انقسام اجتماعي ودمار اقتصادي وارتهان سياسي.. الثمن الباهظ لانتصار الأسد

الأربعاء 24 مايو 2023 06:02 م

سلط أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأمريكية في بيروت، "هلال خشان"، الضوء على ما وصفه بـ "الثمن الباهظ" الذي يدفعه السوريون لانتصار رئيس النظام، بشار الأسد، وقبوله عضويته مجددا بجامعة الدول العربية، واتجاه البلدان الإقليمية نحو التطبيع معه.

وذكر خشان، في مقال نشره موقع "جيوبوليتيكال فيوتشرز" وترجمه "الخليج الجديد"، أن أساس نظام الأسد يعود إلى عام 1970، عندما قام وزير الدفاع السوري آنذاك، حافظ الأسد، بانقلاب عسكري، وبعد بضعة أشهر، فاز بالرئاسة في تصويت دون منافس، كأول رئيس للدولة ذات الأغلبية السنية من الطائفة العلوية.

وأضاف أن الأسد تجنب الحديث عن الطائفية بشكل مباشر، مشيرًا بدلاً من ذلك إلى شعارات طنانة مثل القومية العربية والوحدة الوطنية ومعاداة الصهيونية ومقاومة الإمبريالية، وأسس نظامه على قاعدة دعم علوية قوية وشدد الخناق على المعارضة، بما في ذلك النخبة اليسارية العلوية، التي رفضت قبضته المشددة على السلطة، خوفًا من دفع ثمن باهظ مقابل ذلك لاحقًا.

وتحققت مخاوف هذه النخبة عندما خلف حافظ نجله بشار في عام 2000، فقد سحق بعنف الانتفاضة الشعبية في عام 2011، ما أدى إلى حرب أهلية استمرت أكثر من عقد من الزمان. وخفت حدة القتال الآن، وبقي بشار الأسد في السلطة، لكن انتصاره كان له أثر كبير على الشعب السوري.

الجنود العلويون

وبالاعتماد على سوء المعاملة التاريخي الذي عانى منه العلويون، زرع آل الأسد بذور الخوف من الغالبية السنية، لضمان ولاء العلويين، ومنحهم امتيازات لم يحلموا بها قط، ورفّعهم إلى مناصب عليا في الحكومة.

وهنا يشير خشان إلى أن "جمهورية السلالة العلوية لم تقم على حكم القانون بل على نظام طائفي قمعي خطف الدولة وحكمها الأسد بالقوة الغاشمة، إذ رفض الانفتاح على عناصر أخرى من المجتمع السوري، وطالب العلويين بالسيطرة على كل مكونات الدولة، بما في ذلك الأجهزة الأمنية والجيش والقضاء".

وبحلول الوقت الذي توفي فيه عام 2000، أكد حافظ أنه لن تكون هناك معارضة علوية لبشار. وعندما اندلعت انتفاضة سلمية في عام 2011، دعم العلويون حملة بشار الأسد ضد  المتظاهرين، والتي تضمنت استخدام العنف المفرط.

ويلفت خشان إلى أن بشار الأسد، بعد أن أدرك أن الاحتجاجات لن تهدأ، أطلق سراح الأصوليين الإسلاميين من سجونه، وسمح لهم بشكل أساسي باستهداف العلويين في قرى شمال اللاذقية للتأكد من أن الطائفة ستلجأ إليه من أجل الحماية ومنحه ولاءً لا يتزعزع، وربط مصيرها بمصير النظام.

ومع ذلك، بدأ الاستياء من نظام الأسد يتنامى، حتى بين قوات البلاد، ومعظمهم من الشباب العلويين، وأسفر الصراع حتى الآن عن مقتل أكثر من 250 ألف جندي ومفقود ومعوق.

فيما نشأ العديد من الجنود السوريين باعتبارهم ليسوا أكثر من بيادق تستخدم لإبقاء الأسد في السلطة.

وإزاء ذلك، ظهرت الحركة العلوية الحرة، المناهضة للأسد، بعد تحول انتفاضة 2011 إلى حرب أهلية، وتوقعت مستقبلاً مظلمًا للطائفة التي لا تستطيع أن تنأى بنفسها عن الأسد، معتبرة إياه أهون الشرين.

وتظاهر بعض أعضاء الحركة في عام 2011 ضد عائلة الأسد وقمعها القاسي، وفي عام 2013، اجتمع أعضاء المعارضة العلوية في القاهرة للتعبير عن رغبتهم في التعاون مع الانتفاضة المناهضة للنظام.

وفي مدينة اللاذقية الساحلية، معقل للنظام، حاول نشطاء منع الشباب من الالتحاق بصفوف الجيش السوري.

لكن بالنسبة للعديد من العلويين، تجاوزت تكاليف دعم النظام فوائد دعمه، واستنتج خصوم الأسد داخل الطائفة، التي تمثل أقل من 11% من إجمالي سكان سوريا، أن تضحياتهم كانت فقط من أجل إبقاء 4 عائلات علوية لا يزيد عدد أفرادها عن 250 شخصًا في السلطة.

