استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

ألمانيا تودّع استراتيجية تجنُّب الحرب

السبت 28 يناير 2023 09:09 ص

ألمانيا تودّع استراتيجية "تجنُّب الحرب"

الرغبة في مجتمع لديه جاهزية للصراع ستغير أوروبا تغييرًا عميقًا وواسعًا، حتى لو انتهت حرب أوكرانيا غدًا!

تحوّل ألمانيا نحو إنفاق عسكري أكبر وخطط لبناء جيش أضخم ليس سوى وجه واحد لما غيّرته حرب أوكرانيا.

استراتيجية تجنُّب الحرب تحكّمت بدرجة كبيرة في العقل السياسي الأوروبي خلال عقود مضت وقد تكون هي ذاتها سبب نشوبها.

المدخلات التي تتضافر لتكون المزاج السياسي، وبشكلٍ أعمق، الرؤية السياسية الشاملة التي تحدّد أولويات السلام والصراع، هي الآن على المحكّ.

"لقد طمسنا الأشياء فترة طويلة جدًا وعشنا بالفعل على الأوهام والتفكير بالتمنّي. الاستيقاظ الآن مؤلمٌ للغاية، وبعضهم يريد التمسك بالأوهام القديمة".

غيّرت الحرب العقل السياسي الألماني نحو التخلّي عن استراتيجية تجنُّب الحرب إذ أسفرت عن عواقب أبعد وأوسع من العواقب العسكرية والسياسية المباشرة.

"هل يمكننا كمجتمع الوقوف بوجه بوتين، أم على الكرملين فقط الجلوس وانتظار انطلاق آليات الديمقراطية لتترجم رغبة الجمهور بالسلام الفوري إلى سياسة حكومية؟"!

*   *   *

تناول مقال عنوانه "شرق المتوسط .. غرب الجحيم"، (892020)، لكاتب هذه السطور "استراتيجية تجنُّب الحرب" التي تحكّمت بدرجة كبيرة في العقل السياسي الأوروبي خلال عقود مضت.

وتنبأتُ فيه بأن "تجنُّب الحرب" يمكن أن يكون هو نفسه سبب نشوبها. وهذا ما أكّدت، لاحقا، صحّته الحرب الروسية على أوكرانيا، ولكن ما كان مفاجأة أكبر أن الحرب غيّرت العقل السياسي (وبخاصة الألماني) باتجاه التخلّي عن هذه الاستراتيجية التي أسفرت عن عواقب أبعد مدى وأوسع نطاقًا من العواقب العسكرية والسياسية المباشرة.

أصدر معهد كونراد إديناور الألماني المرموق، أخيرا، تقريرًا يعدّ مؤشرًا مهمًا إلى تغير كبير في الرؤية الألمانية للعلاقات الدولية، فالتحوّل نحو إنفاق عسكري أكبر وخطط لبناء جيش أضخم ليس سوى وجه واحد لما غيّرته حرب أوكرانيا.

ويعكس التقرير حالة أوروبية عامة، وموضوعه: الجاهزية للصراع، ويستمدّ معطياته من الحالة الألمانية، ويناقش الجاهزية للصراع ثقافيا وفكريا، وهي مستوياتٌ للتحليل أبعد غورًا من مستوى التحليل السياسي المباشر.

ترسم أستاذة التاريخ العسكري والتاريخ الثقافي للعنف في جامعة بوتسدام، البروفسورة سونكي نيتزل، صورة شديدة الوضوح لما تغيّر. وبحسبها أحدث غزو أوكرانيا "تغيرًا جذريًا في التهديد المتصوّر لناسٍ كثيرين في أوروبا"، وكان عليهم "مواجهة أسئلة الحرب والسلام التي بدت كأنها جزء من الماضي"، وكثيرون واجهوها أول مرة في حياتهم.

وهذا يعني أن الجيل الذي نعم بفترة رفاهية وسلام، ولم يشهد حروبًا أصبح أمام سؤال الحرب والسلام، وهو، بالتالي، ليس جيل "الاستسلام للإملاء الروسي" بأمل "تـَجنُّب الحرب"، بل قد يكون الجيل الذي يطوي صفحة هذا الاختيار.

