الخارجية التركية في عهد فيدان.. تحولات "نوعية بطيئة" بالملف السوري

الثلاثاء 13 يونيو 2023 01:14 م

سلطت الخبيرة بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، صافيناز محمد أحمد، الضوء على تأثير التشكيل الحكومي الجديد، الذي أعلنه الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، على الملف السوري، خاصة أن وزير الخارجية الجديد، هاكان فيدان، هو رئيس جهاز المخابرات السابق.

وذكرت صافيناز، في تحليل نشره موقع المركز، أن فيدان هو "مخزن أسرار الرئيس التركي"، بخلاف دوره المتزايد في "هندسة" السياسة الخارجية لبلاده خلال الأعوام الثلاثة الماضية، لاسيما سياسات التقارب مع عدد من القوى الإقليمية العربية مثل مصر والسعودية والإمارات، وسياسات الاستدارة التركية في عدد من الملفات المهمة، وفي مقدمتها الملف السوري، الذي من المتوقع أن يشهد بعض المستجدات خلال الفترة المقبلة.

ويعكس اختيار أردوغان لشخص مدير الاستخبارات السابق لشغل منصب وزير الخارجية دلالات مهمة على مستقبل السياسة الخارجية التركية خلال السنوات الخمس القادمة؛ خاصة أن فيدان لم يكن بعيداً عن التطورات التي شهدتها تلك السياسة مؤخراً، بل إن التغيير الفعلي في سياسة أنقرة تجاه محيطها الإقليمي تحديداً كان نتاج تحركاته على مستوى العلاقات التركية الإقليمية خاصة ما يتعلق منها بالأبعاد الأمنية والسياسية.

ويأتي الملف السوري في مقدمة الملفات الإقليمية التي سيعمل فيدان على معالجتها، على خلفية حالة الانخراط العسكري التركي في الشمال السوري من ناحية، والعلاقات مع الولايات المتحدة الداعمة لقوات سوريا الديمقراطية من ناحية ثانية، والتنسيق التركي-الروسي في الملف نفسه من ناحية ثالثة.

أما ملف اللاجئين، فهو الأبرز من حيث الأهمية الآنية لفيدان، بالنظر إلى تأثيره بالسياسة الداخلية التركية في ضوء الأزمة الاقتصادية الحادة التي تعاني منها، خاصة أن استطلاعات الرأي التي أجريت قبل الانتخابات التركية الأخيرة عكست تزايد حدة الرفض الشعبي التركي لوجود اللاجئين السوريين واعتبارهم المسبب الرئيسي للأزمة الاقتصادية التي تمر بها بلادهم حالياً.

وكان لحضور فيدان اللافت لاجتماعات وزراء دفاع روسيا وتركيا وإيران وسوريا في موسكو خلال أبريل/نيسان 2023، باعتباره مديراً للاستخبارات التركية وقتها، دلالته بشأن التوجهات التركية الجديدة حيال الملف السوري ككل، وفى مقدمته ملف العودة الطوعية للاجئين السوريين.

تغيير محدود

ولذا تتوقع صافيناز أن يشهد ملف اللاجئين السوريين نوعاً من التغيير في سياسة تركيا حياله، لكن بإطار "محدود ومحسوب" في سياقاته الأمنية والسياسية.

فالرئيس التركي لن يتمكن، في عهدته الثالثة والأخيرة، من إغفال موقف الرفض الشعبي لاستمرار وجود اللاجئين السوريين، في ضوء نتائج الانتخابات الرئاسية الأخيرة، فضلاً عن الضغوط التي ستمارسها عليه أحزاب المعارضة في الملف نفسه، حسبما ترى الخبيرة بمركز الأهرام.

وأشارت إلى أن هذا التغيير المحدود سيقوم على تفعيل برامج "العودة الطوعية" وليست "القسرية" للاجئين ومضمونه إعادة حوالي مليوني لاجئ سوري تدريجياً إلى المناطق الآمنة التي أقامتها تركيا في الشمال السوري بفعل عملياتها العسكرية هناك.

والعودة الطوعية، وفقاً لما أعلنه أردوغان، تقوم على إعداد البنية التحتية المؤهلة للعودة الآمنة لسوريين داخل الحدود السورية على مدار السنوات الخمس المقبلة، على العكس من خطة المرشح المعارض، كمال كليتشدار أوغلو، التي كانت تروج لإعادة اللاجئين السوريين خلال عامين.

وهنا تحضر "المرونة" التي من المتوقع أن يتعامل بها فيدان مع الملف؛ فثمة مؤشرات تقول بأن المقاربة التركية الجديدة للملف ستقوم على "تقييد" أنقرة للمزايا الممنوحة للاجئين السوريين حال نجاحها في التوصل لـ"تفاهمات أمنية" مشتركة مع النظام السوري تقضي وتسمح بعودة السوريين لأراضيهم؛ ومن المحتمل أن تشمل هذه التفاهمات المنطقة الحدودية في الشمال السوري، وكذلك الشمال الغربي في إدلب.

ولأن مسار التقارب التركي مع النظام السوري لايزال تحيطه التكهنات نتيجة تمسك النظام السوري بخروج تركيا من الشمال السوري وإنهاء دعمها للمعارضة، لاسيما تلك التي تتمركز في إدلب، فلم يؤد الاجتماع الأمني الرباعي، الروسي-الإيراني-التركي-السوري، إلى تذليل العقبات الفعلية بين الطرفين.

