وسط مخاطر إنسانية.. لماذا تخفق الوساطة الأمريكية السعودية في إرساء السلام بالسودان؟

الأحد 30 يوليو 2023 05:48 م

طرح خبراء مختصون في الشؤون الدولية المخاطر الإنسانية والتداعيات الناجمة عن الصراع الدائر في السودان بين الجيش وقوات "الدعم السريع" منذ منتصف أبريل/ نيسان الماضي، متحدثين عن التحديات التي تواجه الوساطة الأمريكية-السعودية لوقف الحرب وأسباب الإخفاق.

جاء ذلك خلال ندوة سياسية افتراضية نظمها "معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى" شارك فيها المحاضر في الشؤون الدولية في "جامعة السودان الوطنية" ياسر زيدان، والباحثة في "معهد التحرير لسياسة الشرق الأوسط" ريم عباس والمستشار في "مركز إفريقيا في معهد الولايات المتحدة للسلام" والممثل الخاص السابق للاتحاد الأوروبي في منطقة "القرن الأفريقي" أليكس روندوس.

يقول ياسر زيدان إنه بعد مضي شهرين على اندلاع الحرب - وهي أساساً محاولة من "الدعم السريع" شبه العسكرية للاستيلاء على السلطة - ردت "القوات المسلحة السودانية" بشن هجمات متعددة في الخرطوم، وازداد الوضع تأزماً مع لجوء "الدعم السريع" إلى الطائرات بدون طيار لمهاجمة المدنيين واستمرار تدهور الوضع الإنساني. 

ويضيف تلوح المجاعة في الأفق بسبب تعطيل الحصاد والوصول المحدود إلى الأسمدة والبذور، في حين لا يعمل حالياً في الخرطوم سوى عدد قليل من وكالات الإغاثة الدولية.

ويشير زيدان إلى أن جهود الوساطة في حل الأزمة فشلت حتى الآن، لافتا إلى أن محادثات جدة التي ترعاها الولايات المتحدة والسعودية لم تتمكن إلا من وقف القتال مؤقتا قبل أن يتم خرق وقف إطلاق النار في النهاية وتعليق المفاوضات لأسابيع، بينما أتاح الهدوء الفرصة لـ"الدعم السريع" للسيطرة على الممتلكات واستهداف المدنيين.

ويبين أن سياسة الولايات المتحدة تركز على وقف الأعمال العدائية والعودة إلى خطة الاتفاق الإطاري لإعادة بدء الانتقال إلى الحكم المدني، الذي كان يحرز تقدماً قبل اندلاع النزاع في أبريل.

ويستدرك المختص: "لكن للأسف، لا يمكن تحقيق هذه الخطة في الوقت الحالي بسبب التشرذم الاجتماعي السياسي والاشتباكات المسلحة المستمرة".

ويوضح أن خطر انتقال النزاع إلى خارج السودان يهدد الاستقرار الإقليمي، مضيفا أن التقارير عن الانقلاب في النيجر تشكل خير مثال على ذلك. وتتفاقم هذه المخاطر مع تورط دول وجهات فاعلة متعددة، التي يهدد بعضها المصالح الأمنية المحلية للولايات المتحدة ويساهم في تزايد الأعمال الإرهابية والاتجار بالبشر.

ويتابع زيدان: "في المستقبل، ينبغي على واشنطن دعم إدارة الدولة في السودان وإعادة إحياء الخطة لتسهيل الانتقال الديمقراطي". 

حرب موارد

الباحثة ريم عباس ترى أن النزاع الحالي في السودان اتسم بتدمير كامل للبنية التحتية وحرب متعمدة ضد المدنيين، إذ يُقتل سكان الحي، وتُنهب المنازل، ويُمحى تاريخ الخرطوم بثبات في إطار إحدى أكبر عمليات النزوح الديموغرافي في التاريخ المعاصر. 

وتقول عباس: "في ظل وجود جيشين ودولتين، أصبح من الصعب على الشعب دعم القوات المسلحة السودانية، لا سيما نظراً لسيطرتها منذ وقت طويل على السلطة وضلوعها في جرائم متعددة"، مشيرة إلى أن الكثير من المواطنين يخشون من أن تصبح البلاد ذات حكم دكتاتوري إذا انتصر الجيش.

