صفقة البحر الأحمر.. تفاصيل مفاوضات التطبيع والتحالف العسكري بين أمريكا والسعودية وإسرائيل

الأربعاء 10 مايو 2023 07:39 م

سلط الكاتب الإسرائيلي، باراك رافيد، الضوء على المفاوضات والاتفاقيات التي جرت بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية وإسرائيل بين مايو / أيار وأيلول/سبتمبر 2021، خلال عهد الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، لتطبيع العلاقات بينهما، وتأسيس تحالف دفاعي للشرق الأوسط بإشراف القيادة المركزية للجيش الأمريكي.

 جاء ذلك في كتابه "سلام ترامب.. اتفاقيات إبراهيم وإعادة تشكيل الشرق الأوسط"، الذي نُشر بالعبرية في ديسمبر/كانون الأول 2021 وصدر هذا الأسبوع باللغة الإنجليزية، واستعرض تقرير لصحيفة "جيويش إنسايدر" مقتطفات منه، ترجمها "الخليج الجديد".

وذكر رافيد، في كتابه، أن المفاوضات التي جرت حول جزر البحر الأحمر في 23 مايو/أيار، حظيت باهتمام كبير في كل من الولايات المتحدة والشرق الأوسط، وعندما سئل وزير الخارجية السعودي الأمير، فيصل بن فرحان، عنها خلال المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس بسويسرا لم ينفها، قائلا إن "التطبيع بين دول المنطقة وإسرائيل سيحقق فوائد، لكننا لن نتمكن من جني تلك الفوائد ما لم نتمكن من معالجة قضية فلسطين".

وتداولت وسائل الإعلام أنباء المفاوضات بينما كان بريت ماكغورك وعاموس هوكستين، مساعدا الرئيس الأمريكي، جو بايدن، على وشك السفر إلى السعودية لمواصلة المناقشات حول زيارة بايدن المحتملة، وإنتاج النفط، واتفاق البحر الأحمر، ما أثار الغضب في الرياض.

واستشار مساعدا بايدن مستشار الأمن القومي الإسرائيلي، إيال هولاتا، حول كيفية التخفيف من تداعيات الغضب السعودي، وعندما وصلا إلى الرياض، احتج السعوديون على أن إفشاء المفاوضات السرية.

وينقل رافيد عن مسؤول إسرائيلي كبير (لم يسمه) قوله: "كان نشر القصة مؤلمًا للغاية بالنسبة لهم، ونتيجة لذلك توقفت المفاوضات لبعض الوقت".

كشف سرية التفاوض

لكن الكشف عن المفاوضات أوجد أيضًا فرصة للبيت الأبيض، إذ كان بايدن يحاول صد الانتقادات من داخل الحزب الديمقراطي بشأن رحلته المحتملة آنذاك إلى السعودية، والتي يحتاج إليها من أجل زيادة إنتاج النفط، في محاولة منه لخفض الأسعار قبل انتخابات التجديد النصفي للكونجرس، إضافة إلى الضغط من أجل تمرير مجموعة واسعة من العقوبات على النفط الروسي، وسط الحرب المستمرة في أوكرانيا.

وجادل منتقدو بايدن آنذاك بأن إبرام الرئيس الأمريكي صفقة نفط مع السعوديين سيعطي الشرعية الدولية لولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، وسيمثل نكثا لوعود بايدن الانتخابية بشأن تحميل ولي العهد المسؤولية عن جريمة قتل الصحفي السعودي، جمال خاشقجي.

وخلال زيارتهما إلى السعودية، في أواخر مايو/أيار، توصل ماكغورك وهوكستين إلى اتفاق مع بن سلمان ومساعديه المقربين بشأن زيادة إنتاج النفط، تشمل مرحلته الأولى طلب السعوديون من مجموعة أوبك+زيادة الإنتاج بمقدار 400 ألف برميل يوميًا في يوليو/تموز وأغسطس/آب، بدلاً من سبتمبر/أيلول كما كان مخططًا. وكانت الولايات المتحدة تأمل في أن يكون ذلك كافياً لمنع أسعار النفط من الارتفاع.

ومهدت هذه الخطوة الطريق لزيارة بايدن للسعودية، لكن البيت الأبيض لم يعترف بها على الفور، فبعد يوم واحد، ادعى الرئيس الأمريكي أن الهدف من الزيارة "ليس النفط، بل محاولة لدفع السلام بين إسرائيل والعالم العربي".

ومنذ تلك اللحظة، حاول البيت الأبيض تغيير تأطير الزيارة من النفط إلى السلام العربي الإسرائيلي، جاعلاً احتمالات التقدم في العلاقات بين السعودية وإسرائيل "تحلية لخطوة الرئيس المثيرة للجدل" بحسب تعبير رافيد.

تمنع البيت الأبيض

ولعدة أسابيع، رفض البيت الأبيض تأكيد زيارة بايدن إلى السعودية، ما يشي بالتوتر الذي يعاني منه بايدن بين مقتضيات السياسة الواقعية، في وقت التوترات مع إيران وارتفاع أسعار النفط، وبين رغبته في وضع حقوق الإنسان بمقدمة أولويات السياسة الخارجية للولايات المتحدة.

