محاولات متأخرة لإنهاء التوتر بين قطر والبحرين.. هل تحقق هدفها؟

الأحد 29 يناير 2023 11:05 ص

خرج الاتصال الذي أجراه ولي عهد البحرين الأمير "سلمان بن حمد آل خليفة"، مع أمير قطر الشيخ "تميم بن حمد آل ثاني"، عن إطار الاتصالات المعتادة، حيث أكدت المنامة استمرار اتصالات المسؤولين مع الدوحة "تحقيقا لما فيه الخير للجميع"، معربة عن "حرصها على أهمية حل كافة القضايا العالقة بين البلدين".

ويأتي تصريح ولي عهد البحرين بعد أيام قليلة على لقاء خاطف جمع العاهل البحريني الملك "حمد بن عيسى آل خليفة" وأمير قطر على هامش القمة العربية المصغرة التي احتضنتها أبوظبي، وهو الثاني منذ الأزمة الخليجية التي اندلعت في 2017، واعتبره محللون "لم يكن مجرد فرصة لالتقاط الصور".

ورأى المحللون أن الاجتماع بين أمير قطر وملك البحرين بمثابة "خطوة في الطريق الصحيح"، متوقعين أن يشهد عام 2023 فصلا جديدا في العلاقات بين الدولتين الخليجيتين.

وأنهت قمة العلا التي احتضنتها السعودية في 5 يناير/ كانون الثاني 2021، مقاطعة أعلنها الرباعي العربي السعودية ومصر والإمارات والبحرين، ضد قطر، قبل أكثر من 3 سنوات آنذاك، غير أن العلاقات بين الدوحة والمنامة لم تكن بأفضل حالاتها وشابها حديث بحريني رسمي متكرر عن وجود "قضايا عالقة".

وهناك فرق كبير بين التوترات بين البحرين وقطر، والخلاف بين دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى وقطر.

فخلال الأزمة الخليجية (2017-2021)، ركزت معظم التحليلات على طبيعة العلاقات المعقدة بين قطر والسعودية والإمارات، ومع ذلك، فإن العلاقات بين البحرين وقطر أكثر تعقيدا، وهو ما تجلي في كون البحرين آخر دولة تفتح مجالها الجوي أمام قطر.

ويمكن القول إن الأزمة بين قطر والبحرين تعود جذورها إلى فترة ما قبل الاستعمار والعلاقات بين العائلتين الحاكمتين، "آل خليفة" في البحرين و"آل ثاني" في قطر.

وكان يُنظر إلى قطر في البداية على أنها "أخت البحرين الصغيرة"، حيث ظهر تاريخ قطر الحديث عندما هاجرت عائلة "آل خليفة" مع عائلات أخرى من الكويت إلى الساحل الغربي لقطر بالقرب من الزبارة.

وفي ذلك الوقت، كانت الدوحة والفويرات والحويلة قرى صيد صغيرة على الساحل الشرقي.

وبعد الاستقرار في قطر عام 1783، غزا "آل خليفة" البحرين وأسسوا سلالة حاكمة جديدة هناك.

واستمرت عائلة "آل خليفة" في السيطرة على الزبارة والبلدات الصغيرة في غرب البلاد، بالرغم من أنهم كانوا متمركزين في البحرين حتى هُزموا في حرب دموية ولكن قصيرة في عام 1867 عندما كان "آل خليفة" مدعومين من "آل نهيان" في أبوظبي.

واستمرت المطالبات القطرية والبحرينية المتضاربة بشأن منطقة الزبارة في شبه جزيرة قطر وجزر حوار إلى أن تم حلها من قبل محكمة العدل الدولية في عام 2001 حيث منحت حوار إلى البحرين وأكدت ملكية قطر للزبارة. ويعقّد هذا التاريخ العلاقات الحديثة بين الدولتين حتى اليوم.

وتدهورت العلاقات بشكل أكبر بسبب الصراع على جذب ولاء رجال القبائل.

وفي 2014، اتهمت البحرين قطر بمنح بعض العائلات البحرينية الجنسية القطرية مقابل التخلي عن الجنسية البحرينية، ووجه وزير خارجية المنامة حينها اتهامات علنية لقطر بالتورط في "التجنيس الطائفي" لمواطني البلاد.

ويشك البحرينيون في أن سياسة التجنيس في قطر تستهدف القبائل السنية البحرينية التي تحظى باحترام كبير والتي تشغل أدوارًا مهمة داخل الحكومة البحرينية وقوات الأمن.

كما أدت تغطية قناة "الجزيرة" لأوضاع حقوق الإنسان في البحرين إلى تعميق الأزمة بين البحرين وقطر، حتى دفعت هذه البرامج دول الحصار إلى المطالبة بإغلاق قناة "الجزيرة" وغيرها من المؤسسات الإخبارية التابعة لدولة قطر.

ولا تخلو الأزمة القطرية البحرينية من تنافس شبه معلن حول ملف التطبيع الذي قررت البحرين والامارات أن تكونا صاحبتا العلامة التجارية لإتفاقيات ابراهام في المنطقة، على خلاف المسلك السعودي والقطري والكويتي الذي يبدو متحفظاً.

وهذا الأمر، رغم كونه معقدًا وله مسارات سرية، إلا أن تبني المنامة لمسار التطبيع وممانعة الدوحة له يزيد من حدة التنافس بين العاصمتين.

وبالرغم من التقدم الذي حققته قمة العلا في يناير/كانون الثاني 2021، ظلت العلاقات بين المنامة والدوحة متوترة، وذهبت قطر إلى حد اتهام البحرين بانتهاك مجالها الجوي ومياهها الإقليمية عدة مرات في ديسمبر/كانون الأول 2021.

