كارنيجي: التقارب السعودي الإيراني يمثل تحولا جيوسياسيا مهما بالشرق الأوسط  

الأربعاء 15 مارس 2023 09:59 م

اعتبرت مها يحيَ مديرة مركز مالكوم كير، فرع مؤسسة كارنيجي للسلام بالشرق الأوسط، أن خطوة استعادة إيران والسعودية علاقاتهما الدبلوماسية بعد قطيعة استمرت 7 سنوات، تمثل تحولا جيوسياسيا مهما بالشرق الأوسط يصب فى مصلحة طهران والرياض. 

وقالت الباحثة في تحليل نشره موقع مركز كارنيجي للشرق الأوسط، إن الاتفاق انطوى على مفاجأتَين هما أولًا الوساطة الصينية في إبرامه، وثانيًا توقيته في هذه المرحلة بالذات. 

وأشارت إلي هذه هي المرة الأولى التي تتدخّل فيها بكين بهذه القوة في دبلوماسية الشرق الأوسط، وتزامن ذلك مع مساعٍ أمريكية لزيادة الضغوط على إيران من خلال توسّطها بين السعودية وإسرائيل؛ تمهيدًا لإقامة علاقات دبلوماسية بينهما.

ولفتت إلي أنه من ناحية السعودية يبدو جليا أن الاتفاق سوف يفتح باب التفاوض من أجل التوصّل إلى تسويات عدة في أماكن تحتّل أهمية جوهرية للأمن القومي السعودي، وأبرزها اليمن. 

وأوضحت أن الاتفاق عزز كذلك، العلاقات السعودية مع الصين، الشريكة التجارية الأكبر للمملكة، من خلال منحها انتصارًا دبلوماسيًا. 

واستشهدت بتجاوز التجارة السعودية مع الصين خلال العقد الماضي حجم تجارتها المشتركة مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، ما ساهم في توطيد علاقات بكين  مع دول المنطقة بشكل عام، ولا سيما بعد الزيارة الناجحة التي أجراها الرئيس الصيني شي جين بينج إلى المملكة في ديسمبر /كانون الأول 2022.

إضافةً إلى ذلك، يُفسح هذا الاتفاق المجال أمام تنويع الشراكات الأمنية والاقتصادية السعودية، فيما ينتقل العالم ببطء نحو حقبة ما بعد المواد الهيدروكربونية. 

في غضون ذلك، تفيد تقارير بأن الصين تساعد المملكة على بناء مصنع للصواريخ وتوسيع قدراتها العسكرية. 

ومن شأن تخفيض حدّة التوترات في المنطقة أن يسمح للسعودية بالتركيز على سياساتها المحلية وتنفيذ رؤيتها للعام 2030، بهدف التحوّل إلى مركز مالي واقتصادي وسياحي إقليمي ودولي، وتنفيذ تغييرات اجتماعية واقتصادية أساسية على المستوى المحلي.

على صعيد آخر، كشفت تقارير عن سعي الولايات المتحدة في الآونة الأخيرة إلى تسهيل إبرام اتفاق بين السعودية وإسرائيل لإقامة علاقات دبلوماسية بينهما. 

ومن ضمن الشروط التي تطلبها المملكة حصولها على ضمانات أمنية أمريكية، ومساعدتها في تطوير برنامج نووي مدني، وتخفيف القيود المفروضة على مبيعات الأسلحة الأمريكية إلى السعودية. 

وفي مؤتمر ميونخ الأمني الأخير، ربط وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان فشل الاتفاق النووي مع إيران برغبة المملكة في بناء برنامجها النووي الخاص. 

يُشار أيضًا إلى أن التقارب السعودي الإيراني يُحصّن الرياض من التداعيات الإقليمية الناجمة عن أي هجوم قد تشنّه إسرائيل على المنشآت النووية الإيرانية.

توقيت مثالي لإيراني

وذكرت الباحثة أن الاتفاق جاء فى توقيت مثالي بالنسبة لإيران إذ إنها ترحّب حتمًا بتهدئة وتائر التوتر في خضم الأزمات التي تعصف بها، بدءًا من تدهور أوضاعها الاقتصادية. 

مرورًا بالضغوط الدولية المتنامية التي تثقل كاهلها، خصوصًا بعد فشل محادثات إعادة إحياء الاتفاق النووي والتقدّم الذي تحرزه في تخصيب اليورانيوم. 

ووصولًا إلى الاحتجاجات التي عمّت البلاد طوال أشهر. إذًا، لم يكن مستغربًا أن يسجّل الريال الإيراني ارتفاعًا قاربت نسبته 21 في المئة عَقِب الإعلان عن المصالحة مع السعودية. 

كذلك، نقترب من مرحلة ستُستأنف خلالها رحلات أداء مناسك الحج، بمشاركة إيرانية أكبر هذا العام. 

يُشار إلى أن الإيرانيين نسبوا الفضل إلى الصين في تحقيق هذا الانتصار الدبلوماسي في إطار مساعيهم الأوسع الرامية إلى إضعاف النفوذ الأميركي في المنطقة، ولا سيما أن بيجينغ تساعد طهران أيضًا في الالتفاف على العقوبات الاقتصادية الأمريكية.

