حصاد الطائفية والفساد.. العراق "ديكتاتورية بدون ديكتاتور" بعد 20 عاما من الغزو الأمريكي

الأربعاء 22 مارس 2023 03:26 م

ناقش الباحث في شؤون العراق وإيران، مصعب الألوسي، حالة العراق بعد 20 عامًا من الغزو الأمريكي والإطاحة بنظام الرئيس الراحل، صدام حسين، مشيرا إلى أن حالة البلاد أصبحت "ديكتاتورية بدون ديكتاتور".

وذكر الألوسي، في تحليل نشره موقع منتدى الخليج الدولي وترجمه "الخليج الجديد"، أن العراق ابتلي بالفساد والطائفية والنخب السياسية التي تعطي الأولوية لمصالحها الخاصة على حساب مصالح الشعب، سواء كانت سنية أو شيعية أو كردية.

وأكد الألوسي أن العراق، بعد 20 عاما من الغزو الأمريكي أصبح من أكثر دول العالم فسادا، مشيرا إلى أن الميليشيات لديها قوة أكبر من قوات أمن الدولة، وأن الخدمات العامة تدهورت إلى مستويات مروعة، ما أدى إلى مظاهرات واسعة النطاق ضد الحكومة والشعور بالضيق العام بين الشباب العاطلين عن العمل.

وأضاف أنه على الرغم من المفاهيم الفيدرالية المنصوص عليها في الدستور، لا توجد خطة قومية حقيقية لإصلاح عابر للطوائف، إذ كان الانتقال من الدكتاتورية إلى الديمقراطية صعبًا ومراوغًا في العراق.

التشدد السني

وفي الوقت الذي تجهز فيه العراق للاحتفال بأول انتخابات بعد عقود من الديكتاتورية، رفضت النخبة السنية المشاركة، وشرعت في حملة عنيفة لقلب الوضع الراهن الجديد، ودعت هيئة علماء المسلمين (أكثر الكيانات السياسية السنية شعبية) إلى مقاطعة انتخابات 2005، ووصفتها بأنها غير شرعية.

وبعد ذلك، نصب المسلحون السنة حواجز على الطرق ونقاط تفتيش عاقبت بوحشية أولئك الذين صوتوا في الانتخابات، ما اعتبره الكثير من السنة مقاومة مشروعة ضد عملية انتخابية أجريت في ظل الاحتلال الأجنبي.

 كان ذلك في الواقع "منظورًا طائفيًا وعسكريًا ضيقًا لا يعتبر الدعم الكردي أو الشيعي للنموذج السياسي الجديد" حسبما يرى الألوسي، مشيرا إلى أن وجهة نظر السنة المتشددة، التي انعكست في قرار مقاطعة انتخابات 2005، عكست العديد من الأيديولوجيات المتباينة، والتي تراوحت من القومية البسيطة إلى الإسلاموية الإرهابية، حسب تعبيره.

 ووصف الألوسي هذا التباين بأنه "كان زواجًا غريبًا"، مشيرا إلى أن بعض أن البعثيين السابقين ومقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية شاركوا المتشددين السنة نفس الموقف.

ولم تحرف المقاومة السنية روح الأمة القومية في العراق فحسب، بل أصبحت أيضًا "سلاحًا مأجورًا لسوريا وإيران لإحباط الجهود التي تقودها الولايات المتحدة لبناء نظام سياسي مستقر في العراق، وكل ذلك باسم إخراج قوات الاحتلال الأمريكية من البلاد"، بحسب الألوسي.

وبعد إجراء الانتخابات دون إدراج الأصوات السنية، تلاشى ما يسمى بالمقاومة ببطء وتم دمج النخبة السنية في النظام السياسي.

ومع ذلك، كان نبذ هذه النخبة المبكر للديمقراطية الشاملة بمثابة مقدمة للمصالح قصيرة النظر التي هيمنت على النخبة السياسة العراقية منذ الأيام الأولى للتجربة الديمقراطية في البلاد.

ومن المفارقات في هذا الصدد أن السياسيين السنة فشلوا حتى في معالجة قضية الملايين من السنة النازحين داخليًا، الذين فقدوا منازلهم وسبل عيشهم بسبب تنظيم الدولة الإسلامية.

 كما أنهم فشلوا في تقديم أولئك الذين قتلوا 12000 سني إلى العدالة، والذين تم اختطافهم خلال الصراع ضد الجماعة الإرهابية، وبدلاً من ذلك، ركزوا طاقاتهم في المعركة المتكررة للمطالبة "بتمثيل" للحصول على الحصة السنية بالحكومة من خلال الفساد.

 واعتبر الألوسي أن السياسيين والمسؤولين السنة "يهتمون بالفوز بالانتخابات أكثر من تلبية احتياجات ناخبيهم".

