رغم دعوته لتحرير الفكر.. قيس سعيد يصادر كتابا ينتقد حكمه وناشطون غاضبون

السبت 29 أبريل 2023 01:59 م

أثار مصادرة السلطات التونسية الجمعة كتابا ينتقد الرئيس قيس سعيّد، وإغلاق جناح دار النشر في معرض دولي للكتاب، غضبا واسعا بين النخبة التونسية والناشطين، منددين بهذه الخطوة رغم تأكيد سعيّد على أهميّة "تحرير الفكر".

ولم يحلّق كتاب الروائي كمال الرياحي بجناحيه في معرض تونس الدولي للكتاب، بعد قرار منعه وغلق جناح موزعه "دار الكتاب" من قِبل لجنة التنظيم، بدعوى أن الناشر لم يُدرجه بقائمة الكتب المصرح بها للنشر.

وصنع قرار منع الكتاب "فرانكنشتاين تونس" توجسا ومخاوف من عودة سياسة الرقابة والتضييق، رغم أن سعيّد حث، قبل هذا المنع بسويعات، التونسيين على المطالعة خلال افتتاح المعرض تحت شعار "لنحلق بأجنحة الكتاب".

ونقلت وسائل إعلام محلية مقطع فيديو لسعيّد خلال افتتاح المعرض يقول فيه "المهم هو تحرير الفكر، لأنه لا يمكن أن نحقق أي شيئ في ظل فكر جامد".

والكتاب الذي صدر الإثنين الماضي، يطرح معادلة تتعلق بالشعب وصعود الرؤساء الذين تداولوا على حكم البلاد بداية بالرئيس الراحل الحبيب بورقيبة، ومرورا بالرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، ووصولا إلى سعيّد الذي يحكم بالمراسيم منذ نحو عامين.

وكتاب "فرانكنشتاين تونس" ليس رواية، فقد اختار الرياحي أن يكتب مباشرة كتابا فكريا في السياسة في شكل مقالات تنتقد الوضع في 256 صفحة.

ويحاكي الكاتب أحداثا واقعية في تونس بلده الأم، وهو في غربته حيث يعمل أستاذا في الأدب العربي بجامعة تورنتو في كندا.

وتبرز صورة غلاف الكتاب دمجا واضحا بين شخصية "فرانكنشتاين" الذي استوحى منه الرياحي كتابه ونزّله على الواقع التونسي وملامح سعيّد.

وفرانكنشتاين هو الشخصية الأدبية الرئيسية في رواية تحمل نفس الاسم للكاتبة البريطانية ماري شيلي.

وطبعت دار النشر 100 نسخة من الكتاب، تمت مصادرة 20 منها فيما بيعت البقية.

وقالت رئيسة لجنة تنظيم المعرض زهية جويرو، في تصريح إعلامي إن غلق دار الكتاب للنشر تم على خلفية تجاوز ارتكبته في معرض الكتاب، حيث لم تدرجه في قائمة الكتب المصرح بها للنشر أمام العموم، وأكدت أن صاحب دار النشر تعمد إخفاء الكتاب ضمن رفوف الكتب.

واتهمت صاحبَ دار النشر بارتكاب تجاوز بهدف إحداث دعاية مجانية للكتاب لغايات تجارية ربحية، موضحة أن الغلق طُبّق من أجل إجراء جرد للكتب بجناح "دار الكتاب" للتثبت، فيما إذا كانت هناك عناوين أخرى تخترق القانون وغير موجودة على لائحة الكتب المسجلة للعرض.

لكن مدير دار الكتاب للنشر حبيب الزغبي، قال في تصريح إعلامي، إن مصادرة كتاب "فرانكنشتاين تونس" وغلق جناح "دار الكتاب" يوم افتتاح المعرض "قرار شخصي" من وزيرة الثقافة بحجة حيازة كتاب غير مصرح به، مؤكدا أن هذا القرار ينتهك النظام الداخلي للمعرض وقانونه.

وقال إن تبرير مصادرة الكتاب ارتكز على أنه لم يكن ضمن القائمة الرسمية للكتب التي عرضتها "دار الكتاب" في المعرض، في حين أن العادة جرت بأن يضيف الناشرون كتبا أخرى أحيانا تتأخر طباعتها لأسباب خارجة عن نطاق دار النشر ويتعلق بعضها بضغط العمل في المطابع.

وأكد أن "دار الكتاب" للنشر قدمت قائمة تكميلية لإدارة المعرض فيها 5 عناوين بينها كتاب "فرانكنشتاين تونس" محاولة منها لتفادي أي طارئ، لكن رئيسة لجنة تنظيم المعرض أصرت على المنع والغلق ورفضت التراجع مع أن الكتاب "لا يمس بأي شكل من الأشكال الأمن القومي".

