طريق التنمية الجديد في العراق.. ما هو؟ وما مميزاته وتأثيره الإقليمي؟

الأربعاء 31 مايو 2023 06:36 ص

أعلن العراق عن مشروع خطّ بري وخط للسكك الحديد يصل الخليج بالحدود التركية، حيث يطمح عبره إلى التحول إلى خط أساسي لنقل البضائع بين الشرق الأوسط وأوروبا.

الإعلان عن "طريق التنمية" الذي احتضنته العاصمة بغداد السبت، شهده وزراء النقل أو من يمثلهم من دول الإمارات والسعودية وسوريا والأردن والكويت وقطر وعمان وتركيا وإيران، بالإضافة لممثلين عن الاتحاد الأوروبي والبنك الدولي.

وقال رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، عن "طريق التنمية"، إن المشروع البالغ طوله 1200 كيلومتر، والذي يمتد من الحدود مع تركيا في الشمال إلى الخليج في الجنوب، سيكون حجر الزاوية لاقتصاد مستدام لا يعتمد على النفط، ويساهم في التكامل الإقليمي.

وتم الإعلان لأول مرة عن "طريق التنمية" خلال زيارة رئيس الوزراء العراقي إلى تركيا، في مارس/آذار الماضي، حيث كشف عنه في مؤتمر صحفي مشترك للسوداني والرئيس التركي رجب طيب أردوغان.

ويعول العراق على طريق التنمية -أو ما يعرف محليا "بالقناة الجافة"- لربط الأسواق الآسيوية بالأوروبية عبر ميناء الفاو الكبير في محافظة البصرة (جنوبا) ثم القناة الجافة التي تبدأ من الميناء جنوبا وتنتهي بالحدود العراقية التركية شمالا.

وهناك أعمال جارية حالياً لتأهيل ميناء الفاو أقصى جنوب العراق والمجاور لدول الخليج، والذي سيكون محطة أساسية لاستلام البضائع قبل نقلها براً.

خطة طموحة

وتعول الصين والهند على هذا المشروع في زيادة صادراتها إلى أوروبا عبر الموانئ في العراق وتركيا، كما تعول عليه أنقرة أيضا التي تريد أن تزيد من ميزانها التجاري مع العراق.

ويهدف المشروع كذلك إلى بناء 15 محطة قطار للبضائع والركاب على طول الخط، تنطلق من البصرة جنوباً ومروراً ببغداد ووصولاً إلى الحدود مع تركيا.

وفق المشروع، تخطط الحكومة العراقية لتسيير قطارات عالية السرعة لنقل البضائع بسرعة تبلغ 140 كيلومترا في الساعة، في حين تُقدر السرعة القصوى لنقل الركاب بـ300 كيلومتر في الساعة.

أما عن إسهام المشروع في تقليص مدة شحن البضائع، فإن زمن الرحلة البحرية للسفن المحملة بالبضائع من ميناء شنجهاي الصيني إلى ميناء روتردام الهولندي تستغرق نحو 33 يوما، في حين أنها ستستغرق 15 يوما فقط عندما تنتقل البضائع من شنجهاي إلى ميناء جوادر الباكستاني ثم إلى ميناء الفاو الكبير، ومنه عبر القناة الجافة العراقية إلى موانئ البحر المتوسط في تركيا، ومنها إلى ميناء روتردام الهولندي، بما يعني تقليص زمن الرحلة بأكثر من 50%.

ويأتي مشروع القناة الجافة بالعراق في الوقت الذي يعاني فيه البلد من تهالك البنى التحتية في قطاع النقل، وهو ما تطمح الحكومة إلى معالجته عبر هذا الطريق الجديد.

كما يتضمن بناء مدن صناعية قريبة من هذا الطريق، ومدن سكنية جديدة تبعد عن مراكز المدن الكبرى من 10 إلى 20 كيلومترا على الأقل، تستوعب عددا كبيرا من السكان في ظل الكثافة السكانية التي أدت إلى أزمة سكنية في العراق.

ويعاني العراق الغني بالنفط، تهالكا في بنيته التحتية وطرقه؛ جراء عقود من الحروب وانتشار الفساد، وتمر بعض الطرقات التي تصل بغداد بالشمال في مناطق تنشط فيها بقايا خلايا تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش).

