إغلاق سفارات غربية بتركيا.. تهديد أمني حقيقي أم هناك مآرب أخرى؟

السبت 4 فبراير 2023 12:40 م

على مر السنوات حتى العقود الماضية، لم تسجل في تركيا أي هجمات كبيرة على خلفية دينية أو عرقية تستهدف الجاليات أو السياح الغربيين، على الرغم من مرور العلاقات بين تركيا والغرب بمراحل مختلفة من التوتر والتصعيد الكبير لأسباب سياسية ودينية واقتصادية باستثناء بعض الحوادث الطفيفة التي لم يسجل فيها وقوع ضحايا.

وبالمقابل أيضاً، لم تسجل أي هجمات منظمة ضد أتراك في الولايات المتحدة والدول الأوروبية المختلفة على خلفية دينية أو عرقية باستثناء بعض الحوادث العنصرية التي تتعرض لها الجالية التركية في ألمانيا ودول أوروبية أخرى، وهي هجمات تحدث بين الحين والآخر منذ سنوات طويلة وليس لها علاقة بالتطورات الأخيرة.

ولكن ما شهده الأسبوع الماضي، بين القول بوجود تهديدات أمنية واتهامات باصطناع أزمات، كان إيذانا باندلاع أزمة جديدة بين تركيا والدول الأوروبية.

وبعد حادثة الإساءة إلى القرآن الكريم أمام القنصلية التركية في العاصمة السويدية استوكهولم في 21 يناير/كانون الثاني الماضي، دعت وزارة الخارجية التركية رعاياها في الدول الأوروبية والولايات المتحدة والراغبين في السفر إليها، إلى اتخاذ تدابير الحيطة والحذر على خلفية تصاعد الهجمات ذات "الطابع المعادي للأجانب والعنصري والديني المتعصب".

وأكدت الخارجية التركية، في بيان صدر عنها في 29 يناير/كانون الثاني الماضي، رصدها تصاعد معاداة الإسلام والأجانب والحوادث ذات الطابع العنصري، وكذلك التظاهرات لمجموعات مناصرة لحزب العمال الكردستاني، التي تستهدف تركيا في بعض الدول الأوروبية.

رد بالمثل

وأمام ذلك، أصدرت فرنسا وألمانيا وإيطاليا والولايات المتحدة ودول أخرى تحذيرات لمواطنيها من زيادة خطر الهجمات في تركيا، خاصة ضد البعثات الدبلوماسية ودور العبادة لديانات أخرى غير الإسلام.

وتبع ذلك إغلاق 9 دول، من بينها ألمانيا وفرنسا وهولندا وبلجيكا وسويسرا وبريطانيا، البعثات الدبلوماسية مؤقتا في تركيا، وبررت قرارها بالأسباب الأمنية.

ومن اللافت أن قرارات إغلاق القنصليات للدول الأوروبية جاءت بعد عملية التحذير التركية، ما يبدو كأنها رد بالمثل على تحذير وزارة الخارجية التركية.

لكن تركيا استدعت، الخميس، سفراء الـ9 دول، قبل أن يصرح وزير الخارجية التركي "مولود جاويش أوغلو" الجمعة، بأن "دولا غربية منها الولايات المتحدة وألمانيا لم تزود أنقرة بأي معلومات لدعم تأكيداتها بأن تهديدات أمنية دفعتها إلى إغلاق بعثاتها في البلاد".

وقال إن "تلك الدول ربما تحاول تصوير تركيا على أنها بلد مضطرب عندما أغلقت مؤقتا السفارات والقنصليات وأصدرت تحذيرات من السفر في أعقاب وقائع حرق للمصحف في أوروبا".

واعتبر "جاويش أوغلو"، أن "إغلاق القنصليات دون مشاركة تفاصيل المعلومات مع الجانب التركي أمر متعمد".

حرب نفسية

وتابع: "إذا كانوا يريدون إعطاء الانطباع بأن تركيا دولة غير مستقرة وتواجه تهديدا إرهابيا فإن هذا التصرف لا يتماشى مع علاقاتنا الودية والقائمة على التحالف".

وأضاف: "يقولون إن هناك تهديدا إرهابيا.. لكن عندما نسأل عن مصدر المعلومات، ومن هم المخططون لمثل هذه الهجمات لا يشاركون أي معلومات مع أجهزة المخابرات والأمن لدينا".

