إيران والقرن الأفريقي.. رهانات وعقبات بناء موطئ قدم استراتيجي

الجمعة 17 فبراير 2023 11:41 ص

سعت إيران كغيرها من القوى منذ فترة طويلة إلى بناء نفوذها وإبراز قوتها في القرن الأفريقي الذي أصبح مسرحًا للمنافسة بين الجهات الفاعلة الإقليمية والدولية المتنافسة على الوصول إلى موارده والتأثير على مصيره الجيوسياسي.

ويذكر مقال الكاتب ليوناردو مازوكو في "منتدى الخليج الدولي" الذي ترجمه "الخليج الجديد"، أن إجماعا تدريجيا تبلور بين القيادة السياسية الإيرانية حول أهمية إقامة وجود استراتيجي في شرق أفريقيا. وبالطبع كان لهذا دوافعه على سبيل المثال إقامة عمق استراتيجي والتهرب من العقوبات، وتوسيع التحالفات.

ومع ذلك كانت نتائج النشاط الإيراني غير ثابتة بسبب التذبذب في المنطقة نفسها، ما جعل استمرارية سياستها في القرن الأفريقي موضع تساؤل، حيث لا تزال الكثير من القيود تعيق قدرة طهران لتأمين موطئ قدم استراتيجي في القرن الأفريقي.

القرن الأفريقي و"سياسة المقاومة" الإيرانية

يرى المقال أن إيران صممت عقيدة عسكرية ونهجًا للسياسة الخارجية يهدفان إلى تحييد الخصوم المحتملين قبل أن يصلوا إلى شواطئها. وقد استلزمت هذه الاستراتيجية تعزيز كل من القدرة العسكرية للبلاد وزراعة شبكة واسعة من العلاقات مع مجموعة واسعة من الشركاء واتبعت مع القرن الأفريقي ديناميكية مماثلة. فقد سعت الجمهورية الإسلامية إلى بناء نفوذها في المنطقة لأنها رأت أن هذه الخطوة مفيدة لتعزيز بقائها. واعتقدت أن إبراز قوتها في منطقة ذات قيمة متزايدة لمنافسيها التقليديين الولايات المتحدة ودول الخليج العربي وتركيا وإسرائيل سيقويها.

ويقول مازوكو، إن طهران سعت إلى تحقيق هدفين رئيسيين من خلال توسيع نطاق مشاركتها في المنطقة؛ أولاً: حاولت تأمين طرق الملاحة لسفنها التجارية، حيث تتعرض ناقلات النفط عبر البحر الأحمر وخليج عدن لهجمات من القراصنة. وثانيًا: استخدمت صلاتها في القرن الأفريقي لدعم شركائها المحليين، وفي مقدمتهم جماعة الحوثي المتمردة في اليمن، وكذلك "حماس" في غزة.

وفي هذا السياق استخدمت السفن الحربية التابعة للبحرية الإيرانية مدينة عصب الإريترية التي تتمتع بموقع استراتيجي بالقرب من البوابة الجنوبية للبحر الأحمر كميناء للاتصال.

وبالرغم من تراجع حوادث القرصنة اليوم، لكنها لا تزال موجودة؛ ففي عام 2021، استهدف القراصنة ناقلات النفط الإيرانية مرتين أثناء الإبحار في خليج عدن، وفي منتصف أغسطس/آب وأوائل سبتمبر/أيلول 2022، أبلغت سفينتان تجاريتان إيرانيتان عن نهج غير آمن من قبل عدة زوارق صغيرة مجهولة الهوية مع أطقم مسلحة بشكل واضح بالقرب من باب المندب. في كلتا المناسبتين، أحبط أسطول بحري للبحرية الإيرانية بقيادة الفرقاطة "جرمان 67" محاولات الاستيلاء.

ويؤكد المقال أنه بالرغم من أن طهران تواصل تأطير وجودها البحري في المنطقة ضمن مسعى مكافحة القرصنة، فإن خصومها يرونه ذريعة للحفاظ على وجودها التكتيكي في حوض مياه البحر الأحمر وخليج عدن.

وحددت عمليات مكافحة التهريب التي تقوم بها أساطيل الدول الساحلية وغير الساحلية في بحر العرب نمطًا منتظمًا يشير إلى تورط إيران في تهريب المساعدات القاتلة للمتمردين الحوثيين. ومعظم المراكب الشراعية المضبوطة التي تحمل أسلحة مهربة للحوثيين هي سفن صيد عديمة الجنسية مع طاقم يمني، يتم اعتراضها أثناء الإبحار على طريق بحري يمني إيراني يستخدم تاريخياً لتهريب البضائع غير المشروعة وتعد الموانئ الصومالية واليمنية نقاطا ساخنة لشبكات التهريب البحري.

العوامل الأيديولوجية

نظرًا للدور الحاسم للعوامل الأيديولوجية والدينية في توجيه السياسة الخارجية لإيران، فليس من المستغرب أن تلجأ الجمهورية الإسلامية إلى مجموعة من الخطابات التي تجمع بين ادعاءات الإسلام السياسي الشيعي المناهض للإمبريالية، والثورية؛ لتشكيل سياسة التواصل الخاصة بها في القرن الأفريقي.