أما عديد العائلات العلوية الأخرى، ففقدت كل أطفالها وتُركت دون معيل أو دعم مالي من النظام.

فقد أظهر بشار الأسد وزوجته القليل من الاحترام للمقاتلين العلويين الذين سقطوا ضحايا الدفاع عن حكومته، وقدموا لعائلاتهم المكلومة ساعات حائط رخيصة أو صناديق من البرتقال كإشادة.

ومع ذلك، فشلت الخسائر الفادحة في فك ارتباط العلويين بنظام الأسد، وهو ما راهنت عليه جماعات المعارضة السورية بشكل خاطئ.

وبينما يعبرون علنًا عن غضبهم من فساد الحكومة في دمشق، يشعر العلويون بالعجز ويعتقدون أن الدول الأجنبية فقط، مثل الولايات المتحدة وروسيا وإيران وتركيا، يمكنها حل النزاع.

تكلفة الحرب

والعلويون ليسوا وحدهم الذين دفعوا ثمناً باهظاً للصراع السوري، فمنذ بداية الحرب وصل عدد القتلى المرتبطين بالنزاع إلى 700 ألف، فيما نزح أكثر من 13 مليون شخص نصفهم خارج سوريا.

وحوالي 2.4 مليون طفل، يمثلون أكثر من ثلث الشباب في سن الدراسة بسوريا، لا يتلقون التعليم، كما أن عددًا مماثلًا من الأطفال اللاجئين السوريين خارج نطاق التعليم أيضًا.

وسيكون الافتقار إلى التعليم كارثيًا على المدى الطويل، حيث سيفتقر ملايين الأطفال إلى المهارات والمعرفة اللازمة للنهوض بالاقتصاد السوري.

كما غيرت الحرب شكل وهيكل الدولة السورية على جميع المستويات، بما في ذلك الاقتصاد، إذ انخفض الناتج المحلي الإجمالي للبلاد من نحو 60 مليار دولار في 2011 إلى 11 مليار دولار اليوم، وانهارت العملة المحلية بعد تراجع سعر الصرف من 50 ليرة سورية مقابل الدولار إلى أكثر من 8550 ليرة اليوم.

ويعيش حوالي 90% من السكان السوريين في حالة فقر، وأكثر من 85% منهم عاطلون عن العمل، ويعاني حوالي 60% منهم من انعدام الأمن الغذائي.

وقضت الحرب على قطاع الزراعة في سوريا، ما أجبر البلاد على الاعتماد على الواردات الغذائية، كما دمرت الصناعة ونصف البنية التحتية للبلاد.

كما غيرت الحرب تكوين سوريا الديموجرافي، وحولت العرب السنة من أغلبية إلى أقلية محرومة.

ومنذ بداية الانتفاضة، فرض المجتمع الدولي، خاصة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، عقوبات اقتصادية على النظام السوري، لكن البلاد كانت في مأزق سياسي منذ نهاية عام 2019، وتوقف القتال تقريبًا، ولا يزال نظام الأسد في السلطة، ولم يتم تحقيق أي حل سياسي.

وبالتالي، تواجه مرحلة إعادة الإعمار في البلاد العديد من العقبات التي قد تؤخرها لسنوات، إذ قد تتجاوز تكلفة إعادة إعمار سوريا 800 مليار دولار، ولن يكون توفيرها ممكناً إلا بجهد دولي، وتحديداً من الولايات المتحدة، التي تملك الوسائل للضغط على اللاعبين المحليين والأجانب.

وهؤلاء الفاعلون الخارجيون لن يتعاملوا مع الأسد، الذي لا يزال في السلطة، ولا تزال العقوبات الدولية سارية ضده، ولم تتم محاسبة مسؤولي نظامه عن انتهاكات حقوق الإنسان.

وليس من المنطقي الحديث عن إعادة الإعمار قبل معالجة الأسباب الجذرية للصراع، وأهمها المظالم السياسية والاقتصادية والاجتماعية، حسبما يرى خشان، مشيرا إلى أن معالجة هذه العوامل ستكون عملية تدريجية وطويلة الأمد يجب أن تشمل شرائح مختلفة من المجتمع السوري.

وإضافة لذلك، فإن عدم الاستقرار والمنافسة الشرسة بين مختلف أجنحة النظام السوري على ثروات البلاد وأصولها تجعل المستثمرين المحتملين غير راغبين في تمويل جهود إعادة الإعمار.

ويؤكد خشان أن أهم التحديات التي تواجه التعافي في سوريا هي تحديات سياسية، إذ ستطلب القوى الغربية امتثال الأسد لتنفيذ قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2254، الذي يدعو إلى وضع دستور وتشكيل هيئة حكم انتقالية ذات صلاحيات واسعة. سيؤدي هذا الترتيب إلى رحيل الأسد، تليها انتخابات تراقبها الأمم المتحدة.