مخاوف أمريكية وإسرائيلية

لا شكّ أن هذا التقارب أثار توجّسًا كبيرًا في الأوساط الأمريكية والإسرائيلية، على الرغم من تصريحات واشنطن المُرحِّبة به. 

في الواقع، وجّه الدور الصيني في هذا الاتفاق صفعةً لإدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، وقوّض مساعي إسرائيل الهادفة إلى إقامة تحالف إقليمي ضد إيران. 

ويتّسم ذلك بأهمية خاصة على ضوء هدف إسرائيل المعلَن بتوقيع اتفاقية سلام مع المملكة، على الرغم من التصريحات الواضحة الصادرة عن وزير الخارجية السعودي ومفادها أن هذا الأمر لن يحدث من دون التوصّل إلى حلٍّ في فلسطين، استنادًا إلى مبادرة السلام العربية التي أطلقتها المملكة عام 2002. 

يُشار إلى أن إسرائيل تنسّق عن كثب مع الولايات المتحدة بهدف التصدّي إلى إيران التي توشك على تطوير أسلحة نووية، حتى إن الجانبَين أجريا مؤخرًا تدريبات عسكرية مشتركة لهذه الغاية.

تحول جيوسياسي

إذًا، تمكّنت الصين من تحقيق إنجاز دبلوماسي كبير في الشرق الأوسط وسط حالة الجمود التي تهيمن على المنطقة، ونجحت في فرض نفسها كقوةً مؤثّرة على الساحة الدولية، وأظهرت أنها لن تتوانى عن التدخل سياسيًا حين تُملي مصالحها الاستراتيجية ذلك، وخفّفَت من وطأة الضغوط الممارَسة على حليفتها إيران.  

مع ذلك، لا يزال من غير الواضح ما إذا كانت بكين ستقدّم أي ضمانات في حال أقدم أحد الجانبَين على خرق بنود الاتفاق، ولا سيما البند الذي تعهّدت إيران بموجبه باحترام سيادة الدول العربية ووقف التدخل في شؤونها الداخلية. 

لكن، ونظرًا إلى انتشار وكلاء طهران في كلٍّ من العراق وسورية واليمن ولبنان، يُعدّ التدخل الإيراني في هذه الدول أمرًا واقعًا. لذا، يبدو أن الضمانة الوحيدة هي ربما عدم رغبة أيٍّ من الجانبَين في إثارة حفيظة الصين عند هذا المنعطف الدقيق.

أما السؤال الثاني الذي يطرح نفسه فهو ما إذا سيؤدّي التقارب السعودي الإيراني إلى إبرام اتفاقات أخرى هدفها خفض التصعيد في المنطقة. 

فعلى وقع المفاوضات الدائرة بين السعوديين والحوثيين، هل يفضي الاتفاق الحالي إلى محادثات مباشرة بين المملكة والقوى غير الحكومية الموالية لإيران، مثل "حزب الله" في لبنان، كما ألمحت بعض التقارير الصحفية؟ وكيف سيؤثّر التقارب السعودي الإيراني على المفاوضات بشأن البرنامج النووي؟ وكيف سينعكس كل ذلك على الملف اللبناني؟ هل سيساعد الاتفاق في انتخاب رئيس للجمهورية ينال رضى إيران، أم سيتوصّل الجانبان السعودي والإيراني إلى تسوية ما في هذه المسألة؟

وماذا إذن عن الشأن السوري؟ هل ستُدعى دمشق إلى حضور القمة العربية التي تستضيفها الرياض هذا العام؟ وهل من المتوقّع أن يجري فيصل بن فرحان زيارة إلى دمشق قريبًا، ما ينهي فعليًا عزلة سورية الإقليمية؟ وضمن أي شروط قد يحدث ذلك؟

وخلصت الباحثة إلي أن الاتفاق السعودي الإيراني لا يشير فحسب إلى تراجع النفوذ الأمريكي في الشرق الأوسط، بل ينبئ أيضًا بحدوث تحوّل كبير في الأوضاع الجيوسياسية الإقليمية، ويجسّد حالة الإعياء السائدة في المنطقة من النزاعات التي تمزّقها، ورغبة القوى الإقليمية في تولّي دفة القيادة من أجل رسم معالم مستقبل الشرق الأوسط. إلامَ ستؤول كل هذه المساعي؟ لا بدّ من الانتظار لمعرفة ذلك، ولكن للمرة الأولى منذ سنوات طويلة يبدو أن المستجدات الإقليمية تحمل بشائر تغيير ما.


 

المصدر | الخليج الجديد+كارنيجي

  كلمات مفتاحية

الاتفاق السعودية الإيراني تحول جيوسياسي الشرق الأوسط

كاتب تركي: كيف يمكن لأنقرة تحويل التطبيع السعودي الإيراني إلى مكسب؟

فورين بوليسي: 4 نقاط رئيسية يمكن استخلاصها من الصفقة السعودية الإيرانية

جيوبوليتيكال فيوتشرز: لهذه الأسباب.. التطبيع السعودي الإيراني مقامرة لن تدوم