استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

احتلال غزة لن يكون نزهة عابرة

الثلاثاء 24 أكتوبر 2023 05:18 ص

احتلال غزة لن يكون نزهة عابرة

الاجتياح البري لقطاع غزة ممكن بالتأكيد من ناحية الحسابات العسكرية المجردة، لكنه سيكون بكل تأكيد عملية بالغة التكلفة بالنسبة للجيش الإسرائيلي.

في غزة يرتكب الاحتلال المجازر اليومية ويقصف المدنيين والأطفال بعشوائية، وقد يحاول الدخول إلى غزة براً، سواء باجتياح شامل أو بعملية عسكرية محدودة.

في لبنان كان الإسرائيليون قد ارتكبوا من المجازر والفظائع أكبر بكثير مما تكبدوا من خسائر، لكن المشروع الإسرائيلي في لبنان انتكس وخسر واندثر في نهاية المطاف.

هل يمكن أن ينجح مشروع الاحتلال في القطاع؟ أم سيواجه نفس المصير من قبل في لبنان، وسيغرق بمستنقع كالذي ظل فيه لـ38 عاماً من قبل؟ لننتظر المآلات والنتائج.

الاجتياح البري مغامرة عسكرية ليست محدودة التكلفة، وليست نزهة عابرة، وقد تبدأ كعملية عسكرية محدودة، ثم تتدحرج أكبر من ذلك بكثير، خاصة إذا اندلعت حرب شاملة مع حزب الله.

* * *

أغلب الظن أن إسرائيل اتخذت قرارها بالدخول برياً إلى قطاع غزة، والمجازر الحالية والقصف الوحشي العنيف والعشوائي، ليس سوى تهيئة لهذا الدخول وتمهيد الأرض، من أجل اجتياح مناطق تم إنهاكُها وحرقُها، أما الشيء الوحيد الذي ينقص الإسرائيليين في هذه المناسبة فهو وجود أرييل شارون الذي حاصر بيروت في عام 1982 ثم اجتاحها برياً قبل أن يولي هارباً من هناك في العام التالي.

إسرائيل كانت قد احتلت قطاع غزة في عام 1967 وظلت هناك حتى عام 2005 عندما قررت الانسحاب بقرار منفرد أطلقت عليه اسم «خطة فك الارتباط أحادية الجانب»، وفي ذلك الحين أخلى الإسرائيليون 21 مستوطنة كانت في غزة وفروا من هناك بعد أكثر من 38 عاماً على احتلال القطاع.

وبعد أقل من عامين على ذلك الهروب الإسرائيلي سيطرت حركة حماس على القطاع، وتقاسمت مع الفلسطينيين الغنائم التي تركها المستوطنون وراءهم، وأطلقت على المستوطنات التي تم إخلاؤها اسم «المحررات».

خلال الأعوام الـ38 المشار لها كان الاحتلال مكلفاً وباهظ الثمن، بالنسبة للإسرائيليين، وكان العائد على هذا الاحتلال أقل من تكلفته، والأهم من ذلك أن احتلال غزة لم يضمن للإسرائيليين الأمن مطلقاً، بل كان أحد مصادر التهديد الأمني الذي يعاني منه الإسرائيليون في الجنوب، كما أن انتفاضة الأقصى التي اندلعت في أواخر عام 2000 كان القطاع أحد أهم ساحاتها.

فكانت النتيجة المنطقية والطبيعية هي أن الاحتلال قرر الانسحاب، وإخلاء هذه المناطق التي شكلت استنزافاً لجيشه طوال ثلاثة عقود من الزمن. يريد الإسرائيليون اليوم العودة مرة أخرى إلى قطاع غزة، ظناً منهم أن الاجتياح البري المباشر يُمكن أن يوفر تأميناً لمناطقهم في الجنوب مثل «سديروت» وعسقلان وأسدود وغيرها.

والحقيقة أنها مغامرة عسكرية لا يُمكن أن تكون محدودة التكلفة، ولا يُمكن أن تكون بمثابة نزهة عابرة، كما أنها قد تبدأ كعملية عسكرية محدودة، ثم تتدحرج إلى أكبر من ذلك بكثير، خاصة إذا ما اندلعت حرب شاملة مع حزب الله في الشمال.