وأدت هذه العوامل إلى إبطاء عملية المصالحة، لكن التواصل الأخير رفيع المستوى بين البلدين قد يبشر بالخير للتقدم في المستقبل.

وفيما يخص البحرين، فلا يمكن حل خلافاتها مع قطر في اجتماع واحد رفيع المستوى نظرًا للتاريخ المعقد بينهما.

ومع ذلك، نظرًا للديناميكيات الجيوسياسية الإقليمية والعالمية المتغيرة، فقد يثبت التعاون أنه مسار عمل أكثر فائدة لكلا الدولتين.

وتُشير تسريبات تتداولها وسائل الإعلام إلى أن المطلوب من البحرين، بالنسبة للقطريين، هو القيام بزيارة رسمية إلى الدوحة كشرط من شروط تعليق الأزمة والعودة إلى ما قبل 2017.

بدورها، تعمل البحرين على شرعنة موقفها وتحويل موضوع إنهاء الأزمة إلى لجان ومباحثات ورسائل رسمية للضغط على الجانب القطري ومحاولة إحراجه عربيًا وعالميًا، وهو الأمر الذي لا يبدو أن الدوحة تكترث له إذا ما قيس مع حجم القوتين السياسية والاقتصادية للقطريين.

الأمر الذي تحول لدعاية سلبية على البحرين التي تظهر وكأنها تتوسل الحوار والمصالحة مع الدوحة.

ويصف مراقبون التكتيكات البحرينية بالمترهلة دبلوماسياً، فالجانب القطري يتخذ موقفًا حازما إزاء بعض الاستفزازات التي قامت بها البحرين، وفي مقدمتها قيام 4 طائرات عسكرية من قوة سلاح الجو البحريني بالتحليق في سماء الدوحة إبان الأزمة الخليجية، الأمر الذي اعتبرته قطر سلوكاً عدائياً، كذلك مصادرة أكثر من 100 عقار تعود ملكيتها لأفراد من عائلة المسند (عائلة الشيخة موزة المسند والدة أمير قطر، والشخصية الأكثر نفوذا في قطر).

ومما تقدم يبدو أن الأزمة بين العائلتين، تستلزم حلا جذريا وعدم تحويل الأزمة إلى "مشكلة عائلية" بين بيوتات الحكم، والتعامل معها على أنها خلافات سياسية وحدودية فقط.

وأمام ذلك، ستستفيد كل من البحرين وقطر من التعاون في سياسة الطاقة، خاصة الصادرات إلى الدول الغربية.

وبالرغم أن دول مجلس التعاون الخليجي منفردة لا تمتلك القدرة على حل أزمة الطاقة الناتجة عن الصراع الروسي الأوكراني بمفردها، إلا أنها تشكل كتلة ذات تأثير قوي ومهم.

وتشترك الدولتان أيضًا في المصالح الأمنية، بالرغم أن رؤيتهما المتباينة للتهديدات الأمنية تمنع التعاون في الوقت الحالي. ويختلف البلدان في رؤيتهما للتهديد الذي تشكله إيران.

فمن ناحية، تتخذ البحرين وجهة نظر متشددة تجاه إيران، التي تعتبرها تهديدًا أمنيًا متزايدًا، بينما تنظر قطر إلى طهران بقدر أقل من الشك وانعدام الثقة من العديد من دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى.

ويبقى أن نرى ما إذا كان يمكن إقناع قطر بالانخراط مع دول مجلس التعاون الخليجي، بما في ذلك البحرين، في أجندة مواجهة سياسات إيران المزعزعة للاستقرار في المنطقة.

من جانبه، يقول "ديفيد روبرتس" الأستاذ المساعد في كينجز كوليدج لندن والخبير في الشؤون الخليجية: "لابد أن يكون لمثل اجتماع الشيخين تميم وحمد غير العادي بعض الأهمية".

ويضيف: "هذا الاجتماع ومن بعده الاتصال هو أكثر من تواصل لالتقاط صور فوتوغرافية، ويبدو أنه يشير إلى أن العلاقات الثنائية القطرية مع كل من الإمارات والبحرين تمضي قدمًا [...] يبدو أن قيادة البلدين منفتحة على فتح فصل جديد".

بينما تضيف "آنا جاكوبس" كبيرة محللي شؤون الخليج في مجموعة الأزمات الدولية: "أود أن أقول إن المصالحة بين قطر والبحرين قد تحركت بشكل أبطأ منذ أن أنهت اتفاقية العلا رسميًا الخلاف الخليجي في يناير/كانون الثاني 2021".

ولم تستأنف الرحلات الجوية المباشرة بين الدوحة والمنامة بعد، ولا تزال سفارات البلدين مغلقة. بينما كان يُنظر إلى كأس العالم في قطر على نطاق واسع على أنها فرصة لتوحيد العالم بأسره، ولا سيما المنطقة، غاب المسؤولون البحرينيون عن البطولة.

لكن "جاكوبس" قالت إنه في حين أن المؤشرات السابقة أظهرت أن العلاقات بين قطر والبحرين كانت "مشحونة"، فإنه يمكن القول إن الاجتماع الأخير "كان إشارة قوية" للحوار الإقليمي للمضي قدما هذا العام.

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

البحرين قطر اتفاق العلا مصالحة خلافات حدودية آل خليفة آل ثاني

ملك البحرين يؤكد ضرورة حل القضايا العالقة مع قطر (صور)

بن سلمان وسيطا.. موقع إسباني: بدأت الخطوة الأولى لإذابة الجليد بين قطر والبحرين