موازنات الدول العربية وإسرائيل.. لماذا يواصل حلفاء أمريكا خذلان أوكرانيا؟

الاثنين 30 يناير 2023 06:45 ص

"المواقف العربية والإسرائيلية من أوكرانيا مستمرة في إحباط الولايات المتحدة".. هكذا وصف الزميل غير المقيم بالمركز العربي في واشنطن "ريتشارد دن"، إصرار الدول ذات التأثير الإقليمي بالشرق الأوسط في تعزيز علاقاتها مع روسيا، مشيرا إلى أن التقدم الذي أحرزته أوكرانيا في الحرب مع روسيا لم يغير نهج تلك الدول.

وذكر "دن"، في تحليل نشره المركز وترجمه "الخليج الجديد"، أن المقاومة الأوكرانية أثببت أنها أكثر فاعلية مما كان يُعتقد سابقًا، وأن الحرب وحدت حلف الناتو والغرب وأغلبية كبيرة من أعضاء الأمم المتحدة في إدانة الغزو، حيث فتح أعضاء الناتو جسرا من الأسلحة المتقدمة والمساعدات المالية التي مكنت كييف من صد التقدم الروسي في العديد من القطاعات.

ورغم ذلك، يواصل أبرز قادة الشرق الأوسط الحفاظ على علاقات حميمة مع موسكو، ما اعتبره "دن" بمثابة "دعم سياسي فعلي لموسكو"، وإن ابقت تلك الدول انتقاداتها الخجولة لغزو أوكرانيا قائمة، ما يهدد بتوتر العلاقات مع بعض شركاء أمريكا الرئيسيين في المنطقة، خاصة السعودية وإسرائيل.

لكن "دن" يعترف بأن شركاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط لديهم سبب وجيه لتقليل مشاركتهم في النزاع الأوكراني والحفاظ على علاقات وثيقة مع روسيا، وهو الحفاظ على مصالح دبلوماسية وعسكرية واقتصادية مهمة مع موسكو، لكن هذا التوازن قد لا يستمر، خاصة إذا تصاعدت الحرب وأصبحت نزاعًا مباشرًا بين روسيا والناتو، إذ ستجد الدول العربية وإسرائيل صعوبة أكبر في الموازنة، ما لم تكن تريد المخاطرة بتخريب علاقاتها مع الولايات المتحدة.

وإذا كان موقف دول مثل السعودية ومصر مفهوما في ضوء ارتباط كل منهما بشراكة وثيقة مع روسيا، إذ تحتفظ الرياض باستثمارات كبيرة في صناعة النفط الروسية، وتسعى مصر لتنفيذ عقد بقيمة 25 مليار دولار لبناء محطة للطاقة النووية بدعم روسي، فإن موقف إسرائيل هو الأكثر مفاجأة للولايات المتحدة، وهو الموقف الذي وصفه "دن" بأنه "أكبر خيبة أمل لجهود الولايات المتحدة في الحشد الدعم لأوكرانيا".

فأوكرانيا لديها سبب للأمل في الحصول على دعم قوي لإسرائيل، إذ لكلا البلدين شكل ديمقراطي للحكم، وأوكرانيا هي موطن لواحد من أكبر تجمعات السكان اليهودية في العالم، كما أن الرئيس الأوكراني "فولوديمير زيلينسكي" يهودي.

وبإضافة لعب إيران لدور نشط في الحرب لصالح روسيا، حيث تزود موسكو بمئات الطائرات المسيرة، يمكن القول بأن كييف فوجئت بموقف غير متوقع من إسرائيل، التي لم تكن بمستوى الدعم المأمول.

فإسرائيل اتبعت نهجا حياديا في التعامل مع الحرب الأوكرانية منذ البداية، وكانت الحكومة بطيئة في إصدار إدانة قوية للغزو الروسي غير المبرر.

وحاول رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك "نفتالي بينيت" تشجيع "زيلينسكي" على التفاوض وقبول بعض المطالب الروسية لإنهاء النزاع.