إيران تفوز

وفي غضون ذلك، ستستفيد إيران من تورطها في الحرب، حسبما يرى خشان، مشيرا إلى أن طهران سارعت لدعم نظام الأسد، عام 2012، عندما سيطر المعارضون على 80% من الأراضي السورية.

وبحلول الوقت الذي هدأ فيه القتال العنيف، خاصة بعد انسحاب المعارضة إلى محافظة إدلب وهزيمة تنظيم الدولة، كانت الميليشيات الإيرانية قد اكتسبت نفوذًا واسعًا في عدة مناطق من سوريا، وهو ما استغله طهران لتعزيز مصالحها في المنطقة.

وبعد اتفاق السعودية وإيران في مارس/آذار الماضي على استئناف العلاقات الدبلوماسية، وصل الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، إلى دمشق، برفقة وفد كبير لتعزيز العلاقات الاقتصادية.

وهنا يشير خشان إلى أن الرأي السائد في إيران هو أن سوريا دخلت مرحلة إعادة الإعمار من انتعاشها، مشيرا إلى أن طهران، التي وقفت إلى جانب دمشق طوال الحرب، تعتقد الآن أن بإمكانها الاستفادة من هذه الجهود.

ويسيطر الإيرانيون على نسبة كبيرة من الاستثمارات السيادية الرئيسية في سوريا، وحصلت إيران على أصول مؤجلة تضمن نفوذها في البلاد لسنوات قادمة وتعقد جهود إعادة تأهيل البنية التحتية السورية.

لكن خشان يرى أن المؤشرات تشير إلى عقبات كبيرة أمام إعادة إعمار سوريا، منها سيطرة الارج على المشروعات الإستراتيجية المتعلقة بالنفط والفوسفات والموانئ، ما يقيد قدرة الدولة على اتخاذ القرار.

ومع مطالبة كل من إيران وروسيا بأهم مبادرات البنية التحتية، لم يتبق سوى المشروعات الصغيرة وغير الجذابة لمقدمي العطاءات الآخرين لاستكشافها.

‌ ورغم الحكومة في دمشق تسيطر اسمياً على أراضي سوريا وحدودها، إلا أن القوة الحقيقية على الأرض تعود إلى إيران ووكلائها الشيعة، فالقوات الموالية لإيران تسيطر على جميع القواعد الجوية في البلاد.

كما تحاول إيران بنشاط الحفاظ على وجودها على الحدود السورية مع العراق ولبنان؛ للحفاظ على طرق الإمداد لحزب الله، وكيلها الأبرز في المنطقة، بالإضافة إلى الحدود مع الأردن القريبة من مرتفعات الجولان.

مجتمع ممزق

ويشير خشان إلى أن الأسد نجا سياسياً، إلا أنه يترأس الآن شعبًا منقسمًا، نصفه من النازحين داخليًا أو خارجيًا، وتسيطر 4 جيوش أجنبية على أجزاء مختلفة من بلاده، وتحتل الإدارة الذاتية الكردية لشمال وشرق سوريا ربع الأراضي السورية، كما لا توجد قوى سياسية أو اجتماعية منظمة داخل المجتمع السوري المقسم على أسس طائفية ومناطقية وقبلية.

 حتى حزب البعث الحاكم لم يعد له شرعية، ويعتمد حصرا على الإكراه لمواصلة حكمه، وفي الوقت نفسه، فإن العقوبات الغربية، خاصة تلك المفروضة بموجب قانون قيصر الأمريكي، تشجع الأسد وتساعد في إحكام قبضته على السلطة، حسبما يرى خشان.

بالنسبة للعلويين، لم يكن هناك بديل حقيقي للنظام، حيث كانت المعارضة التي يقودها السنة طائفية وإقصائية، وساعد هذا في تعزيز سيطرة الأسد، حيث استند إلى تهديد الإسلام الراديكالي منذ اليوم الأول للاحتجاجات.

ورغم أن السخط العلوي أدى، إلى حد ما، إلى تآكل قاعدة دعم النظام، إلا أنه "لن يؤدي إلى اضطرابات كبيرة" حسب تقدير خشان، مشيرا إلى أن رد فعل نظام الأسد على الانتفاضة الشعبية كان "غبيا وقصير النظر"، إذ كان بإمكانه نزع فتيل الاحتجاجات بسرعة من خلال إظهار بادرة حسن نية، خاصة أن معظم السوريين كانوا ينظرون إليه بشكل إيجابي في تلك المرحلة.

ويخلص خشان إلى أن عقد كامل من سوء إدارة نظام الأسد أدى إلى "إراقة الدماء والدمار، وتسليم البلاد لإيران على طبق من فضة".

المصدر | هلال خشان/جيوبوليتيكال فيوتشرز - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

سوريا بشار الأسد السوريون جامعة الدول العربية

بعد تأهيل الأسد.. هل يمكن للدول العربية إنهاء معاناة السوريين؟