ومن المخطط أن تنتهي المرحلة الأولى من هذا المشروع بحلول عام 2028، على أن تنتهي المرحلة الثانية بعدها بـ10 سنوات، إذ تزداد معها الطاقة الاستيعابية للنقل إلى 400 ألف حاوية، وصولا إلى المرحلة النهائية المقررة عام 2050.

كما سيصب المشروع الضخم كذلك في مصلحة قطاع المياه في العراق، حيث يتضمن خطة لتحلية مياه البحر، في الوقت الذي يشهد فيه البلد أزمة شملت مياه الشرب.

وتُقدر التكلفة الأولية لمشروع "طريق التنمية" بـ17 مليار دولار، وسط 3 خيارات تمويلية، الأول يدور حول التمويل الحكومي، لكن مراقبين يستبعدون قدرة الحكومة على تحقيق ذلك في ظل العجز الكبير في الموازنة العامة.

أما الخيار الثاني، فهو الشراكات بين الحكومة والقطاع الخاص، والذي يواجه كذلك تحدي توفير المال اللازم في ظل إدارة حكومية.

والخيار الثالث يقترح التمويل من خلال استثمار مجموعة من الشركات العالمية مع شراكات محلية، وهو الحل الأكثر منطقية لتنفيذ المشروع خلال سنوات قليلة، وسط توقعات بأن يحظى المشروع بتمويل من تركيا والسعودية والإمارات وقطر.

فوائد اقتصادية

ويرى أستاذ الاقتصاد في الجامعة العربية عبدالرحمن المشهداني، أن هذا المشروع يعد إحياء لمشروع "البصرة-برلين" الذي كان قد اتفق عليه الإمبراطور الألماني فيلهلم الثاني، والسلطان العثماني عبدالحميد الثاني قبل أكثر من قرن من الزمان، بهدف ربط الشرق الأوسط بالقارة الأوروبية.

ويضيف: "هو برنامج إصلاحي كبير للاقتصاد العراقي يبدأ من قطاع النقل وسينعكس على باقي القطاعات".

ويوضح المشهداني أن أكبر مكسب للاقتصاد العراقي من هذا المشروع هو تطوير قطاع النقل المتهالك، والذي سيجلب معه نهضة في قطاعات الصناعة والزراعة والسياحة وغيرها من القطاعات التي عانت خلال الأربعين سنة الماضية.

ويعد "طريق التنمية" بالعراق من أهم المشاريع الاستراتيجية في البلاد، إذ يؤكد مستشار رئيس الوزراء لشؤون النقل ناصر صالح الأسدي، إنه سيوفر 100 ألف فرصة عمل كمرحلة أولى، ومليون فرصة بعد إكماله وإنجازه.

كما يشير إلى أن المشروع سيتضمن خطوطا للسكك الحديدية للقطارات السريعة وطرقا برية سريعة، وسيمر بـ13 محافظة عراقية، وفق ما نقلت عنه وكالة الأنباء العراقية "واع" (رسمية).

ويقول الأسدي إن مشروع طريق التنمية يعد العصب الجديد للاقتصاد العراقي، مبينا أنه سيتضمن موانئ ومدنا صناعية وسكنية جديدة، إضافة إلى المطارات، وأن تنفيذه سيكون باتجاه الصحراء بهدف استصلاح الأراضي للزراعة والصناعة والتجارة، وفق قوله.

وتتفق معه عضو لجنة الاستثمار والتنمية النيابية العراقية فيان عبدالعزيز، التي تقول إن "طريق التنمية" سيشكل أساسا مهما لتطوير القطاع الخاص؛ نظرا لما يوفره من فرص عمل.

وتوضح النائب أن المشروع سيكون استثماريا، بما يعني إمكانية مشاركة الدول المساهمة في جزء من المشروع، مبينة أن آلية الاستثمار ستناقش خلال اجتماعات مفصلة بعد المؤتمر، ووفق آليات يُتفق عليها لاحقا، وفق قولها.

بينما نقلت وكالة "سبوتنيك" الروسية، عن الخبير الاقتصادي العراقي صفوان حليم، توقعه أن يدر "طريق التنمية" نحو 4 مليارات دولار سنويا.

ويضيف: "سيحول العراق إلى مركز رئيسي للتجارة ومحطة نقل كبرى بين آسيا وأوروبا".

يشار إلى أن تحويل العراق إلى مركز عبور يختصر زمن السفر بين آسيا وأوروبا، قد ينظر إليه البعض على أنه محاولة لمنافسة قناة السويس، وهو ما تحدثت عنه بالفعل بعض التقارير الإعلامية.

