كيف توازن إدارة بايدن بين دعمها اللامتناهي لإسرائيل وانتقاد حكومتها؟

الاثنين 7 أغسطس 2023 08:50 ص

تسعى إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى الموازنة بين التأكيد على دعم الولايات المتحدة اللامتناهي لإسرائيل، كحليف استراتيجي في منطقة الشرق الأوسط، وانتقاد حكومة تل أبيب الأكثر يمينية في تاريخ إسرائيل، ولا سيما بعد تصميم رئيسها بنيامين نتنياهو على اتخاذ إجراءات للإصلاح القضائي الإسرائيلي التي أثارت موجة غضب شعبي إسرائيلي، ورسمي أمريكي.

هكذا يمكن وصف العلاقات الثنائية بين الحليفين، وسط حالة من التوتر غير المسبوق تشهده الدولتين منذ عقود، حسب تحليل لمركز "الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية"، لافتا إلى أن نتنياهو، يتبنى، وفقاً للرؤية الأمريكية، بعض السياسات الداخلية والخارجية، التي من شأنها التأثير على قوة وروابط العلاقات التاريخية، والقيم والمبادئ التي يُؤسس عليها التحالف الاستراتيجي بين الولايات المتحدة وإسرائيل منذ أكثر من 7 عقود.

فعلى عكس الإدارات الأمريكية الديمقراطية والجمهورية السابقة التي كانت تُقدم لرؤساء الحكومات الإسرائيلية الجديدة حيال انتخابها دعوة لزيارة البيت الأبيض، للتعبير عن دفء وعمق العلاقات الأمريكية-الإسرائيلية، تأخر بايدن في توجيه الدعوة لنتنياهو، لزيارة واشنطن.

وتتعدد القضايا الخلافية بين إدارة بايدن وحكومة نتنياهو، التي أحدثت فتوراً غير معهود كثيراً في العلاقات الثنائية.

وعلى الرغم من عمل المسئولين الأمريكيين والإسرائيليين على حلها، مثل سماح تل أبيب للمواطنين الأمريكيين من أصول فلسطينية بدخول أراضيها بدون تأشيرات، فإنه لا تزال هناك قضايا خلافية متأزمة بين البلدين.

ومن أبرز هذه الخلافات، هو الرفض الأمريكي للإصلاحات القضائية الإسرائيلية، والتي تحد من صلاحيات المحكمة العليا، وتثير انقساماً حاداً واحتجاجات غير معهودة في إسرائيل.

ويرى المعارضون الإسرائيليون، أن نتنياهو الملاحق قضائياً في تهم فساد، يسعى لإقرار تلك الإصلاحات بهدف إلغاء أحكام محتملة ضده.

وانتقد البيت الأبيض، إقرار الكنيست الإسرائيلي بأغلبية ضئيلة بنداً رئيسياً في خطة الإصلاح القضائي المثيرة للجدل منذ أشهر.

ومن بين القضايا الخلافية أيضا، هو اتهام الحكومة اليمينية بـ"تدمير الديمقراطية"، فكثيراً ما كانت الإدارات الأمريكية الجمهورية والديمقراطية تروج لإسرائيل على أنها "واحة الديمقراطية" في منطقة الشرق الأوسط التي تفتقد إليها، وأن تلك الديمقراطية التي تتشارك فيها تل أبيب مع واشنطن تعمل على توطيد العلاقات الأمريكية-الإسرائيلية.

ولذلك فإن الإدارة الأمريكية، حسبما أشار توماس فريدمان في مقاله بصحيفة "نيويورك تايمز"، بعنوان "بايدن فقط يمكنه إنقاذ إسرائيل الآن"، ترى أن تقويض الحكومة الإسرائيلية اليمنية الديمقراطية الإسرائيلية سيهدم شيئاً ما في العلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية، والتي ربما لم تنجح تل أبيب في استعادتها مجدداً.

كما تُثير خطة الحكومة الإسرائيلية، التي تضم أعضاء قوميين متطرفين، لتوسيع المستوطنات الإسرائيلية في جميع أنحاء الضفة الغربية، وتغيير الوضع الراهن في الأماكن المقدسة، في وقت يتصاعد فيه العنف الإسرائيلي في الأراضي المحتلة، غضب الإدارة الديمقراطية في البيت الأبيض، لكونها تشكل عائقاً أمام حل الدولتين الذي تتبناه الإدارة لحل الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي.

وفي مؤشر على الغضب الأمريكي من التوسع الاستيطاني الإسرائيلي، أخطرت الإدارة الأمريكية إسرائيل في أواخر يونيو/حزيران الماضي، بأنها ستعيد فرض حظر، رفعته إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب في عام 2020، على استخدام تمويل دافعي الضرائب الأمريكيين في أي مشاريع بحث وتطوير أو تعاون علمي تُجرى في المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة، والقدس الشرقية، ومرتفعات الجولان.

ويتوقع بعض المراقبين الأمريكيين أنه مع استمرار التوتر في العلاقات الأمريكية الإسرائيلية، ومضي نتنياهو في مخططاته التي تهدد الديمقراطية الإسرائيلية، فإن بايدن قد لا يقابل رئيس نتنياهو في البيت الأبيض، ولكن قد يكون اللقاء على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة السنوية في سبتمبر/أيلول المقبل.