وفي 14 يونيو/حزيران، أقر البيت الأبيض أخيرًا بأنه من المتوقع أن يلتقي بايدن بن سلمان في السعودية، قبل شهر من إجراء الزيارة، وكانت الخطة أن يقوم الرئيس الأمريكي أيضا بزيارة إسرائيل والأراضي الفلسطينية.

وفي محاولة لتحويل التركيز بعيدًا عن الاجتماع مع بن سلمان، شدد مسؤولو البيت الأبيض على زاوية أخرى، مفادها أن: "الرئيس سيطير مباشرة من إسرائيل إلى السعودية لأول مرة"، وقدموا ذلك على أنه "تقدم نحو التطبيع الإسرائيلي – السعودي".

وكان بايدن آملا آنذاك في أن تكون "صفقة جزر البحر الأحمر"، التي كان يعمل عليها، الخطوة الأولى فيما وصفه مسؤولو البيت الأبيض بـ "خارطة طريق للتطبيع" بين السعودية وإسرائيل.

وصور مساعدو بايدن ذلك على أنه "عملية طويلة الأمد من شأنها أن تتحقق خطوة بخطوة"، وتتعلق بخريطة طريق للتعاون الأمني وتحالف دفاع جوي وصاروخي في الشرق الأوسط، كان رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك، نفتالي بينيت، ومسؤولون إسرائيليون آخرون يدفعون باتجاه تشكيله.

وفي يناير/كانون الثاني 2021، بعد 4 أشهر من توقيع اتفاقات إبراهيم، أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية عن تغيير كبير، وهو نقل إسرائيل من مسؤولية منطقة القيادة الأوروبية إلى مسؤولية القيادة المركزية (CENTCOM)، والتي تشمل الشرق الأوسط.

وفتح الجمع بين هذه الخطوة واتفاقيات التطبيع الباب أمام تعاون أمني غير مسبوق بين إسرائيل والدول العربية في المنطقة.

وفي 30 سبتمبر/أيلول 2021، زار وزير الخارجية الإسرائيلي آنذاك، يائير لبيد، البحرين لقص شريط افتتاح السفارة الإسرائيلية في المنامة، وأخذت الزيارة منعطفًا مثيرًا للاهتمام عندما تلقى لبيد، بالإضافة إلى اجتماعاته مع الملك وولي العهد، دعوة في اللحظة الأخيرة، لزيارة المقر القريب للأسطول الأمريكي الخامس في المنامة.

والأسطول الخامس جزء من القيادة المركزية الأمريكية، وهو المسؤول عن النشاط البحري في الخليج العربي والبحر الأحمر، وخاصة ما يتعلق بإيران.

وفي نهاية زيارته، وقف لبيد أمام كاميرات وسائل الإعلام، إلى جانب نظيره البحريني، عبد اللطيف بن راشد الزياني، وقائد الأسطول الخامس، الأدميرال براد كوبر، أمام سفينة حربية، في رسالة واضحة للنظام في إيران وتحقيق لأحد وعود اتفاقات إبراهيم، وهي "بناء تعاون أمني بين الولايات المتحدة وإسرائيل ودول الخليج"، ما أثار غضب المسؤولين الإيرانيين، الذين نقلوا رسائل تهديد لنظرائهم البحرينيين.

وفي فبراير/شباط 2022، هبطت طائرة تابعة لسلاح الجو الإسرائيلي في المنامة على متنها وزير الجيش آنذاك، بيني جانتس، في زيارة غير مسبوقة، تحمل رسالة أخرى واضحة لإيران.

 ونقل رافيد، في كتابه، عن مسؤول عسكري إسرائيلي رفيع (لم يسمه) قوله: "إن البحرينيين أرادوا أن تكون الزيارة علنية قدر الإمكان".

وبعد لقاء الملك وولي العهد، وقع جانتس اتفاقية تعاون عسكري مع البحرين، وهي ثاني اتفاقية من نوعها مع دولة عربية، بعد اتفاق نوفمبر/تشرين الثاني2021 مع المغرب.

ونقل رافيد عن جانتس قوله: "منذ يونيو/حزيران 2021، تم عقد أكثر من 200 لقاء بين ضباط الجيش الإسرائيلي ومسؤولي الدفاع ونظرائهم في الدول العربية، بعضها كان له علاقات دبلوماسية مع إسرائيل والبعض الآخر لم يكن كذلك".

اجتماع شرم الشيخ

وعُقد أحد هذه الاجتماعات في مارس/آذار 2022 في شرم الشيخ، ودعا خلاله قائد القيادة المركزية الأمريكية المنتهية ولايته، الجنرال، فرانك ماكنزي، رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، الجنرال، أفيف كوخافي، إلى لقاء سري مع نظيره السعودي، قائد القوات الجوية، فياض الرويلي، وقادة جيوش مصر والأردن والإمارات والبحرين وقطر.

وناقش القادة العسكريون توسيع التعاون بشأن التحذيرات من التهديدات التي تمثلها الطائرات المسيرة التي تديرها إيران ووكلائها في المنطقة.

