موازنة إيران الجديدة.. الكثير من الإنفاق العسكري والقليل من الإصلاحات

السبت 14 يناير 2023 04:05 م

"ميزانية إيران الجديدة تديم التحديات الاقتصادية في ظل إجراء تخفيضات فعلية للرواتب والإعانات، فضلاً عن تخصيص المزيد من الأموال للجيش، مع تجنب الإصلاحات الصعبة التي يحتاجها الاقتصاد الإيراني".

هكذا خلص تحليل لمعهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، قال إن مشروع الميزانية "لم يتضمن أي بوادر حسن نية في مجال الاقتصاد، كما تجنب الإصلاحات الهيكلية التي يمكن أن تساعد في كبح جماح التضخم ودفع عجلة النمو".

والأربعاء، قدم الرئيس الإيراني "إبراهيم رئيسي" مشروع ميزانية العام المالي الجديد (2023-2024) إلى السلطة التشريعية.

وجاءت صياغة المشروع وسط واحدة من أشد موجات الاحتجاجات التي واجهتها الجمهورية الإسلامية منذ تأسيسها في عام 1979، حيث تشهد إيران موجة احتجاجات واسعة منذ أشهر على إثر وفاة الفتاة الكردية "مهسا أميني" (22 عاما) على يد شرطة الأخلاق.

ويأتي مقترح الموازنة الإجمالي بقيمة 21.6 كوادريليون ريال (حوالي 52 مليار دولار بسعر الصرف في السوق الحرة)، بزيادة بنسبة 42% مقارنةً بالميزانية السابقة.

ولا تعكس الميزانية النطاق الكامل للنشاط الحكومي، حيث غالباً ما تعتمد السلطات على طرق تمويل إضافية مثل مطالبة المصارف بقروض معينة بأسعار مخفضة، ومع ذلك، فإنها تقدم مؤشراً على الاتجاه المالي للدولة خلال العام المقبل.

توقعات متفائلة

ومن أجل تغطية النفقات، تعتمد الميزانية الجديدة على توقعات للإيرادات يرجَح أن تكون مفرطة التفاؤل.

ووفقاً لوسائل الإعلام الرسمية، تتوقع الحكومة أن تُصدّر إيران 1.4 مليون برميل يومياً من النفط بمتوسط ​​سعر 85 دولاراً للبرميل وما يعادله من الغاز الطبيعي.

وهذه التوقعات غير واقعية وفق المعهد، إذ تكهنت طهران الحجم ذاته العام الماضي ولم تحقق هذا الهدف، بحيث قدرت منظمات مثل "تانكر تراكرز" و"فورتيكسا" و"كبلر" و"متحدون ضد إيران النووية" صادرات إيران من النفط الخام والمكثفات في الفترة الممتدة من يناير/كانون الثاني حتى نوفمبر/تشرين الثاني 2022، على أنها تتراوح بين 860 ألفا و1.1 مليون برميل يومياً.

كما تتناقض توقعات الحكومة مع التقدير الذي قدمه "مركز أبحاث المجلس"، الذي يتوقع صادرات بنحو مليون برميل في اليوم. ومن شبه المؤكد أن الفارق يعكس تقييماً مفرطاً في التفاؤل للظروف الحالية، وليس أي توقع لتخفيف العقوبات الدولية.

ويُعتبر السعر المستهدف من قبل الحكومة أكثر منطقية، بحيث توقع محللو سوق الطاقة وبنوك الاستثمار أن تتراوح أسعار خام برنت بين 80 دولاراً و100 دولار للبرميل في عام 2023.

ومن المحتمل أن تعجز إيران عن إصدار السندات أيضاً، رغم توقع الميزانية زيادة حقيقية بنحو 28% في مبيعات السندات، وهو هدف طموح بالنظر إلى أن الحكومة واجهت صعوبة مؤخراً في جذب الاهتمام إلى مزاداتها.

أما توقعات الإيرادات الضريبية فهي أكثر واقعية، مع توقع زيادة حقيقية بنسبة 5%.

ومن المرجح أن يؤدي ضعف الأداء في مبيعات النفط والسندات إلى قيام فجوة تمويلية في الميزانية الإيرانية، وهي ظاهرة متكررة.

بلا إصلاحات

وينعكس العجز الكبير في الميزانية بدوره على زيادة التضخم حيث تعتمد الحكومة على الاقتراض المباشر أو غير المباشر من "البنك المركزي" لسداد فواتيرها، ومن المحتمل أن يكون هذا هو الحال مجدداً.

ووفق معهد واشنطن، فإنه كان بإمكان الحكومة استخدام عملية وضع الميزانية للتوصل إلى إجماع حول التخفيضات الصارمة والإصلاحات اللازمة لتحقيق استقرار الاقتصاد، بعدما فقد الريال أكثر من 20% من قيمته أمام الدولار منذ سبتمبر/أيلول، عندما بدأت الاحتجاجات الجماهيرية وانهارت المحادثات النووية.

واستخدمت الحكومة العديد من أدواتها المعتادة لكبح هذا التراجع، وشملت توقيف تجار العملة (الصرافين)، والتعهد بإحراز تقدم في المحادثات النووية، والتلميح إلى أنه سيتم تحرير المزيد من العملات الأجنبية من الخارج، وإقالة رئيس "البنك المركزي". وساعد ذلك في تجنب عملية بيع أكثر حدة، ولكن الريال لا يزال ضعيفاً.