وإذا ما تحولت الاحتجاجات السلمية في الأردن إلى عمليات تسلل على حدود طولها 700 كيلومتر، سيجد الجيش الإسرائيلي في النهاية نفسه مشتتاً وموزعاً على عدة جبهات يتم استنزافه من خلالها.

الاجتياح البري لقطاع غزة ممكن بالتأكيد من ناحية الحسابات العسكرية المجردة، لكنه في المقابل سيكون بكل تأكيد عملية بالغة التكلفة بالنسبة للجيش الاسرائيلي، كما أن تكلفتها السياسية لحكومة ضعيفة مثل حكومة نتنياهو ستكون باهظة أيضاً، بالإضافة إلى أن قطاع غزة قد يكون مستنقعاً ينزلق إليه الإسرائيليون لشهور، أو ربما لسنوات ومن ثم يفشلون في تحقيق غاياتهم وأهدافهم، بل ربما يفتح عليهم جبهاتٍ أخرى عديدة.

وبالعودة إلى تجربة عام 1982 فقد حاصر الإسرائيليون بيروت لأكثر من ثلاثة شهور، ومن ثم انتهى ذلك الحصار بخروج قوات منظمة التحرير الفلسطينية وتشتيتها في عدة دول عربية، ثم اجتاح الإسرائيليون بقيادة شارون بيروت وارتكبوا فيها المجازر البشعة، وظنوا حينها أنهم انتصروا وتمكنوا من القضاء على معارضيهم.

بل ذهبوا إلى أبعد من ذلك عندما كانوا يطمعون بتنصيب نظام سياسي انعزالي وموال لهم في لبنان، ليتبين سريعاً أنهم فشلوا وخسروا وأن مشروعهم في لبنان انتكس، وما هي إلا شهور قليلة حتى انسحبوا من بيروت تحت ضربات المقاومة اللبنانية التي لم تكن أقل شراسة من قوات منظمة التحرير التي تم إبعادها عن لبنان.

لم تتوقف المقاومة اللبنانية عند طرد الاحتلال من العاصمة بيروت، بل لاحقت الاحتلال إلى الجنوب، واستمرت حتى اضطر الإسرائيليون إلى الهروب الكبير في عام ألفين، بل حتى سرعان ما تبخرت الميليشيا العميلة له، التي كان يقودها الجنرال أنطوان لحد، والنتيجة أن لبنان ومقاومته الوطنية ظلا موجودين صامدين. أما الاحتلال وعملاؤه فاندحروا ولم تقم لهم قائمة في لبنان.

والنتيجة المهمة التي نود الوصول إليها هي أن الحروب والصراعات الكبرى لا تُقاس بالمسارات وإنما بالمآلات، كما أنها لا تُقاس بالقطعة وإنما بالجملة، وبمعنى آخر فليس المهم من خسر أكثر في المعركة، وإنما النتيجة النهائية آلت لأي من الأطراف المتصارعة.

وفي المثال اللبناني كان الإسرائيليون قد ارتكبوا من المجازر والفظائع أكبر بكثير مما تكبدوا من خسائر، لكن المشروع الإسرائيلي في لبنان انتكس وخسر واندثر في نهاية المطاف، وما يحدث اليوم في غزة هو أن الاحتلال يرتكب المجازر اليومية ويقصف المدنيين والأطفال بعشوائية، وقد يدخل إلى غزة براً، سواء باجتياح شامل أو بعملية عسكرية محدودة، لكن السؤال المهم:

هل يمكن أن ينجح مشروعه في القطاع؟ أم سيواجه المصير نفسه الذي واجهه من قبل في لبنان، وسيغرق في مستنقع كذلك الذي ظل فيه لـ38 عاماً من قبل؟ لننتظر المآلات والنتائج.

*محمد عايش كاتب صحفي فلسطيني

المصدر | القدس العربي

  كلمات مفتاحية

لبنان فلسطين قطاع غزة الاحتلال الاجتياح البري منظمة التحرير المقاومة اللبنانية المشروع الإسرائيلي