ومن قبله، وصف وزير الداخلية "سليمان صويلو" إغلاق بعض القنصليات الأجنبية في إسطنبول مقارها بأنه "حرب نفسية تُشن ضد تركيا".

وأضاف "صويلو" في كلمة له خلال فعالية لقوات الدرك، الخميس، متسائلاً عن "سر توقيت هذه الخطوة"، مبيناً أنها تتزامن مع إعلان تركيا أهدافها السياحية لعام 2023.

وكشف الوزير التركي عن "وجود تنسيق بين بعض القنصليات الغربية في تركيا، لإغلاقها مؤقتاً بشكل متزامن في آن واحد، وأن بعض هذه القنصليات (لم يسمها) التي علقت أعمالها مؤقتاً، تراسل قنصليات أخرى في أنقرة، مطالبة إياها بحذو حذوها وإغلاق أبوابها أيضاً".

وأوضح أن هذه المستجدات "تتزامن مع إعلان تركيا استقبالها 51.5 مليون سائح في 2022، واعتزامها رفع الرقم إلى 60 مليون زائر بحلول نهاية 2023"، ووصف هذه الخطوات بأنها مؤشرات على "حرب نفسية" ضد تركيا.

وقال الوزير أيضا إن تركيا تشتبه في وجود "دافع خفي" وراء عمليات الإغلاق، بما في ذلك النية المزعومة للإضرار بالحزب الحاكم الذي يتزعمه الرئيس "رجب طيب أردوغان"، قبل الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التي من الممع إجراؤها في 14 مايو/أيار المقبل.

(ارفعوا أيديكم)

وأضاق: "إذا كانوا يحاولون خلق صورة مفادها أن تركيا غير مستقرة وأن هناك تهديدًا للإرهاب، فهذا لا يتناسب مع روح الصداقة أو التحالف".

وكرر "صويلو"، المعروف بانتقاداته اللاذعة للدول الغربية، خاصة الولايات المتحدة، التي سبق أن اتهمها بالضلوع في الانقلاب العسكري لعام 2016، تصريحاته الجمعة، وخاطبهم بالقول: "ارفعوا أيديكم القذرة عن تركيا".

ونقل موقع "ميدل إيست آي" عنه قوله: "أعرف جيدًا كيف ترغب هذه الجهات في إثارة الفتنة في تركيا".

وأضاف موجهًا كلامه للسفير الأمريكي في تركيا "جيفري فليك": "كل سفير أمريكي يصل إلى تركيا يسارع لمعرفة كيفية جعل الانقلاب أمرًا ممكنًا في تركيا".

واستطرد "صويلو" موجهًا اتهامه للسفارات الأمريكية في أوروبا و"الاجتماعات التي تعقد للنيل من تركيا والسيطرة عليها"، مؤكدًا أن جميع المناورات الأمريكية ضد تركيا باءت بالفشل بفضل سياسة "أردوغان".

من جهته، يرى الكاتب "صولي أوزيل" في حوار تليفزيوني، أن مبرّرات إغلاق القنصليات هي بالفعل المعلومات الاستخبارية الموثوقة حول وجود تهديدات، لافتاً إلى أن "العديد من عناصر تنظيم الدولة (داعش) دخلوا أخيراً إلى تركيا من سوريا، بعدما قُتل بعض قياداتهم في إدلب". ويلفت إلى أن "هؤلاء ربّما يسعون إلى الانتقام".

بلد إرهابي

غير أن "نهاد أولوداغ" مدير الأخبار في تليفزيون "سي إن إن تورك"، يعتقد في تصريحات تليفزيونية، بأن حجّة الدول الغربية ليست في محلّها؛ إذ إن "السلطات الأمنية التركية نفّذت بنجاح عمليات أمنية، واعتقلت قبل أيام 15 عنصراً من داعش، أُودعَ 6 منهم السجن"، مضيفاً أن "هذه العملية لم تكن جديدة، بل هي استمرار لمكافحة تركيا التنظيم، حيث نفّذت 1042 عملية ضدّه في عام 2022، واعتقلت 1981 عنصراً تابعين لها".

ويضيف أن "كلّ أوروبا لم تعتقل هذا القدْر من الإرهابيين لأن تركيا هي التي تقوم بمحاربة داعش بشكل جدّي".