وعلى الرغم من هذه الأزمة، فشلت حكومة "رئيسي" في العمل بشكل مع المشرعين بشأن هذه القضايا، وأهدرت بدلاً من ذلك الكثير من طاقتها في الاشتباك مع أعضاء البرلمان، الذين يتطلع بعضهم بلا شك إلى انتخابات 2024.

وسلّم "رئيسي" الميزانية بعد تأخير دام شهراً وتخبّط في صراعات حول تسلسل الوثيقة وهيكليتها، مع القليل من الاهتمام العام بمضمونها.

وفي خطاب "رئيسي" أمام المشرعين، صرح بأن الأهداف الرئيسية للميزانية هي الانضباط المالي وإدارة السيولة، وخفض التضخم، وتحقيق نمو مستقر وفعال، و"موجه نحو العدالة".

واقترح "رئيسي" زيادة رواتب موظفي الحكومة بنسبة 20% فقط، مما يشكل خفضاً فعليا في ظل ارتفاع معدلات التضخم.

كما أن الدعم النقدي لن يزيد مع التضخم، مما يؤدي إلى تآكل قيمته بشكل كبير.

وستبرز هذه الأرقام على الأرجح إلى الواجهة، عندما يراجع "المجلس النيابي" الميزانية، وقد يعدلها المشرعون.

واقترح "رئيسي" زيادة غير كافية في الدعم في العام الماضي أيضاً، وراجعها "المجلس" واقترح زيادة أكبر في الدعم.

ومن المقرر أيضاً أن ينخفض الإنفاق على التنمية (على سبيل المثال، الاستثمار في البنية التحتية) بنسبة 10% بالقيمة الحقيقية.

ولم تقترب الحكومة من تحقيق أهدافها للإنفاق التنموي هذا العام، لذا فإن إجراء المزيد من التخفيضات سيضر بصورة أكثر.

زيادة الإنفاق العسكري

في المقابل، تمت زيادة قيمة الإنفاق الدفاعي الفعلية بنحو 5%.

وعلى الرغم من تمتع الكيانات الدفاعية بمصادر أخرى للإيرادات مثل التهريب، وفق المعهد، توفر أرقام الميزانية الرسمية معياراً مرجعياً مفيداً.

وتشمل الكيانات التي حصلت على زيادات "فيلق الحرس الثوري الإسلامي"، و"قيادة إنفاذ القانون"، و"وزارة الدفاع ولوجستيات القوات المسلحة"، و"منظمة الضمان الاجتماعي للقوات المسلحة".

في المقابل يواجه الجيش النظامي (أرتيش) و"هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة" تخفيضات.

كما واصل "رئيسي" ممارسة تخصيص بعض عائدات تصدير النفط مباشرةً لقطاع الدفاع، بمعزل عن مخصصات الميزانية العادية.

أخيراً، اقترحت الحكومة زيادة ميزانية "منظمة الابتكار والبحث الدفاعي" 3 أضعاف.

وتُعد المنظمة، التي كان يقودها المسؤول الراحل في "الحرس الثوري" الإيراني والبرنامج النووي "محسن فخري زاده"، خليفة لـ"خطة آماد"، برنامج إيران النووي السابق.

وقد تكون هذه الزيادة الكبيرة بمثابة إشارة للغرب في ظل انهيار المحادثات النووية والتقدم في أنشطة تخصيب اليورانيوم التي يقوم بها النظام.

فيما تواجه "منظمة الطاقة الذرية" الإيرانية، التي تشرف على البرنامج النووي المدني، تخفيضاً بنسبة 4%

وأمام هذه الأرقام، والحديث للمعهد، فقد أعرب المشرعون عن إحباطهم من تقديم "رئيسي" للاقتراح دون "خطة التنمية السابعة" المصاحبة، والتي تأخرت أكثر من عام.

ولمّح الأعضاء أيضاً إلى أن مراجعتهم قد لا تكتمل قبل بدء العام الإيراني الجديد في 21 مارس/آذار.

وفي هذه الحالة، سيتوجب إقرار قوانين الإنفاق القصير الأجل، مما سيتسبب بالمزيد من المتاعب.

ولفت تقرير المعهد، إلى أنه غالباً ما يزيد البرلمان الإنفاق العسكري بما يفوق طلب الحكومة.

كما قد يكون المشرعون حريصين أيضاً على زيادة الإنفاق الاجتماعي والرواتب هذا العام في ظل الغضب الشعبي الواسع.

وأضاف: "مع ذلك، فإن إيجاد موارد لهذه النفقات الإضافية سيكون صعباً للغاية".

وختم التقرير بالقول: "غالباً ما يكون موسم (إقرار) الموازنة في طهران مضطرباً، لكن نسخة هذا العام ستكون متقلبة بشكل خاص نظراً للاضطرابات العامة السائدة".

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

اقتصاد إيران احتجاجات ميزانية الحرس الثوري إيران

السعودية وقطر تشهدان قفزة في الإنفاق العسكري في الشرق الأوسط.. لماذا؟