وهنا نقل رافيد عن جانتس قوله: "كان الانتقال إلى القيادة المركزية الأمريكية صفقة كبيرة (..) لقد سمح لنا ببناء هيكل إقليمي تدريجيًا، يميز بين إيران وسوريا ولبنان، وهي الدول التي تصنفها إسرائيل "معادية"، وكل من لديهم نوع من العلاقات الأمنية، العلنية أو السرية، مع الدولة العبرية.

أحد عناصر هذه العلاقات الأمنية تمثل في صفقات السلاح مع إسرائيل، ووفقًا لجانتس، ففي العامين التاليين لتوقيع اتفاقيات إبراهيم، بلغ إجمالي الصادرات العسكرية الإسرائيلية إلى العالم العربي أكثر من 3 مليارات دولار.

وتحدث مسؤولو البيت الأبيض آنذاك عن خطط بايدن لمناقشة رؤية "دفاع صاروخي متكامل ودفاع بحري" بين الولايات المتحدة وإسرائيل والعديد من الدول العربية، بما في ذلك السعودية، يشمل شبكة إقليمية من الرادارات وأجهزة الاستشعار وأنظمة الصواريخ في إسرائيل والسعودية والإمارات والبحرين ومصر والأردن، متصلة بالقيادة المركزية الأمريكية، التي ستكون قادرة على توفير الإنذار المبكر واعتراض الهجمات المحتملة.

يصف الكاتب الإسرائيلي الفكرة بأنها كانت "إبداعية وجريئة"، لكن مع اقتراب زيارة بايدن إلى الشرق الأوسط، أصبح من الواضح أن الظروف السياسية لم تكن ناضجة بعد لدفعها إلى الأمام.

تطبيغ غير مباشر

وقبل أسبوعين من وصول بايدن إلى المنطقة، لم يتم التوصل إلى اتفاق بشأن وضع جزر البحر الأحمر (بينها تيران وصنافير) وموقعها من الترتيبات الدفاعية الإقليمية، وعمل دبلوماسيون ومحامون من الولايات المتحدة وإسرائيل والسعودية ومصر على تحديد تفاصيل الاتفاقيات والتفاهمات والخطابات التي من شأنها أن تسمح بالتوقيع على الاتفاقية قبل زيارة الرئيس الأمريكي. لكن الأمر لم يكن سهلا؛ نظرًا لعدم وجود علاقات دبلوماسية بين السعودية وإسرائيل، وبالتالي لا يمكنهما توقيع اتفاقيات ثنائية رسميًا.

 حاولت الدول المعنية استخدام حلول قانونية ودبلوماسية إبداعية لإتمام الصفقة بشكل غير مباشر، حسبما يروي رافيد، مشيرا إلى أن أحد تلك الحلول المقترحة تمثل في أن توقع السعودية اتفاقية مع مصر ثم ترسل خطابًا إلى الولايات المتحدة يحدد التزامات الأخيرة بصفتها الضامن.

وبعد ذلك، تعطي الولايات المتحدة إسرائيل رسالة تتضمن ضمانات، خاصة فيما يتعلق بمسألة حرية الملاحة.

ونقل رافيد عن مسؤول إسرائيلي كبير (لم يسمه) قوله: "الحيلة هنا هي أن توقع السعودية اتفاقية مع إسرائيل بشكل غير مباشر".

وقبل 10 أيام من زيارة بايدن، اندلعت أزمة في المفاوضات الحساسة، وتباطأ السعوديون ورفضوا تقديم التزامات كتابية، بحسب رواية الكاتب الإسرائيلي، ناقلا عن مسؤول إسرائيلي آخر (لم يسمه): "زعموا أنهم لا يستطيعون فعل ذلك لأن إسرائيل تسرب كل شيء".

وبذلت الولايات المتحدة جهدًا في اللحظة الأخيرة لحل الأزمة، وسافر ماكغورك وهوكستين إلى السعودية قبل أيام قليلة من زيارة بايدن لوضع اللمسات الأخيرة على التفاهمات والاتفاقيات وراء ذلك.

وبعد محادثات مع بن سلمان وشقيقه، خالد بن سلمان، تمكن مساعدا بايدن من إقناع السعوديين بتقديم التزام مكتوب.

المصدر | باراك رافيد/جيويش إنسايدر - ترجمة وتحرير: الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

السعودية أمريكا مصر إسرائيل باراك رافيد سلام ترامب البحر الأحمر

أكسيوس: إدارة بايدن تضغط لإبرام اتفاق تطبيع سعودي إسرائيلي بنهاية العام

التطبيع مع السعودية يتصدر أجندة مدير الخارجية الإسرائيلية في واشنطن

ريسبونسبل ستيتكرافت: لا يجب على واشنطن التوسط بالتطبيع السعودي الإسرائيلي

تحليل: المعاهدة الدفاعية لا تضمن ترقية العلاقات الأمنية بين السعودية والولايات المتحدة

ناشونال إنترست: على أمريكا مقابلة النهج البراجماتي السعودي بالمثل