من هنا، يرى "أولوداغ" أن إغلاق القنصليات جاء بهدف إظهار تركيا أنها "بلد غير آمن"، بعدما أعلن محافظ إسطنبول أن 36% من السائحين الأجانب (حوالي 16 مليوناً و18 ألفاً و726 سائحاً)، كانت وُجهتهم مدينة إسطنبول تحديداً.

وبين أن هؤلاء يأتون من روسيا وألمانيا وإيران والولايات المتحدة وإنجلترا، ويقصدون إسطنبول "لأنها منطقة آمنة وليس فيها أيّ مخاطر جدّية".

ويتابع أن "إغلاق القنصليات هدفه نشر الخوف ومنع مجيء السائحين"، خصوصاً أن تركيا تنتظر موجة كبيرة منهم في عام 2023.

ويلفت إلى أن "السلطات الأمنية تعرف كيف يجري تسريب معلومات استخبارية إلى عناصر أجنبية، واتّخاذها ذريعة لقرار الإغلاق وتشويه سمعة تركيا".

"ناتو" وانتخابات الرئاسة

ويُذكّر الإعلامي التركي بأن بلاده "تخوض حروباً استخبارية على أرضها؛ فهي فكّكت خليّة إيرانية كانت تريد استهداف معارضين إيرانيين، وأخرى للموساد الإسرائيلي كانت تستهدف فلسطينيين في تركيا، ومن ثمّ شبكة تجسّس يونانية"، متابعاً أنهم "يريدون تحويل تركيا إلى مركز للعملاء والجواسيس".

وتأتي التطوّرات المتعلّقة بإغلاق القنصليات في سياق حملات متوالية في الأوساط الغربية ضدّ تركيا، ولاسيما بعد اعتراض الأخيرة على انضمام السويد إلى حلف "ناتو".

وهنا تربط الكاتبة "صالحة علام" في مقال بموقع "الجزيرة نت" هذه التطورات بطلب تركيا من السويد (التي شهدت حادث إحراق المصحف) ضمانات أمنية قبل قبول عضويتها في حلف "ناتو"، لافتة إلى أن "من يقفون خلف هذه الأحداث المؤسفة يسعون بكل قوتهم لتأجيج نار الفتنة، وإشعال الكراهية، وبث العنصرية المقيتة".

وحسب "صالحة"، تسعى جهات أوروبية لإفشال التعاون التركي مع السويد وفنلندا، لانضمام الأخيرتين إلى حلف "ناتو"، وهو ما سيدفع الدولتين إلى الامتناع عن تسليم العناصر المطلوبة لتركيا.

وتضيف: "هذه خطة شيطانية لم تراع أي قيم دينية أو أخلاقية، فالمهم تحقيق الهدف من ورائها، وهو ما بدا واضحا من تصريحات وزير الخارجية التركي مؤخرا، التي أعلن فيها أن من يقفون خلف هذه الأفعال غير الأخلاقية يسعون إلى عرقلة انضمام السويد إلى حلف الناتو، لإدراكهم أنه في حال قبول عضوية السويد في الحلف ستزيد الضغوط عليهم، وسيصبحون مطاردين في دول العالم، بعد أن يتفرق جمعهم، ويتشتت شملهم".

وتتابع: "كما أنها حرب تستهدف إسقاط الدولة التركية، والحد من قدراتها، ووقف مسيرتها".

فيما يربط الباحث "محمد نورالدين"، هذه الأحداث بقرب الانتخابات الرئاسية التركية، ويقول في مقال بصحيفة "الأخبار" اللبنانية: "العواصم الغربية لا تفتأ تستدعي المزيد من أسباب الخلاف مع تركيا عامِدةً إلحاق أكبر أذى سياسي ومعنوي بأردوغان، أملاً بخروجه من رئاسيات 2023 مهزوماً".

ويضيف: "كلّ ما تَقدّم وهذا التصعيد يأتي على بُعد 100 يوم تقريباً من الانتخابات الرئاسية والتي لا يخفي الغرب بمسؤوليه ووسائل إعلامه، رغبته القوية في إسقاط أردوغان خلالها".

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

تركيا الغرب انتخابات تركية انتخابات رئاسية السويد حرق المصحف إغلاق قنصلية الإرهاب