدة ومصر، وعلاقة الولايات المتحدة بحلفائها في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بشكل عام.

ووفق التقرير، تجنبت الولايات المتحدة باستمرار تحميل المصريين أو غيرهم من المسؤولين في أنظمة المنطقة المسؤولية عن انتهاكاتهم، حتى ضد مواطني الولايات المتحدة.

وعلى سبيل المثال، تجاهلت مصر دعوات نائب الرئيس السابق "مايك بنس" لإطلاق سراح "مصطفى قاسم"، وهو مواطن أمريكي آخر من السجن بعد اعتقاله ظلماً في عام 2013.

وتوفي "قاسم" في يناير/كانون الثاني 2020، بعد إضراب طويل عن الطعام وسجنه 6 سنوات.

وعلى الرغم من أن أعضاء الكونجرس طالبوا الرئيس آنذاك "دونالد ترامب" بفرض عقوبات على النظام المصري، فإن "السيسي" الذي أطلق عليه "ترامب" ذات مرة لقب "الديكتاتور المفضل لديه" ، لم يتعرض لأي عواقب.

وكمرشح رئاسي، وعد "بايدن" باتخاذ مسار مختلف خلال فترة رئاسته، قائلاً إن "السيسي لن يحصل على المزيد من الشيكات على بياض"، وتعهد بوضع حقوق الإنسان في قلب سياسته الخارجية ، وتعهد بمكافحة القمع العابر للحدود.

وبعد ما يقرب من عامين، فشلت إدارة "بايدن" في تحويل هذه التعهدات إلى سياسات فعلية فيما يتعلق بمصر أو المنطقة الأوسع.

"ولم تكن الولايات المتحدة قادرة أو غير راغبة في تحميل هذه السلطات المسؤولية عن انتهاكاتها لحقوق الإنسان والمعايير الديمقراطية، وقد مهد هذا الطريق لمثل هذه الأنظمة لزيادة تصدير قمعها وحتى استهداف المواطنين الأمريكيين دون خوف من أي شكل من أشكال المساءلة"، وفق التقرير.

وقدمت دعوى "سلطان" ضد "الببلاوي"، رئيس الوزراء السابق والممثل لدى صندوق النقد الدولي في واشنطن العاصمة، على سبيل المثال، فرصة لمحاسبة مسؤول النظام عن جرائمه ضد "سلطان".

وبدلاً من ذلك، منحت إدارة "بايدن" في أبريل/نيسان 2021 حصانة لـ"الببلاوي"، الذي كان يقيم في فرجينيا في ذلك الوقت.

ومما لا شك فيه أن هذا شجع رئيس المخابرات المصرية الذي قال خلال زيارة في يوليو/تموز 2021 إلى واشنطن العاصمة، حسبما ورد، خلال اجتماعات في الكابيتول هيل، أن الولايات المتحدة وافقت كتابيًا على إطلاق سراح "سلطان" في عام 2015، أنه سيقضي الفترة المتبقية من عقوبته المصرية في السجون الأمريكية.

وبالمثل، قررت إدارة "بايدن" مؤخرًا أن ولي العهد السعودي "محمد بن سلمان" يستحق الحصانة كرئيس حالي للحكومة في دعوى مدنية بشأن دوره في مقتل "خاشقجي".

وقبل شهر واحد، حُكم على مواطن أمريكي آخر، هو "سعد إبراهيم الماضي"، بالسجن 16 عامًا في السعودية لانتقاده النظام السعودي على "تويتر" أثناء وجوده في الولايات المتحدة.

وذكر البيت الأبيض بإيجاز أن "بايدن" أثار قضايا حقوق الإنسان خلال اجتماعه مع "السيسي" في (COP27) وقمة القادة الأمريكية الأفريقية.

وقطعت إدارة "بايدن" نحو 130 مليون دولار من المساعدات العسكرية الأمريكية لمصر، لكن هذا المبلغ يمثل جزءًا صغيرًا من إجمالي المساعدة العسكرية الأمريكية لمصر.

ومن الواضح أن هذه التحركات أثبتت أنها غير كافية لتغيير سلوك النظام المصري تجاه حقوق الإنسان.

وعلى العكس من ذلك، أعطت هذه الاجتماعات "السيسي" ما يعتبر "شيكًا على بياض" آخر لارتكاب المزيد من انتهاكات حقوق الإنسان.

ووفق التقرير، فإنه "لا شك في أنها تستهدف ليس فقط المصريين ولكن الأمريكيين أيضًا، تمامًا كما فعلوا في الماضي".

ودعا التقرير في توصياته "بايدن" إلى زيادة الجزء المحتجز من المساعدة العسكرية واشتراطه، إلى جانب مبيعات الأسلحة الأمريكية إلى مصر، والاشتراط على مصر امتناع عن الانخراط في أي شكل من أشكال القمع العابر للحدود الذي يستهدف الأمريكيين.

وأضاف: "يجب معاقبة المسؤولين المصريين على جرائم القمع العابر للحدود، بما في ذلك التعرض لحظر خاشقجي، ويجب أن يعمل الرئيس مع الكونغرس لتمرير قانون يجرم القمع العابر للحدود".

وختم التقرير بالقول إن "القيام بخلاف ذلك سيضع كل أمريكي في الخارج تحت رحمة المستبدين الذين يرغبون في إسكاتهم، وسيجبر الأمريكيين في الولايات المتحدة على فرض رقابة على أنفسهم، مما يمنح مثل هذه الأنظمة سلطة تحديد حدود حرية التعبير حتى على الولايات المتحدة".

و"Just Security" هو منتدى عبر الإنترنت للتحليل الدقيق للأمن والديمقراطية والسياسة الخارجية والحقوق، تأسست في عام 2013، ويهدف إلى تعزيز الحلول المبدئية والبراغماتية للمشاكل التي تواجه صانعي القرار في الولايات المتحدة وخارجها.

طالع النص الأصلي للتقرير

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

انتهاكات القمع السيسي أمريكا شريف عثمان Just Security