القضية الكردية

ورغم أن الأحزاب السياسية الكردية في عراق ما بعد الغزو الأمريكي تروي قصة مختلفة، فقد أفسدت أيضًا آمال أكراد العراق في تحقيق مصلحتهم المالية والسياسية، بحسب تقدير الألوسي.

فالتطلع الكردي للانفصال عن العراق قديم قدم الدولة العراقية نفسها، ومن منظور كردي فقد قدم غزو 2003 وإسقاط حزب البعث فرصة ذهبية لتحقيق هذا الحلم.

لكن تكريس المفاهيم الفيدرالية للحكومة المنقسمة في دستور الدولة، والاعتراف رسميًا بحكومة إقليم كردستان، وانخراط حكومة إقليم كردستان في الحصول على حصة من الميزانية الوطنية أضعف القضية الكردية.

كما أن القيادة الكردية أساءت استخدام التطلعات إلى الاستقلال كوسيلة للشرعية، وأصبحت المصدر الرئيسي لمعاناة الأكراد من خلال الفساد المستشري.

وهنا يشير الألوسي إلى أن أكبر حزبين كرديين: الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني، أسسا بالمحسوبية "نظام حكم بيروقراطي ضعيف".

ورغم الاحتجاجات الواسعة في المقاطعات التي تديرها حكومة إقليم كردستان في 2011 و2017 و2020، استمر الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني في لعب لعبتهما السياسية الفاسدة.

وللتغطية على أفعالهما، بدأ الحزبان في استهداف الصحفيين الذين كانوا يفضحون انتهاكاتهما، وتلقى العديد من المراسلين في كردستان تهديدات وتعرضوا للتعذيب ومضايقات من قبل قوات حكومة إقليم كردستان في عام 2021.

النخبة الشيعية

وعلى الجانب الشيعين، بررت النخبة ممارساتها عبر الاستشهاد بالإرث الوحشي لحزب البعث، وبعد 20 عامًا من سقوط صدام حسين، حشد السياسيون والقادة الشيعة أتباعهم واستمروا في العنف ضد "الآخر" في المجتمع العراقي، من خلال تذكر وحشية الزعيم السابق وتعزيز الشعور بالمظلومية لدى الشيعة.

ويرى الألوسي أن معظم السياسيين الشيعة لم يدركوا أن معظم الشباب العراقي قد ولدوا بعد عام 2003، ولم يتذوقوا أبدًا طغيان الديكتاتور السابق، ورغم حديثهم المستمر عن رفع مستوى المضطهدين والمهمشين، إلا أن أحزابهم ومليشياتهم جعلتهم هم والجناة السابقين سواء بسواء. فقد قُتل المتظاهرين في 2019 على يد مليشيات شيعية، واستُهداف الصحفيين والنشطاء السياسيين على حد سواء حال دون فضح ممارساتهم الخاطئة.

بالإضافة إلى ذلك، تحث الميليشيات باستمرار الشباب الشيعة على القتال من أجل قضايا غير مقدسة، وأصبح بعض الشيعة الشباب وقودا للدفاع عن نظام بشار الأسد في سوريا، ولا يزالون جزءًا من استراتيجية إيران لممارسة نفوذها في العراق.

لكن هل كانت التطورات في العراق ستتغير لو كانت الولايات المتحدة صممت نظامًا سياسيًا مختلفًا في البلاد؟ يجيب الألوسي بأن النقد الموجه إلى الاحتلال الأمريكي وإدارته للعراق مبرر، لكن "من المشكوك فيه أن العراق كان سيتحول إلى ديمقراطية ليبرالية إذا تم اتباع سياسات أخرى في واشنطن".

وأوضح أن معظم الأحزاب السياسية العراقية، إن لم يكن كلها، تفتقر إلى خطة قومية شاملة لإصلاح البلد، وتنشئة أتباع عابرين للطائفية.

ويخلص تحليل الألوسي إلى أن الانتقال السلس من الدكتاتورية إلى الديمقراطية لا يحدث إلا نادرا، والعراق ليس استثناءً من هذا الاتجاه، مشيرا إلى أن التنازلات الصعبة المطلوبة لتحقيق الاستقرار والشفافية والتمثيل الحقيقي للشعب لا تزال بعيدة المنال.

المصدر | منتدى الخليج الدولي - ترجمة وتحرير: الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

العراق صدام حسين الطائفية الفساد ديكتاتورية

ميدل إيست مونيتور: غزو العراق أضر أمريكا وخدم إيران وأنعش روسيا وأنهك الشرق الأوسط

20 عاما على غزو العراق.. ثمن باهظ لتضليل الساسة والاستخبارات

المحاصصة أبرز أسبابها.. هذه هي آليات عمل منظومة الفساد بالعراق

20 عاما على الغزو الأمريكي.. "رباعية" يحتاجها العراق للعودة

طارق الهاشمي لـ"الخليج الجديد": العراق بحاجة لنظام ليس كالحالي ولا السابق (1/2)

بعد تضخم ثروته.. استدعاء السفير العراقي في تركيا