تحليل: صفقات مبادلة الطاقة تعزز استراتيجية العلاقات بين إيران والعراق

الثلاثاء 1 أغسطس 2023 01:27 م

سلط الشريك في "يوراسيان نيكسوس بارتنرز" الاستشارية، بيجن خواجه، الضوء على صفقات مبادلة الطاقة الأخيرة بين إيران والعراق، مشيرا إلى أن تنفيذ هكذا اتفاقات من شأنه أن يسهل صادرات إيران من الطاقة إلى جارتها الغربية ويعزز العلاقات الاستراتيجية بينهما، لكنه قد يؤدي أيضًا إلى تعقيدات جديدة ناجمة عن العقوبات الأمريكية.

وذكر خواجه، في تحليل نشره موقع "أمواج ميديا"، أن المفاوضات بين إيران والعراق بشأن تجارة الغاز بدأت لأول مرة في عام 2010، وتم التوصل إلى اتفاق مبدئي لتزويد محطة كهرباء بسماية في بغداد بالغاز الطبيعي الإيراني في عام 2013.

وبعد ذلك بعامين، اتفق البلدان على إنشاء محطة للطاقة الكهربائية في جنوب البصرة لتغذي المدينة بالغاز الإيراني.

وبعد تأجيل المشروعين عدة مرات، بدأت إيران التصدير لمصنع بغداد في عام 2017 وإلى البصرة في عام 2018.

ونقل خواجه عن مصدر عراقي اطلع على الاتفاق أن واردات الغاز الطبيعي الإيراني بلغت بـ 50 مليون متر مكعب يوميًا، مشيرا إلى أن هذا الحجم يمكن استخدامه لتوليد ما يصل إلى 7 جيجاوات، أو ما يزيد قليلًا عن ثلث إمدادات العراق.

ويعني ذلك أنه لا غنى عن الغاز الإيراني لتوليد الطاقة في العراق، ما اضطر واشنطن إلى استثناء بغداد من العقوبات المفروضة على إيران، حتى خلال حملة "الضغط الأقصى" التي شنها الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، ضد الجمهورية الإسلامية.

واستمرت هذه الممارسة في ظل إدارة الرئيس الأمريكي الحالي، جو بايدن، إذ صدر، في 18 يوليو/تموز، أحدث إعفاء للعراق من العقوبات المفروضة ضد إيران، وهو الإعفاء رقم 20 وصالح لمدة 120 يومًا.

الموقف الحالي

وفقًا للبيانات الرسمية، بلغ حجم صادرات الغاز الإيراني 9.4 مليار متر مكعب في عام 2022، وهناك خطط لتمديد صفقات تصدير الغاز الحالية لمدة 5 سنوات أخرى.

ومع ذلك، وبسبب عدم رضاها عن استخدام العراق الواضح للعقوبات الأمريكية كذريعة لعدم دفع تكاليف واردات الغاز، قررت طهران خفض حجم الصادرات بمقدار النصف في مايو/أيار من هذا العام.

وتسبب هذا الأمر في نقص الكهرباء وتعطيل النشاط الاقتصادي في العراق بما في ذلك إنتاج النفط، شريان الحياة الاقتصادية للبلاد.

ورغم أن المسؤولين الإيرانيين عزوا خفض الإمدادات إلى مشاكل فنية، كان من الواضح أن طهران أرادت إجبار بغداد على إيجاد حل لتسوية ديون العراق المستحقة مقابل صادرات الغاز.

وفي أواخر يونيو/حزيران، أعلنت مصادر من الجانبين أن العراق سيحصل على التصاريح اللازمة من الولايات المتحدة لتسوية بعض ديونه المتضخمة.

الحساب الوصي

وإضافة لذلك، أعلنت غرفة التجارة الإيرانية العراقية الإفراج عن 10 مليارات دولار من أموال إيران في العراق. ومع ذلك، فإن العلاقات التجارية في هذا السياق أكثر تعقيدًا مما تبدو عليه ويمكن أن يثير تعبير "الإفراج" الكثير من اللبس.

ففي الكثير من اتفاقيات التصدير الإقليمية التي تبرمها إيران، تعين الكيانات الإيرانية "وصيًا" وكذلك "حسابًا مصرفيًا وصيًا"، ما يمكّن الشركة التي تتلقى الصادرات من تسوية ديونها عن طريق تحويل الأموال إلى "حساب مصرفي وصي" محدد. وفي هذه الحالة يكون حساب الوصي لدى المصرف العراقي للتجارة.

