دون هيمنة على الشرق الأوسط.. هل يمكن لأي دولة قيادة العالم؟

الأحد 28 مايو 2023 07:56 م

قال الأكاديمي والباحث التركي سادات لاشينير إنه نظرا للأهمية الجيوستراتيجية والثقافية للشرق الأوسط فإنه لا يمكن لأي قوة تحقيق القيادة العالمية المستدامة إذا فشلت في ممارسة الهيمنة على المنطقة على المدى الطويل، في إشارة إلى تراجع اهتمام الولايات المتحدة بالشرق الأوسط لصالح مواجهة نفوذ الصين المتصاعد في منطقة آسيا والمحيط الهادئ.

وأضاف لاشينير، في تحليل بموقع "مودرن دبلوماسي" (Modern diplomacy) ترجمه "الخليج الجديد"، أنه "لكي تتمسك دولة ما بمطالبتها في القيادة العالمية، فإنها ستواجه تحديات كبيرة إذا فشلت في تأسيس وجود لها في الشرق الأوسط، بالنظر إلى الموقع الاستراتيجي للمنطقة والموارد الطبيعية الوفيرة والقوة المالية".

وتابع: "كما أن القوة العالمية التي لها نفوذ على الشرق الأوسط لا تتحمل فقط أعباءً جديدة، بل تكتشف مصادر عديدة للقوة المادية والروحية التي تزيد من نفوذها في المنطقة".

تحركات صينية

لاشينير قال إن "الصين استثمرت الخلق المتعمد أو غير المتعمد لفراغ كبير في القوة من جانب الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، حيث أدركت بكين أهمية المنطقة وخصوبتها في المنافسة العالمية".

وزاد بأنه "عندما شاركت الصين في القمة العربية الصينية بالسعودية في ديسمبر/ كانون الأول 2022، ركزت وسائل الإعلام الدولية في المقام الأول على الجانب السياسي للحدث، وكذلك عندما نجحت بكين في التوسط في المصالحة بين الخصمين القدامى إيران والسعودية في مارس/ آذار الماضي، ركز الرأي العام العالمي على الأهداف السياسية والعسكرية المحتملة للصين في الشرق الأوسط".

ومضى قائلا إنه "في حين أنه سيكون من الخطأ التأكيد على أن سياسات الصين الجديدة تجاه الشرق الأوسط تفتقر إلى الدوافع السياسية، فإن أهداف بكين الأساسية للتعامل مع المنطقة مدفوعة بالمصالح الاقتصادية وأمن الطاقة، بدلا من الطموحات السياسية البحتة".

وأوضح لاشينير أن "واردات الصين السنوية من النفط الخام من دول الشرق الأوسط تجاوزت 170 مليار دولار، حيث صدرت السعودية وحدها نحو 65 مليار دولار من النفط الخام إلى الصين في 2022، وإذا كانت الصين تعتزم الحفاظ على نموها الاقتصادي، فإن وجودها في الشرق الأوسط يصبح أمرا ضروريا".

وتابع: "كما يتجاوز الناتج المحلي الإجمالي لدول الشرق الأوسط مجتمعة 5 تريليونات دولار، متجاوزا إجمالي الناتج المحلي لكل من اليابان وألمانيا، وتمثل منطقة الشرق الأوسط في جوهرها سوقا مزدهرة للبضائع الصينية".

وأردف لاشينير: "وتمتلك الدول الغنية بالنفط والغاز الطبيعي في المنطقة صناديق استثمارية برأسمال تريليونات الدولارات، فضلا عن شركات قادرة على ضخ استثمارات أجنبية، فمثلا استثمرت شركة أرامكو السعودية، عملاق البتروكيماويات، أكثر من 10 مليارات دولار في مشاريع التكرير في الصين وتتفاوض لمزيد من الاستثمارات".

وأضاف أنه "نظرا لأن الصين تعمل حاليا كأكبر شريك تجاري للشرق الأوسط، فإنها تهدف إلى توسيع مبيعاتها إلى المنطقة وزيادة مشتريات النفط، وجذب تريليونات الدولارات التي تم جمعها داخل المنطقة، والتي تتدفق غالبا إلى الأسواق الغربية، إلى اقتصاد الصين".

منافسة عالمية

"باختصار، تنظر الصين إلى الشرق الأوسط من منظور اقتصادي وليس سياسي، وتقدم نهجا تعاونيا يفيد جميع الدول المشاركة، على عكس العلاقات بين الولايات المتحدة والشرق الأوسط، فإن هذا التعاون لا ينطوي على توقعات سياسية متبادلة بين الأطراف المعنية"، بحسب لاشينير.

وتابع أن "دول الشرق الأوسط راضية حاليا عن اهتمام الصين بالمنطقة، حيث إنها تمثل قوة بديلة قادرة على موازنة السياسات الغربية لصالح القوى المحلية، ومن خلال الاستفادة من المنافسة العالمية بين الصين والولايات المتحدة، ستسعى دول المنطقة جاهدة لفرض رغباتها على القوى الكبرى".

واعتبر لاشينير أنه "لكي تتمسك الولايات المتحدة بموقفها في القيادة العالمية، يبدو من غير العملي التخلي عن الشرق الأوسط لخصومها، فالقوة التي تمارس الهيمنة في الشرق الأوسط لا تعزز قوتها فحسب، بل تلعب أيضا دورا حاسما في الاقتصادات العالمية".

ورجح أن "الولايات المتحدة واجهت أزمة ثقة بالنفس في المنطقة بعد نكساتها (العسكرية) في العراق وأفغانستان، ومع ذلك، فالمتوقع من واشنطن ليس تكرار أخطاء تجربتها السابقة في البلدين، بل الاقتراب من المنطقة من خلال استيعاب الدروس المستفادة من تلك الإخفاقات".

وفي كتابه بعنوان "الوهم الكبير"، يوضح (الكاتب الأمريكي) ستيفن سايمون سبب تكبد أمريكا خسائر في الشرق الأوسط على مدى أربعة عقود، ويحدد العامل الحاسم على أنه "عدم فهم الأمريكيين للمنطقة"، بحسب لاشينير.

وبيّن أنه "إذا كانت واشنطن ترغب بتحقيق النجاح في الشرق الأوسط، فعليها التخلي عن فرضياتها الأحادية الجانب، وإعطاء الأولوية للاستماع إلى حلفائها في المنطقة".

المصدر | سادات لاشينير/ مودرن دبلوماسي - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

الشرق الأوسط هيمنة قيادة عالمية الولايات المتحدة الصين

شرق أوسط متغير.. تراجعت واشنطن فبحث حلفاؤها عن توازن جديد