وفي أكتوبر/تشرين الأول 2022، أرسلت السفارة الأوكرانية في تل أبيب رسالة تطلب رسميًا أنظمة دفاع جوي وصاروخي إسرائيلية الصنع، إضافة إلى دعم تل أبيب في تدريب الجيش الأوكراني، لكن إسرائيل تراجعت عن تلبية الطلب ببطء، بسبب مخاوف من أن ينتهي مصير الأسلحة الموردة إلى أوكرانيا إلى إيران.

كما زعمت بعض المصادر الإسرائيلية إلى أن إسرائيل تواجه نقصًا خاصًا بها في معدات الدفاع الجوي والصاروخي للدفاع عن نفسها من هجمات إيران أو حزب الله، وهو حاجز آخر يمنع تصدير هذه الأنظمة إلى كييف.

لكن السبب الرئيسي لتحفظ إسرائيل، حسبما يرى "دن"، هو رغبتها في البقاء على علاقة جيدة مع روسيا، التي تلقت قواتها في سوريا تعليمات بعدم معارضة الطلعات الجوية الإسرائيلية التي تستهدف الأصول الإيرانية وشحنات الأسلحة إلى حزب الله.

وتخشى إسرائيل أن يؤدي تزويد أوكرانيا بالسلاح إلى تعريض هذا الترتيب للخطر كما أوضح وزير الجيش السابق "بيني جانتس" لنظيره الأوكراني في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، ولذا اكتفت بتقديم المساعدة الإنسانية والمعدات المنقذة للحياة.

ورغم الآمال الأولية بإعادة تقييم الحكومة الجديدة لسياسة إسرائيل تجاه أوكرانيا، إلا أن هكذا تطور يبدو غير مرجح حسبما يرى "دن"؛  لسبب واحد، وهو أن حسابات تل أبيب في سوريا لاتزال كما هي.

فمؤيدو الجناح اليميني للموقف الإسرائيلي الحالي يرون أن الحاجة ملحة لإبقاء خطوط الاتصال مع الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين" مفتوحة، بدعوى أن إسرائيل يمكن أن تلعب يومًا ما دور وساطة بين الغرب وروسيا.

ورغم أن الرأي العام الإسرائيلي متعاطف بشدة مع أوكرانيا وينتقد تصرفات روسيا، لكن يبدو أن قلة من الإسرائيليين يفضلون تقديم مساعدة عسكرية لكييف، خاصة إذا كان ذلك يعني خوض معركة مع موسكو، وهو ما كانت روسيا حريصة على تأكيده بإشاراته الدائمة إلى "العواقب المحتملة إذا غيرت إسرائيل مسارها"، بما في ذلك إغلاق الفرع الروسي للوكالة اليهودية.

ومع استمرار المأزق بشأن إمدادات الأسلحة، قد تدخل العلاقات بين أوكرانيا وإسرائيل مرحلة أكثر برودة، ففي أواخر ديسمبر/كانون الأول الماضي، وبعد يوم من أدائه اليمين كرئيس لوزراء إسرائيل، اتصل "بنيامين نتنياهو" بـ "زيلينسكي" ليطلب منه التصويت بـ "لا" على قرار للجمعية العامة للأمم المتحدة يطالب المحكمة الجنائية الدولية بإصدار رأي قانوني بشأن عواقب احتلال إسرائيل للضفة الغربية، وهو ما لم يستجب له الرئيس الأوكراني.

وجاء موقف "زيلينسكي" بعدما رفض "نتنياهو" طلبه لتوفير أنظمة دفاع صاروخي كانت إسرائيل قد رفضت إرسالها، مايؤشر إلى أن علاقات كييف مع الحكومة الإسرائيلية الجديدة لم تشهد أفضل بداية ممكنة.

وهنا يشير "دن" إلى أن رفض إسرائيل تقديم الكثير من المساعدة العسكرية إلى كييف لم يضر بصناعة الأسلحة لديها، مشيرا إلى أن قيمة صادرات الأسلحة الإسرائيلية بلغت 11.3 مليار دولار في عام 2022 ، بزيادة 30% عن العام السابق.