ولذا، عندما تعلن الحكومة العراقية أنها دفعت ديونها لإيران مقابل واردات الطاقة، فهذا يعني أن الأموال قد تم تحويلها إلى المصرف العراقي للتجارة، وما تود إيران رؤيته هو أن يقوم المصرف العراقي للتجارة بتحرير الأموال المقيدة لتصبح تحت سيطرة إيران الكاملة، بحسب خواجه.

ولمعالجة هذه الدينامية جزئيًا، أكد المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية، في 19 يوليو/تموز الماضي، إصدار تصريح جديد للعراق لاستيراد الطاقة الإيرانية، موضحا أن "الشيء الوحيد المختلف في تجديد التصريح هو أن هذه الحزمة الأخيرة توسع أيضًا الإعفاء للسماح بتحويل الأموال إلى حسابات مقيدة في بنوك مختارة تابعة لجهات خارجية".

وفي يونيو/حزيران الماضي، أفادت تقارير إعلامية بأن الولايات المتحدة أعطت الضوء الأخضر لتحويل جزء من الأموال الإيرانية إلى تركمانستان، لتسوية الديون الإيرانية.

كما سمحت الولايات المتحدة بتحويل جزء آخر إلى المملكة العربية السعودية لتغطية مصاريف الحجاج، ومع ذلك، "لم تكن هناك خطط لنقل أي أموال إلى إيران"، حسبما أكد مصدر إيراني رفيع لـ "أمواج ميديا".

فيما أكد مصدر عربي، تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته، صرف 1.5 مليار يورو من الأصول الإيرانية المجمدة، مشيرا إلى أنه من المقرر تسوية شريحة 1 مليار يورو أخرى.

وعلى هذه الخلفية، أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية، في 24 يوليو/تموز الماضي، أن سلطنة عمان "أشارت إلى استعدادها" للاحتفاظ ببعض الأموال الإيرانية في العراق، ورجحت "حدوث ذلك".

وأكدت واشنطن أنه لا يمكن استخدام الأموال إلا في أنشطة غير خاضعة للعقوبات وأن جميع المعاملات تحتاج إلى موافقة مسبقة من الولايات المتحدة.

صفقة المبادلة

ويعلق خواجة على ذلك بقوله: "سواء كانت الأموال في العراق أو في حسابات أخرى بالمنطقة، يبدو أن الاتفاق ينص على أنه لا يمكن لإيران سوى استخدام أموالها المقيدة لاستيراد السلع الإنسانية وغير الخاضعة للعقوبات".

 ومع ذلك، تحتاج البنوك، مثل المصرف العراقي للتجارة، عمليا، إلى تأمين تصريح منفصل لكل معاملة على حدة، ما يضيف إلى الاختناقات القانونية والتشغيلية الحالية.

 وهذا هو السبب في أن المبادلة المخطط لها للغاز الإيراني مقابل النفط الخام العراقي وزيت الوقود يمكن أن تؤدي إلى فرص جديدة لإيران.

وهنا يشير خواه إلى أن نسخة مختلفة من صفقة التبادل كانت سارية خلال السنوات القليلة الماضية وتنطوي على مبادلة الغاز الإيراني بكمية يومية من 80 شاحنة من النفط الخام تدخل إيران من كردستان العراق.

ويمكن تبرير هذا النهج في إيران بأن النفط الخام المستورد كان يغذي مصافي التكرير في محافظتي أراك وكرمانشاه الغربيتين، ما أدى إلى تحرير النفط الإيراني للتصدير من الموانئ في جنوب البلاد.

ومع ذلك، يمكن تصدير كميات أكبر من النفط العراقي، لكن سيصعب امتصاصها بسهولة محليًا في إيران. واعتمادًا على موقع التسليم، يمكن لإيران استخدام بعض زيت الوقود في صناعتها المحلية وتحرير الإمدادات للتصدير من موانئها الجنوبية.

وتتضمن الصفقة الجديدة تفاصيل عن كميات زيت الوقود والنفط الخام التي سيوفرها العراق لإيران مقابل 45 مليون متر مكعب في اليوم من الغاز الإيراني.