ومع ذلك، فإن مدير المركز العالمي للدراسات التنموية صادق ركابي، قلل من تأثير الطريق الجديدة على قناة السويس المصرية.

ويوضح في تصريحات لموقع "بي بي سي"، أن عدة عوامل تلعب دورا في ذلك، من أهمها زيادة التجارة الدولية بشكل سنوي؛ ما سيجعل نشاط طريق التنمية "رديفا داعما للنشاط التجاري لقناة السويس".

تأثيرات إقليمية

وبإجراء مقارنة بين الحمولات عن طريق البحر والبر، فإن كفة النقل البحري هي الراجحة نظرا لمرونة النقل، "فعربات القطارات لديها سعة محدودة وحجم محدود"، أما الحاويات البحرية فتستوعب أحجاما متفاوتة وفق حجم كل سفينة.

ويفضل للحمولات الكبيرة جدا نقلها بحريا، وهو ما يعود بالمنفعة على قناة السويس، أما الحمولات الأقل حجما ووزنا فقد تُنقل عبر السكك الحديدية، لذا فلكل طريق فوائده.

ويضيف ركابي أن الضمانات وعنصر الأمان الموجود في قناة السويس أكبر من ذلك الموجود في طريق التنمية، الذي قد يكون عرضة لبعض المخاطر مثل تلك التي قد يمثلها حزب العمال شمال العراق، أو مخاطر الحدود بين تركيا وأوروبا.

ويتفق معه الباحث المصري في العلاقات الدولية والاقتصاد السياسي أبوبكر الديب، الذي يستبعد في حديثه لوكالة "سبوتنيك"، أن يؤثر المشروع الجديد على قناة السويس المصرية التي يمر بها 12% من حركة التجارة العالمية.

ويلفت إلى أن الأساب تتلخص في انخفاض تكلفة النقل البحري مقارنة بالبري، وزيادة حجم البضائع المنقولة عبر السفن والحاويات البحرية مقارنة بعربات السكة الحديد.

ويري الديب، أن المشروع الجديد سيكون إضافة وداعم لقناة السويس، نظرا لزيادة التجارة الدولية بشكل سنوي، في إطار سعي مصر للارتباط بمحيطها الإقليمي من خلال طريق القاهرة كيب تاون، وهو الطريق الذي سيربط مصر بشمال أفريقيا حتى المحيط والمغرب، وطريق ربط مصر بتشاد.

في المقابل، يرى عضو اللجنة المالية النيابية في العراق جمال كوجر، أن الطريق الجديد سيسبب ضررا على دول مجاورة.

ويوضح أن المشروع سيرتكز على ميناء الفاو الكبير الذي سيحد من مزايا ميناء خور عبد الله الكويتي.

ويضيف: "كما سيحد من امتيازات ميناء جبل علي في الإمارات، فضلا عن تضرر خط عبادان الإيراني من المشروع، وبالتالي تحرص هذه الدول على المساهمة في المشروع"

يشار إلى أن ثمة مشاريع عالمية أخرى تضع في صلب أهدافها التحول شريانا أساسيا في النقل العالمي، مثل "طريق الحرير الجديد"، الذي أعلنه في عام 2013، الرئيس الصيني شي جين بينج.

وسمي هذا المشروع رسميا مشروع "الحزام والطريق" ويضم 130 دولة، ويهدف إلى تطوير البنى التحتية البرية والبحرية من أجل تحقيق ربط أفضل بين الصين وأوروبا وأفريقيا.

كما وقعت موسكو وطهران، اتفاقا لتشييد خط للسكك الحديدية، والذي سيكون جزءا من "ممر نقل دولي" يربط بين الشمال والجنوب، وينظر إليه كمنافس قناة السويس المصرية كمعبر للتجارة العالمية، على ما تقول روسيا.

وسيصل خط السكك الحديدية الجديدة بين مدينتي رشت وأستارا الإيرانيتين، وهو جزء مهم في الممر الدولي الذي يهدف للربط بين الهند وإيران وروسيا وأذربيجان ودول أخرى عن طريق السكك الحديدية والبحر.

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

طريق التنمية الجديد العراق تنمية إستراتيجية استثمار القناة الجافة

العصائب ترفض طريق التنمية: وصمة عار في تاريخ ساسة العراق

طريق التنمية.. تركيا تدفع ببديل للممر التجاري بين الهند وأوروبا