ومع ذلك، يشير الكاتب إلى أن إيران كافحت لتحقيق اختراقات أيديولوجية في المنطقة لأن الدول الساحلية بأغلبية ساحقة من السنة. وأعادت توجيه استراتيجيتها الإقليمية نحو نهج قلل جزئيًا من أهمية الأمثلة الأيديولوجية الدينية وفضل بدلاً من ذلك الاعتبارات البراجماتية والتكتيكية.

ويضيف مازوكو، أن إيران المعزولة دبلوماسياً والمثقلة بالعقوبات الشديدة، حاولت الاستفادة من نقاط ضعفها لكسب تعاطف المنبوذين في منطقة القرن الأفريقي منذ فترة طويلة وحشدهم حول جوهر المصالح المشتركة، وكان السودان وإريتريا اللذان طالما خضعا لعقوبات غربية واسعة النطاق، أفضل المرشحين.

ويلفت إلى حقيقة الماضي المتقلب للدول الثلاث مع الولايات المتحدة، ما جعل علاقات طهران بالخرطوم وأسمرة تزدهر بسرعة.

ومع ذلك، يقر المقال بأن هذه الشراكات الاستراتيجية لم تقاوم اختبار الزمن نتيجة لاهتمام إيران المترنح بالقرن الأفريقي خلال فترة الرئاسة التي قادها "روحاني" وتكثيف النشاط الدبلوماسي في المنطقة من قبل خصوم إيرانيين، حيث عادت علاقة طهران بالخرطوم وأسمرة إلى دوامة الانحدار.

وبشكل أكثر تفصيلا يؤكد المقال أن العلاقات بين إيران والسودان تدهورت في أعقاب اقتحام السفارة السعودية في طهران عام 2016. وحتى شهر العسل بين إيران وإريتريا لم يدم طويلاً، ففي عام 2015، قطعت أسمرة علاقاتها مع طهران وانضمت إلى التحالف الذي تقوده السعودية ضد المتمردين الحوثيين.

ويشير مازوكو هنا إلى أنه مع هذا التحول الجذري في علاقات الخرطوم وأسمرة مع طهران، مال ميزان القوى في البحر الأحمر لصالح المعسكر المعادي لإيران. كما تم إطلاق مجلس البحر الأحمر، وهي مبادرة متعددة الأطراف بقيادة السعودية تعيد تجميع جميع البلدان المطلة على البحر الأحمر (باستثناء إسرائيل) بهدف تسهيل التعاون الأمني.

وبعد عام، في يناير/كانون الثاني 2021، مهد السودان الطريق للتطبيع الكامل للعلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل من خلال الانضمام إلى "اتفاقيات إبراهيم"، كما سلطت الزيارة الأخيرة التي قام بها وزير الخارجية الإسرائيلي إيلي كوهين لرئيس مجلس السيادة السوداني الجنرال عبدالفتاح البرهان، الضوء على نقطة تحول في العلاقة بين إسرائيل والسودان.

باختصار، لم تتمكن إيران من تحقيق نتائج دائمة وذات مغزى، حتى شراكاتها مع السودان وإريتريا التي بدت كأنها تعد بثمار مهمة، أثبتت أنها زواج مصلحة مؤقت وليس تحالفًا استراتيجيًا قويًا.

ما يحمله المستقبل

يقف الكاتب هنا على أمر مهم، وهو أن القرن الأفريقي يمتاز بأنه مشهد سياسي سريع التطور حيث لا يزال من الممكن أن يتحول أعداء اليوم إلى شركاء الغد. في غضون ذلك، ستسعى طهران إلى الاستفادة من الاحتكاكات الأساسية في المنطقة للعثور على بعض نقاط للدخول والاحتفاظ ببعض التأثير على تطوراتها الجيوسياسية.

وستركز أنشطة إيران في القرن الأفريقي على منع تحول البحر الأحمر وخليج عدن إلى "بحيرة معادية لإيران". وقد يدفع النفوذ المالي المحدود، وتكثيف الاحتجاجات المحلية، وتجديد التوترات على طول الحدود الإيرانية من القوقاز إلى أفغانستان، طهران إلى تحويل الطاقات والموارد مؤقتًا من أجندتها الخاصة بالقرن الأفريقي إلى مخاوف أكثر إلحاحًا.

ومع ذلك، يرى الكاتب أن إيران لن تتخلى عن المنطقة التي ترى أن اتخاذ موطئ قدم فيها أمر محوري لبقائها ومقاومتها، ومن غير المرجح أن يسقط القرن الأفريقي تمامًا عن شاشة رادار طهران.

المصدر | ليوناردو جاكوبو ماريا مازوكو | منتدى الخليج الدولي - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

إيران القرن الأفريقي الحوثيين اسرائيل البحر الأحمر

رسالة إلى إيران.. أمريكا وإسرائيل تبدءان مناورات بالبحر الأحمر

البحرية الإيرانية: لدينا مصالح بالبحر الأحمر ونتواجد في المتوسط