وأظهر مقطع فيديو نشرته "دار الكتاب" صورا للجناح المغلق، وكتب عليه "هذا الجناح مغلق بقرار تعسفي".

لكن الروائي كمال الرياحي قال، إن منع الكتاب وغلق دار نشر برمتها في معرض للكتاب تعد "جريمة تاريخية"، مؤكدا أن هذا التضييق سبقه تحريض لأنصار سعيّد عبر تدوينات بمنصات التواصل، تدعو لمصادرة الكتاب واعتقال صاحبه لأنه معارض للرئيس.

وأضاف: "لقد فهموا أنصار سعيد أن الكتاب ضد انقلابه وهذه حقيقة لا أنكرها"، وتابع أنه اختار أن يبتعد عن كتابة الرواية هذه المرة واعتماد أسلوب المقال ليتحدث عن قضية الدكتاتورية الجديدة في تونس وتدهور وضع الحريات التي يزعم النظام أنها مكفولة في دستوره.

وأردف: "كان لا بد أن يكون هناك اختبار حقيقي لهذه الحريات التي يزعم أنها لم تمس بعد انقلابه في 25 يوليو/تموز 2021.. للأسف نحن نؤكد تركيز هذه الدكتاتورية".

وتابع أن لجنة تنظيم المعرض متكونة من جامعيين قرروا المنع وهذه فضيحة في تاريخ الجامعة التونسية.

واعتبر الرياحي أن كتابه يتناول الوضع السياسي وواقع الحريات في فترة حكم سعيّد، لكنه يعود أيضا في جزء منه لقبل مرحلة سعيّد"، مبينا أن كتابه جاء في شكل مقالات تتابع الأحداث إلى غاية "ميلاد الوحش"، الذي يأكل "الثورة التونسية".

والرياحي (49 عاما) كاتب وروائي وصحافي تونسي يدرّس الكتابة الابداعية في جامعة بكندا، وصدر له 15 مؤلفا بين كتب نقدية وروايات من بينها "المشرط" في العام 2006 و"الغوريلا" في العام 2011.

وردا على قرار غلق دار الكتاب ومصادرة إصدارها، أغلق الناشرون التونسيون أجنحتهم في حركة احتجاجية غير مسبوقة مسدلين الستائر على أروقتهم، كما يخطط الناشرون التونسيون لدعوة الناشرين الأجانب للتضامن معهم وغلق المعرض في تصعيد قد ينسف جهود إحياء المعرض.

وأثار إغلاق الدار ومصادر الكتاب، نوع من الغضب بين الناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي، الذين أعلنوا تضامنهم مع الدار.

كما انتقد البعض مواصلة سعيّد إجراءاته التعسفية ضد أي من منتقديه أو معارضي قراراته.

وتعرّض نجاح تونس باعتبارها الديمقراطية الوحيدة التي خرجت من الربيع العربي 2011 للخطر، بسبب القمع الاستبدادي من قبل رئيسها الحالي قيس سعيد.

وبدأ سعيد منذ 25 يوليو/تموز 2021 إجراءات استثنائية، أبرزها، حل مجلس القضاء والبرلمان وإصدار تشريعات بأوامر رئاسية، وإقرار دستور جديد عبر استفتاء وإجراء انتخابات تشريعية مبكرة قاطعتها المعارضة.

ومنذ 11 فبراير/شباط الماضي، نفذت السلطات حملة توقيفات شملت قادة وناشطين يعتبرون الإجراءات الاستثنائية "انقلابا على دستور الثورة (2014) وتكريسا لحكم فردي مطلق"، بينما يراها فريق آخر "تصحيحا لمسار ثورة 2011"، التي أطاحت بالرئيس آنذاك زين العابدين بن علي (1987-2011).

وعادة ما تنفي قوى المعارضة صحة الاتهامات الموجهة إلى قادتها وتعتبرها ملاحقات سياسية، بينما اتهم سعيد موقوفين بـ"التآمر على أمن الدولة والوقوف وراء أزمات توزيع السلع وارتفاع الأسعار".

ويتجاهل سعيد الذي بدأ في 2019 فترة رئاسية تستمر 5 سنوات، دعوات المعارضة إلى إجراء انتخابات رئاسية مبكرة، وقال إن إجراءاته "ضرورية وقانونية" لإنقاذ الدولة "من انهيار شامل".

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

تونس قيس سعيد معرض الكتاب كمال الرياحي انقلاب تونس حرية التعبير