وتنوه إلى أن الصدع عميق لدرجة أن السودان قد يتفكك، فيما يحاول الجيش الآن منع السيطرة الكاملة لـ"الدعم السريع" التي تتمتع بقاعدة اجتماعية وعرقية كبيرة وأصبحت أكبر مصدر لفرص العمل في البلاد.

وتضيف عباس: "مع استمرار هذا التشرذم، قد تتخلى بعض المناطق (على سبيل المثال، الولايات الشرقية في السودان) أكثر فأكثر عن فكرة الدولة الواحدة الموحدة، وتختار الحكم الذاتي أو الفيدرالية لحماية نفسها من الحرب الزاحفة". 

وتتابع: "في غرب السودان، حملت مجموعات الأقليات البدوية السلاح لحماية نفسها، ويُعزى السبب جزئياً إلى حرمانها من إمكانية الوصول إلى نهر النيل أو غيره من مصادر المياه المستقرة بسبب تغير المناخ وعوامل أخرى". 

وتعتبر الباحثة أن هذا الأمر من الأسباب المهمة التي تدفع "الدعم السريع" إلى القتال بالخرطوم وإنشاء وظائف إدارية رسمية في ولايات مثل غرب دارفور (على غرار حالة "الحكومة المزدوجة" في ليبيا)، "فالنزاع في الأساس حرب موارد، تسعى عبرها مجموعات مختلفة جاهدة إلى تأمين نمط حياة قابل للاستمرار، وتوفير إمدادات منتظمة من المياه، وإيجاد وسيلة لتجنب المجاعة"، وفق قولها.

استجابة ضعيفة

يقول المستشار أليكس روندوس إن الأنباء عن محاولة الانقلاب في النيجر تشير إلى ظاهرة أوسع بكثير، موضحا أن "الدعم السريع" جرّت السودان إلى مستنقع الصراعات الذي تورطت فيه أيضاً أجزاء أخرى من الساحل، والآن، تطرح الأزمة الإقليمية مخاطر على ممرين مائيين حيويين هما النيل والبحر الأحمر

ويضيف: "الجزء السفلي من الصحراء يخرج عن السيطرة وقد يزعزع استقرار القارة أكثر فأكثر".

ويشير روندوس إلى أن بعض المراقبين يتحدثون عن "مساحات غير خاضعة للحكم" في مناطق مثل السودان، لكن واقع الحال هو أن الجزء الأكبر من هذه الأراضي لا تحكمه الدول، بل المليشيات وأمراء الحرب والجهات الفاعلة الأخرى غير الحكومية. 

ويتابع: "الآن قد يؤثر تنامي الاضطرابات في الساحل على مصر (بما أن نهر النيل يمر عبر السودان)، والسعودية، والتجارة العالمية (بالنظر إلى المخاطر المحتملة على أمن البحر الأحمر)".

ويوضح روندوس أن انسحاب واشنطن الظاهر من هذه الأزمة خلّف أثراً عميقاً؛ فالمنطقة تفتقر إلى استجابة واضحة وفعالة، وفي الواقع جاءت الاستجابة ضعيفة، ولم تؤثر الأمم المتحدة تأثيراً كبيراً، وكان "الاتحاد الأفريقي" و"الهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية" ("إيجاد") خجولين نسبياً في نهجهما، ولا يوجد مُحفّز لإحضار الجميع إلى طاولة المفاوضات.

ويؤكد أن غياب الولايات المتحدة أدى إلى تضاؤل ثقة الشركاء وشجّع الجهات الفاعلة الأخرى على التدخل، وخلق ظروفاً للانتهازية والتهور.

ويبين روندوس أن الولايات المتحدة والسعودية هما الأكثر نفوذاً في هذا الصدد، لذا يجب أن تتوليا زمام المبادرة لعقد الاجتماعات مع دول الجوار والحد من التداعيات. ويجب أن تركز إعادة إحياء عملية جدة أيضاً على الجانب الإنساني، بما في ذلك التحديات اللوجستية، والوقاية من المجاعة.

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

الأزمة السودانية السودان الدعم السريع السعودية أمريكا

تتجه نحو انهيار كارثي وشيك.. حرب السودان تحول الدولة إلى شبح

اختفاء عشرات النساء والفتيات في السودان.. وأصابع اتهام نحو "الدعم السريع"

البرهان يشكل لجنة لحصر جرائم وانتهاكات الدعم السريع

4 سيناريوهات لمستقبل الصراع السوداني

مباحثات سعودية أمريكية لوقف التصعيد في السودان