غير أن ما هو غير واضح في هذه المرحلة هو ما إذا كان العراق سيسلم بعض منتجاته مباشرة إلى عملاء إيران، ما قد ينقل مسؤولية التبادل مع العملاء إلى طهران.

ومن المحتمل أن تظهر تفاصيل العمليات في الأسابيع القليلة المقبلة، إذ اتفق الجانبان على مواصلة صفقة التبادل لمدة 6 أشهر ثم تقييم مدى فاعليتها.

ديناميات أعمق

ويلفت خواجه إلى أن هذه ليست المرة الأولى لتوظيف طهران اتفاقيات المبادلة باتجاه استخدام أكثر فعالية لموارد الطاقة الهائلة الخاصة بها، ففي عام 2021، وقعت أذربيجان وإيران وتركمانستان اتفاقية ثلاثية لتبادل الغاز، كما أبرمت إيران وأذربيجان اتفاقية لمبادلة الغاز مقابل الكهرباء لتوفير الطاقة لجيب ناختشيفان الأذربيجاني.

وإضافة لذلك، وقعت موسكو وطهران اتفاق مبادلة لمقايضة الغاز الروسي بالنفط الإيراني. وستسمح المقايضة الأخيرة لإيران بتغذية وحداتها البتروكيماوية الشمالية ومحطات الطاقة بالغاز الروسي مع تقديم النفط الخام والمنتجات البترولية للعملاء الروس.

ويلفت خواجه إلى أن القاسم المشترك في جميع اتفاقيات التبادل هو أن إيران ستوفر في نقل الغاز أو المنتجات البترولية، وأن تلك الاتفاقات ستخلق روابط تؤثر على أنماط الاستثمار وبناء القدرات في البلاد.

ويضيف أن النمط الأساسي لتصدير الطاقة في إيران، تمثل في استخدام موارد الغاز محليًا لتحرير النفط الخام والمنتجات البترولية للتصدير، إذ كان بيع النفط الخام للعملاء الدوليين أكثر انسجامًا مع النهج التجاري، خاصة أن تصدير الغاز عبر خطوط الأنابيب يخلق تبعيات طويلة الأجل وهي ظاهرة أرادت إيران، التي حاصرتها العقوبات، منعها.

وتتوقع طهران أن يكون تصدير المنتجات البترولية العراقية إلى قاعدة عملائها المتزايدة أكثر جدوى من إيجاد حلول لإعادة الأموال من بنك عراقي أو بنك إقليمي آخر.

ومع ذلك، "يبقى أن نرى ما إذا كانت سلطات إنفاذ العقوبات الأمريكية ستجد مشكلة في اتفاقية المبادلة الجديدة، حسبما يرى خواجه، مشيرا إلى أن بعض المسؤولين الأمريكيين يرجحون انتهاك الصفقة للعقوبات المفروضة على الصادرات الإيرانية.

غير أن خواجه يرجح أن تدفع التعقيدات الحالية للعلاقات الإقليمية نحو مرونة في التطبيق الفعلي للعقوبات في الوقت الحالي، ما سيسمح للاعبين الإقليميين بتطوير التعاون والعلاقات التجارية بشكل أكثر استباقية.

ويخلص خواجه إلى أن حلقة المبادلة الأخيرة بين إيران والعراق تظهر مرة أخرى مدى الترابط الذي وصل إليه الجاران خلال السنوات القليلة الماضية، إذ يعتمد العراق على صادرات الغاز الإيراني في توفير الكهرباء لشعبه وصناعته، وسيستمر هذا الاعتماد لأن العراق ليس لديه بديل على المديين القصير والمتوسط.

ومن ناحية أخرى، تحتاج إيران إلى العراق كسوق تصدير إقليمي رئيسي، وهذه ليست سوى أبعاد ثانوية لعلاقة متعددة الأوجه يصعب على أي طرف تعطيلها.

المصدر | الخليج الجديد + أمواج ميديا

  كلمات مفتاحية

إيران العراق بيجن خواجه

خط البصرة شلامجة.. مصلحة استراتيجية لإيران وتهديد للسعودية والكويت وميناء الفاو

كيف لتحالف جديد في الشرق الأوسط أن يعيد تشكيل مشهد الطاقة العالمي؟