ووفق التحليل، فإن هذا "لا يمثل إنجازاً لرئيس الوزراء الإسرائيلي، ولكنه يحمل نوعاً من عدم التقدير الأمريكي للحكومة الإسرائيلية الحالية ورئيسها".

ويضيف: "الخلافات الأمريكية الإسرائيلية المتصاعدة راهناً سيكون لها جملة من التداعيات على الداخل الأمريكي، ولا سيما مع بدء الحملات الانتخابية للحزبين الجمهوري والديمقراطي للانتخابات الرئاسية المقرر لها في نوفمبر/تشرين الثاني 2024".

وتتمثل أبرز تلك التداعيات، في انقسام حزبي حول دعم إسرائيل، لا سيما قضية الإنفاق الحكومي والضرائب.

ويروج الحزب الجمهوري لنفسه على أنه الطرف الأمريكي الوحيد الذي يدعم إسرائيل بحزم في مواجهات "الأخطار الوجودية" لإسرائيل التي تتراوح من الإرهاب إلى تهديدات إيران نووية.

وكثيراً ما يعتبر الانتقادات الديمقراطية للسياسات الإسرائيلية بأنها "معادية للسامية"، ويعمل الجمهوريون على تسييس مواقف الديمقراطيين من السياسات الإسرائيلية.

وكشفت نتائج لاستطلاع للرأي لمؤسسة "جالوب" في مارس/آذار الماضي، عن الانقسام الحزبي حول دعم إسرائيل، أن هناك تزايداً في دعم الديمقراطيين للفلسطينيين في مقابل انخفاض نسب تأييدهم للإسرائيليين، والتي وصلت إلى 49% مقابل 38% على الترتيب.

ولكن لا تزال نسب تأييد الجمهوريين لإسرائيل مرتفعة، حيث وصلت إلى 78%، في مقابل تأييد 11% للفلسطينيين.

ومن تداعيات هذا الخلاف أيضا، هو استهداف المرشحين الجمهوريين لبايدن، الساعي للفوز بفترة رئاسية ثانية، وتصويره على أنه غير داعم لإسرائيل، وهو ما قد يفقده دعم الأمريكيين اليهود، الذين يعدون قوة تصويتية مهمة في الانتخابات الرئاسية، ويُنفِّر المانحين اليهود، أكبر المتبرعين في الانتخابات الأمريكية، من تقديم التمويل لحملة إعادة انتخابه.

ويثير هذا أيضا، تصاعد التيار الداعي لوقف المساعدات العسكرية الأمريكية لإسرائيل، وألا تكون "شيكاً على بياض"، في وقت أضحت الحكومة الإسرائيلية تعمل فيه ضد مصالح الولايات المتحدة علناً.

ودعا السفيران الأمريكيان السابقان لدى إسرائيل دان كورتزر ومارتن إنديك، لخفض المساعدات العسكرية لتل أبيب، لأنها لا توفر أي نفوذ أو تأثير للولايات المتحدة على القرارات الإسرائيلية.

كما يدعوان لنهج جديد للعلاقة بين الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل لا يركز على المساعدات الخارجية.

لكن الإدارة الأمريكية تعارض تلك الدعوات، حيث أعلنت وزارة الخارجية في 25 يوليو/تموز، أنه لن يكون هناك أي قطع أو توقف للمساعدات العسكرية لإسرائيل بعد تصديق الحكومة الإسرائيلية على التغييرات القضائية الأوّلية التي يخشى المنتقدون أن تُعرِّض استقلال المحاكم للخطر.

وأمام ذلك، تتعرض الإدارة الأمريكية لانتقادات متعددة لإخفاقها في ردع الحكومة الإسرائيلية عن اتخاذ سياسات تهدد الديمقراطية الإسرائيلية، وسياساتها العدوانية المتزايدة ضد الشعب الفلسطيني، خاصة أن بايدن وضع منذ اليوم الأول له في البيت الأبيض الدفاع عن الديمقراطية في الداخل والخارج على أجندة إدارته.

ورغم كل هذه الخلافات، يشير التحليل إلى أن بايدن الذي أعلن ترشحه لفترة رئاسية ثانية، لا يسعى إلى خوض معركة مكلفة سياسياً مع نتنياهو في وقت تتراجع فيه نسب تأييده بين الناخبين الأمريكيين، والانتقادات التي توجه له داخلياً.

ويضيف: "لذلك كانت تصريحات مسئولي الإدارة المنتقدة للسياسات الإسرائيلية مرتبطة باستمرار الالتزام الأمريكي القوي بدعم تل أبيب".

ويتابع: "كما أن بيان الإدارة الأمريكية للتعليق على تصويت الكنيست على بند رئيسي في خطة الإصلاح القضائي المثيرة للجدل لم يتضمن أي تلميح إلى أن الحكومة الإسرائيلية يمكن أن تواجه عواقب عملية، وهو الأمر الذي يكشف عن حدود قدرة بايدن على كبح جماح الحكومة الإسرائيلية اليمينية".

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

إسرائيل بايدن نتنياهو إصلاح القضاء فلسطين أمريكا

إسرائيل توقف صادراتها الأمنية إلى كولومبيا.. والأخيرة تعلق العلاقات الدبلوماسية