وتشير البروفيسورة إلى حقيقة أخرى مهمة، أن بعض أسئلة السياسة كانت، حتى وقت قريب، من اختصاص السياسيين والأكاديميين، لكنها أصبحت "محور نقاش عام مكثف. وبالنسبة لكثيرين، لم تعد هذه الأمور مجرّدة، بل وجودية".

وبينما يمتلئ الإعلام العربي بقراءات سطحية ومتسرعة (بل أحيانًا مغرضة) عن أوروبا المخدوعة الخاضعة لأميركا المستعدّة للاستسلام لروسيا، ينشغل العقل السياسي الأوروبي بشكل عميق بدراسة التحدّي وصوغ الاستجابة (أو الاستجابات) التي تستوعب دروسه استيعابًا لا مكان فيه للأوهام.

وأحد الأوهام ما تسميها "الدعوات غير الواقعية إلى السلام". ومن زوايا النظر المدهشة في تنظيرات نيتزل ما عليه حال المجتمع الأكاديمي في ألمانيا فيما يتّصل بدراسات الحرب.

ففي مقابل حوالي مائتي أستاذ جامعي في دراسات الجندر هناك أستاذ واحد فقط في التاريخ العسكري، والحال قريبٌ من ذلك فيما يتصل بنسبة المتخصّصين في الدراسات الأمنية في العلوم السياسية، والخلاصة أن "البيئة الجامعية لا تهتم كثيرًا بمسائل الحرب والسلام.

وعندما يكونون مهتمين، فإنهم يميلون إلى أن يكونوا معياريين للغاية". ومنذ سبعينيات القرن الماضي، كانت في ألمانيا معاهد ممولة بسخاء لدراسات السلام والصراع، بثت لسنواتٍ نظرة مثالية جدا للعالم!

وفي تأكيد واضح لما جاء في ذلك المقال قبل نحو عامين، على سبيل الاستشراف، تتنقد البروفيسورة نيتزل القول إن "هذا البلد يريد نبذ الحرب"، وتضيف إن "السؤال هو عما نفعله بالفعل عندما تستخدم الدول الأخرى الحرب كوسيلة سياسية... لقد نسينا تمامًا كيف نأخذ الحرب في الاعتبار كاحتمال حقيقي".

وفي عبارةٍ يقطُر منها الندم، تقول: "لقد طمسنا الأشياء فترة طويلة جدًا وعشنا بالفعل على الأوهام والتفكير بالتمنّي. الاستيقاظ الآن مؤلمٌ للغاية، وبعضهم يريد التمسك بالأوهام القديمة".

ولقد أنجز المجلس الأوروبي للشؤون الخارجية دراسة استقصائية في عشر دول أوروبية، كشفت نتائجها أن نسبة من يفضلون "السلام" مقابل أية تنازلات كانت الأعلى في كل البلدان باستثناء بولندا.

وتتساءل نيتزل: "هل يمكننا كمجتمع الوقوف في وجه روسيا بوتين، أم أن على الكرملين فقط الجلوس وانتظار أن تنطلق الآليات الديمقراطية لتترجم رغبة الجمهور في السلام الفوري إلى سياسة حكومية؟"!

المدخلات التي تتضافر لتكون المزاج السياسي، وبشكلٍ أعمق، الرؤية السياسية الشاملة التي تحدّد أولويات السلام والصراع، هي الآن على المحكّ، وما يصفه التقرير في حالة ألمانيا له ظلاله في القارّة كلها.

الرغبة في مجتمع لديه جاهزية للصراع ستغير أوروبا تغييرًا عميقًا وواسعًا، حتى لو انتهت حرب أوكرانيا غدًا!

*ممدوح الشيخ كاتب وباحث مصري

المصدر | العربي الجديد

  كلمات مفتاحية

ألمانيا أوروبا روسيا الحرب حرب أوكرانيا العقل السياسي الاتحاد الأوروبي الإعلام العربي سونكي نيتزل جاهزية للصراع تجنُّب الحرب

الناتو يبحث الثلاثاء سبل الدعم العسكري لأوكرانيا.. وألمانيا ترفض تسليمها مقاتلات حربية