استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

الاستشراق مفتاح الإسلاموفوبيا وعدوانية حرق المصحف

الأربعاء 16 أغسطس 2023 12:27 م

الاستشراق مفتاح الإسلاموفوبيا والعدوانية وحرق المصحف

القضية تتعلق بالثقافة والحضارة أكثر منها متعلقة بالدين. والأمثلة قديمة على صناعة الآخر.

فى السويد كانت الكاثوليكية قد سبقت الإسلام فى التحيز ضدها. لكن سرعان ما تلاشى التحيز ضد الكاثوليكية، وحل «محلها الإسلام».

تعتبر مفردات استخدمها رئيس وزراء السويد عقب واقعة حرق المصحف باعتبارها نموذجًا ممتازًا لعملية «إنتاج» الآخر وصناعته صنعًا.

الوقوف على طبيعة الاستشراق بالغ الأهمية لفهم ما يحدث فى السويد وغيرها مثل الدنمارك، التى تشهد وقائع عدوانية كحرق المصحف.

الموقف من الإسلام سبق الإسلاموفوبيا الذى يظل أحدث تجليات الظاهرة فلا يمكن فهم الإسلاموفوبيا ذاتها بعيدًا عما مهد لها وأعطاها الشرعية، أى الاستشراق.

كانت السويد تاريخيًا كاثوليكىة ثم تحولت بروتستانتية فى القرن 17 وصارت النظرة للكاثوليكية نظرة دونية باعتبار الانتماء لها «يعبر عن غير المتعلمين» المعادين «للدين الحق» على حد قولهم وقتها!

* * *

تناولت فى المقال السابق وظيفة الإسلاموفوبيا فى المجتمعات الغربية، وعرضت المفردات التى استخدمها رئيس الوزراء السويدى عقب واقعة حرق المصحف باعتبارها نموذجًا ممتازًا لعملية «إنتاج» الآخر وصناعته صنعًا.

وفى نهاية المقال، أشرتُ إلى أن صناعة الآخر التى تستهدف «الإسلام» (هكذا بالجملة) موجهة للذين يأتون من العالمين العربى والإسلامى، بمن فيهم المسيحيون.

فالقضية تتعلق بالثقافة والحضارة أكثر منها متعلقة بالدين. والأمثلة قديمة على صناعة الآخر. إذ تجدر الإشارة إلى أنه فى السويد مثلًا، كانت الكاثوليكية قد سبقت الإسلام هناك فى التحيز ضدها.

فالسويد تاريخيًا كانت تنتمى للمذهب الكاثوليكى ثم تحولت عنه للبروتستانتية فى القرن السابع عشر. ومع الوقت صارت النظرة فيها للكاثوليكية نظرة دونية باعتبار الانتماء لها «يعبر عن غير المتعلمين» المعادين «للدين الحق» على حد قولهم وقتها! لكن سرعان ما تلاشى التحيز ضد الكاثوليكية، وحل «محلها الإسلام».

والموقف من الإسلام سابق على صك تعبير «الإسلاموفوبيا»، الذى يظل أحدث تجليات الظاهرة. ومن هنا، لا يمكن على الإطلاق حتى فهم الإسلاموفوبيا ذاتها بعيدًا عما مهد لها وأضفى عليها الشرعية، أى الاستشراق.

فالوقوف على طبيعة الاستشراق بالغ الأهمية لفهم ما يحدث فى السويد وغيرها من دول، مثل الدنمارك، التى تشهد وقائع عدوانية كحرق المصحف.

فبدون ذلك الإطار الفكرى سيظل تعاملنا مع تلك الممارسات لا يبارح مكانه، إذ هو الآن يقوم على منطق رد الفعل ويتناول تلك الممارسات بالقطعة، إذا جاز التعبير، أى تجاه كل حدث بمعزل عن غيره، فيفاجئنا فى كل مرة! وللدلالة على أهمية منظومة الاستشراق.

تجدر الإشارة إلى أن السويد تحديدًا تزامن فيها تناول الإسلام والمسلمين منذ القرن التاسع عشر بالاحتفاء بدراسات المستشرقين، التى تغلغلت فى كل أوجه الحياة الغربية من القانون للتعليم ووصولًا لصياغات العلوم الاجتماعية والإنسانية.

وأهم من قدم نقدًا للاستشراق وكيفية «صناعة» الإسلام والمسلمين فى الغرب لم يكن مسلمًا وإنما كان مسيحيًا بروتستانتيا فلسطينيا. فلا يمكن بحال فهم تلك الظاهرة دون إرجاع الفضل للمفكر الراحل إدوارد سعيد.

عاش إدوارد سعيد، الأمريكى ذو الأصول الفلسطينية، سنى طفولته بالقاهرة، إذ نشأ، كما جاء فى مذكراته، بين فلسطين ومصر ولبنان قبل أن تنتقل عائلته للولايات المتحدة. وإدوارد سعيد، أستاذ الأدب الإنجليزى بجامعة كولومبيا من أهم مفكرى القرن العشرين (توفى عام 2003).

ورغم أن كتابات الرجل كلها تمثل إرثًا فكريًا بالغ الأهمية، إلا أن إسهامه الأهم كان كتابه «الاستشراق» الذى ظهرت أولى طبعاته فى نهاية السبعينيات، ويظل من أهم الدراسات الأكاديمية على الإطلاق.

قدم إدوارد سعيد نقدًا للدراسات «الأكاديمية» الغربية فى تناولها الأيديولوجى، لا العلمى، المنحاز ضد ما يسمونه «الشرق» و«الإسلام». وكتاب الاستشراق يعتبر، فى تقديرى، من أهم الكتب العلمية قاطبة وأكثرها تأثيرًا طوال القرن العشرين.

فقد كان له تأثيره واسع النطاق فى كل مكان فى العالم وأحدث ثورة فى مناهج البحث لأكثر من فرع من فروع العلوم الاجتماعية، بدءًا بالأنثروبولوجيا ودراسات ما بعد الكولونيالية ودراسات أمريكا اللاتينية والدراسات الآسيوية والإفريقية، ومرورًا بالدراسات النسوية ووصولًا لدراسة الأقليات.

لكن المفارقة الجديرة بالتأمل هى أن المنطقة الوحيدة من العالم التى لم يكن لكتاب إدوارد سعيد فيها تأثير يُذكر كانت عالمنا العربى! فلا هو أثّر فى دراسة مجتمعاتنا، ولا كان له تأثير يُذكر فى مناهج البحث فى العلوم الاجتماعية عندنا، كما سأحاول شرحه فى مقالات قادمة.

*د. منار الشوربجي أستاذ العلوم السياسية، خبيرة في الشأن الأمريكي

المصدر | المصري اليوم

  كلمات مفتاحية

الغرب الشرق الإسلام إسلاموفوبيا الاستشراق السويد الدنمارك عدوانية حرق المصحف الكاثوليكية صناعة الآخر إدوارد سعيد