المفارقة أن هذه الطفرة في صادرات السلاح الإسرائيلي تُعزى إلى الشعور المتزايد بانعدام الأمن في أوروبا وأماكن أخرى، نتيجة الحرب في أوكرانيا.

ولذا يشكك "دن" في الرواية الإسرائيلية بشأن النقص المحلي في معدات الدفاع الجوي لتبرير عدم تزويد كييف بها.

وبذلك تشترك تل أبيب مع القاهرة والرياض وأبو ظبي في التعامل مع واشنطن كـ "شريك زئبقي وغير موثوق به" حسب تعبير "دن"، مشيرا إلى أن مجيء إدارة "جو بايدن"، التي وعدت بوضع حقوق الإنسان في صدارة السياسة الخارجية الأمريكية، وكانت لها انتقادات قاسية للسعودية وولي عهدها "محمد بن سلمان"، عزز الانطباع بأن الولايات المتحدة متقلبة وتتطلع إلى الخروج من صراعات المنطقة.

وفي ضوء هذه القراءة لسياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، جاء اتجاه الدول العربية الرئيسية لتعزيز العلاقات مع موسكو، لتأسيس "نسخة القرن الحادي والعشرين من حركة عدم الانحياز في خمسينيات وستينيات القرن العشرين" حسبما يرى "دن".

لكن نهج إسرائيل تجاه روسيا يظل أقل استراتيجية وأكثر تكتيكية، إذ يتركز رفض تل أبيب لتقديم مساعدة عسكرية قيّمة لأوكرانيا على المخاوف العملياتية الضيقة في سوريا، وليس على انحياز لتموضع جيوسياسي معين.

ومع ذلك، يرى "دن" أن للولايات المتحدة الحق في أن تتوقع المزيد من دعم حلفائها في الشرق الأوسط، ليس فقط لأوكرانيا، ولكن أيضا لجهود قيادة الغرب في الرد على تهديد خطير من روسيا للنظام الدولي القائم على قواعد صممتها الولايات المتحدة.

ويوضح الزميل غير المقيم بالمركز العربي في واشنطن أن إسرائيل ومصر ودول الخليج تلقت مئات المليارات من الدولارات من المساعدات العسكرية الأمريكية على مدى عقود، بالإضافة إلى تدخلات عسكرية أمريكية في الوقت المناسب لحماية الأنظمة المتحالفة والدفاع عنها.

كما يرى "دن" أن قادة المنطقة، الذين يغازلون روسيا، يدركون أن الولايات المتحدة تظل الضامن الرئيسي لأمنهم، وهو دور لا موسكو ولا بكين مستعدة لتوليه.

بالإضافة إلى ذلك، يشير "دن" إلى تصنيف 8 دول في المنطقة كحليف رئيسي للولايات المتحدة من خارج الناتو، وهي إسرائيل ومصر والبحرين والأردن والكويت والمغرب وقطر وتونس، لافتا إلى ما لهذا التصنيف من "امتيازات عسكرية واقتصادية" كبيرة مماثلة لتلك التي تتمتع بها دول الناتو.

ويخلص الزميل غير المقيم بالمركز العربي في واشنطن إلى أن حلفاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط سيتعرضون لضغوط أكبر بكثير من الإدارة الأمريكية والكونجرس والاتحاد الأوروبي والناتو لقطع أو تقليص العلاقات مع روسيا، وفرض العقوبات عليها، وزيادة المساعدات لأوكرانيا، إذا أصبح التهديد الروسي باستخدام سلاح نووي تكتيكي أكثر من مجرد خدعة، أو في حال تطور الصراع إلى مواجهة مباشرة بين الناتو والجيش الروسي.

المصدر | المركز العربي بواشنطن - ترجمة وتحرير: الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

الخليج مصر إسرائيل أوكرانيا روسيا نتنياهو بايدن كييف

إسرائيل تدرس إرسال أسلحة إلى أوكرانيا وروسيا تهددها

نتنياهو يدرس إرسال القبة الحديدية لأوكرانيا.. ووزير خارجيته يزورها خلال أيام

بعد رفض تسليح أوكرانيا.. 4 تغييرات إسرائيلية بضغط أمريكي أوروبي