خطوات بطيئة

وإزاء ذلك، فمن المتوقع أن تكون خطوات التقارب التركي-الروسي خلال الفترة المقبلة "بطيئة" لكن فرصها ستكون قائمة وربما متزايدة، وذلك بالنظر إلى وجود "المتغير الروسي" في علاقة الطرفين، باعتبار أن روسيا تتمتع بعلاقات فاعلة ووازنة مع الجانبين.

وفى حالة ارتفاع وتيرة التقارب التي تبديها تركيا تجاه سوريا وصولاً إلى مرحلة استئناف العلاقات الثنائية، فإن ذلك سيتيح المجال أمام روسيا للترويج لقدرتها على إنهاء أحد أهم الصراعات المسلحة في المنطقة العربية، وهو بالتبعية ما سيزيد من الحضور الروسي لدى دول المنطقة التي دخلت "طواعية" في مسار من التهدئة الإقليمية مؤخراً.

وترى صافيناز أن بقاء أردوغان في الحكم لمدة خمسة سنوات قادمة يوفر "فرصاً مواتية" لموسكو التي "درست" تماماً شخصية أردوغان وسياساته، وبالتالي استمرار وجوده في السلطة يعنى بقاء الوضع في الملف السوري على ما هو عليه، مع إدخال بعض التعديلات التي لا تمثل تغييراً جذرياً يتطلب دوراً أكثر إنهاكاً لروسيا في المعادلة السورية وسط انشغالها بحربها ضد أوكرانيا.

وتشير الخبير بالأهرام إلى رأي مفاده أن تركيا بعد الانتخابات قد تمارس ضغوطاً على المعارضة السورية لقبول تسوية ما مع النظام السوري، مؤداها قبول المعارضة السورية الخروج من الشمال السوري والشمال الغربي، مقابل الحصول على ضمانات أمنية من ناحية، وضمانات تخص العودة الآمنة للاجئين السوريين داخل حدود دولتهم من ناحية ثانية.

وبالرغم من صعوبات العودة الشاملة والسريعة للعلاقات بين تركيا وسوريا، وفقاً للمعطيات السابقة، إلا أن اتفاق روسيا وإيران وتركيا والنظام السوري على ضرورة "تحييد" وربما "إخراج" الولايات المتحدة من الشمال السوري، يمثّل المصلحة "الأهم" للأطراف الأربعة.

وتشير العديد من الاجتهادات لمفكرين ومهتمين بالشأن التركي إلى أن وجود هاكان فيدان في وزارة الخارجية يعنى استثمار رصيد الرجل الذى راكمه حينما كان مديراً للاستخبارات التركية وتحديداً في شأن تفعيل الخطة السرية لاجتماعات الرباعي في موسكو خلال أبريل/نيسان الماضي، والتي تعتمد على إقامة تركيا علاقات فاعلة مع دمشق بمساعدتها على فرض سيطرتها الأمنية على مناطق الإدارة الذاتية للأكراد التي تتمتع بدعم من الولايات المتحدة، باعتبار أن وجود قوات النظام السوري بالقرب من الحدود التركية يحقق مصلحة أمنية لتركيا، إلى جانب الاتفاق على عدد من الإشكاليات الخاصة بشأن ملف اللاجئين.

مناطق الأكراد

 وهنا تكون أنقرة قد سلمت الأكراد السوريين، وتحديداً مناطق الإدارة الذاتية التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية للنظام السوري مباشرة، بما يوفر عليها (أي أنقرة) عبء العمليات العسكرية المتوالية التي تشنها ضد تلك القوات من آن لآخر، والتي تضع علاقاتها مع الولايات المتحدة وروسيا على حد سواء في أزمة فعلية.

وتضيف الخبيرة بالأهرام أن حالة التقارب العربي مع النظام السوري، وعودة سوريا للجامعة العربية من شأنها أن تدخل كمعطى على معادلة التفاعل التركي مع سوريا خلال فترة حكم أردوغان الثالثة، بل من الممكن أيضاً أن تساهم في إعادة صياغة حساباته في هذا الشأن.

ويفرض ذلك قيوداً عديدة على الجانب التركي في توجهاته حيال دمشق، خاصة أن تركيا لاتزال راغبة في الحفاظ على مكتسبات التنسيق الثلاثي بينها وبين كل من روسيا وإيران في سوريا، وهما الداعمين الفعليين للنظام في دمشق.

وتخلص صافيناز إلى أن تولي هاكان فيدان وزارة الخارجية بعد فوز الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، بفترة ولاية ثالثة وأخيرة، وبالنظر إلى الدور الفاعل الذى قام به كمدير للاستخبارات التركية سابقاً، من شأنه تعزيز مسار المراجعات التي تجريها تركيا على تفاعلاتها في ملفات السياسة الخارجية، وإن كانت تلك المراجعات وما سينتج عنها من مستجدات لن تكون "حادة" أو "سريعة" في نتائجها.

المصدر | الخليج الجديد + مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية

  كلمات مفتاحية

تركيا سوريا هاكان فيدان رجب طيب أردوغان الأكراد

تركيا تعلن عن تشكيل لجنة لتطبيع العلاقات مع سوريا

مصادر دبلوماسية: فيدان سيلتقي بلينكن في لندن.. والسويد موضوع الاجتماع

روسيا في حرب وإيران تحت ضغط.. فرصة فيدان لتعزيز نفوذ تركيا