استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

الكفاءة السياسـية كمدخل لكل أمن

الأربعاء 24 فبراير 2016 06:02 ص

الكفاءة السياسية كمدخل لكل أمن

منذ بضعة أيام حضرت ندوة عن مشاكل المياه في دول مجلس التعاون الخليجي. لقد غطت الأوراق الأربع، المكتوبة بحرفية معرفية عالية المستوى، الكثير من الجوانب الفنية والتنظيمية لمشكلة المياه في هذه المنطقة الصحراوية الجافة.

مثل التناقص الشديد في كمية الأمطار، والتراجع في كميات المخزون الأرضي بسبب الزيادة الرهيبة في استهلاك المياه الناتجة بصورة أساسية عن الزيادة المطردة في عدد سكان دول مجلس التعاون، جراء استقدام الملايين من العمال والمقيمين والمجنسين، والتبذير في استهلاك المياه بسبب بعض العادات الاجتماعية وقلة الوعي البيئي، وهيمنة عقلية وثقافة الاقتصاد الريعي، الذي يؤدي إلى مجتمع مدني غير معني بحاجات المستقبل وبحقوق أجيال ذلك المستقبل، مثل عدم الاستفادة الكفوءة من إعادة استعمال مياه الصرف الصحي، الذي يذهب جزء كبير منها هدرا ليتبخر أو يصب في البحار أو يتسرب إلى المياه الجوفية.

في مجملها خرجت الأوراق بنتيجة مشتركة وهي إمكانية انعدام الأمن المائي في المستقبل القريب، وبالتالي حتمية مواجهة مجتمعات الدول الست لمصاعب حياتية معيشية كبيرة، لكن مناسبة انعقاد تلك الندوة واهتمامها الشديد بموضوع الأمن المائي تطرح سؤالين محوريين.

الأول: هل أن انعدام الأمن المائي هو ظاهرة تختص بها دول الخليج العربي؟ أم أنها ظاهرة عربية قومية بامتياز، تشمل كل أقطار الوطن العربي؟ وبالتالي فإن علاجها يحتاج أن يتناغم ويتكامل مع العلاج العربي الشامل.

العراق وسوريا، مثلا، يواجهان الآن تناقصا حادا في كميات مياه نهري دجلة والفرات. لقد اعتقد القطران منذ العشرينيات من القرن الماضي بأن لديهما أمنا مائيا بسبب اتفاقات قديمة مع تركيا تصنف النهرين كأنهر دولية، لا يمكن المساس بمياههما إلا بموافقة دولة المنبع ودولتي المصب. لكن شبه الانهيار الكامل لسلطة الدولة في القطرين، بسبب الصراعات الداخلية، وتكالب الخارج المتآمر، جعلهما غير قادرين على حماية حقوقهما المائية. والأمر نفسه ينطبق على مياه نهر النيل التي تتراجع كمياتها بسبب تآمر إثيوبي ـ صهيوني لإضعاف مصر ولي ذراعها، وعلى مياه نهر الأردن التي يتعاظم استنزافها من قبل الكيان الصهيوني، وعلى مياه نهر الليطاني في لبنان التي تتهددها الأطماع الصهيونية.

تلك أمثلة فقط على الترابط الوثيق بين الأمن المائي، ومثله الأمن الغذائي والدوائي وغيرهما، وبين الأمن العسكري. ولأن الأمن العسكري القطري سيبقى هشا وقابلا للانكسار، كما حصل في العراق وسوريا، فإن الأمن العسكري العربي، على المستوى القومي، سيبقى هو الحل. ونحن نورد مثال الترابط بين الأمن المائي على المستوى المحلي والمستوى القومي وبين الأمن العسكري على المستوى القومي لنعيد التذكير بان كل الحلول المحلية لأي أمن مطلوب، وفي أي ساحة، لن يكون أمنا صلبا وقابلا للديمومة، إلا إذا كان تحت مظلة الأمن القومي العربي الشامل. ولن يستفيد أحد من التشكيك في تلك البديهة.

أما السؤال الثاني فهو: هل كان بالإمكان تجنب وصول مجتمعات مجلس التعاون إلى المشاكل المائية التي تواجهها الآن؟ هذا موضوع لكتاب، ولكن لنذكر بعض الأمثلة كجواب جزئي على السؤال. المثال الأول هو أنه منذ أكثر من ثلاثين سنة طرح البعض فكرة ربط شط العرب بقنوات مياه تصب في دول الخليج العربية. لكن دخول العراق في مغامرات جنونية لا معنى لها، وتردد بعض قيادات الخليج العربية قضى على تلك الفكرة. وكالعادة ضاعت فرصة ذهبية لربط العراق ربطا حياتيا بأخواته دول مجلس التعاون بسبب بلادات الحياة السياسية العربية.

المثال الثاني هو أنه منذ أكثر من ثلاثين سنة قدمت اقتراحات بشأن اتفاق دول مجلس التعاون على إنشاء محطتين بحريتين أو أكثر، لتفريغ ومعالجة مخلفات السفن الناقلة للبترول بدلا من تفريغها مباشرة في مياه الخليج وتلويثه.

لقد كان في ذهن المقترحين المحافظة على الثروة السمكية في الخليج ومساعدة محطات تحلية المياه حتى لا تواجه مشاكل التلوث. ومرة أخرى تجاهلت دول مجلس التعاون المقترح لتواجه اليوم تناقص الثروة السمكية وتعقيدات التلوث في محطات تحلية المياه.

المثال الثالث هو العشرات من التوصيات التي قدمت بشأن عدم الشطط في التوسع العمراني والتوسع السكاني، إلا للضرورات القصوى، بدون أن يرافقهما توفر آمن للماء والغذاء والخدمات الاجتماعية العامة والخاصة وعدم الإضرار بالهوية الثقافية. لكن مجلس التعاون لم ينجح في مواجهة هذا الموضوع المعقد واتخاذ قرارات ملزمة تضبط هذه الأخطار الأمنية.

المثال الرابع هو الأصوات التي بحت وهي تنادي بضرورة بناء القدرات البحثية والتطويرات التكنولوجية في الجامعات وفي مراكز بحوث متخصصة من أجل عدم الارتهان للخارج بالنسبة لمواضيع عديدة، من بينها بناء صناعة وطنية لتحلية المياه، من منطلق أن تحــــلية المـــياه في هذه المنطقة الجافة القاحلة أصبح قضية حياة أو موت لمستقبل المجتمعات والأجيال. وهذا الموضوع لم يعالج أيضا بالجدية الكافية، رغم توفر المال لعمل كل ذلك وأكثر.

إذن فمواضيع الأمن في أي ساحة، وعلى أي مستويات، ليست مواضيع فنية فقط أو محدودة في حقل مستقل منعزل. إنها مواضيع ترتبط باتخاذ قرارات سياسية كبرى، سواء على المستوى الوطني أو على المستوى القومي. وهنا تكمن الكوارث العربية حيث يهيمن على السياسة الجهل والإهمال وقصر النظر، فينعدم الأمن في كل شيء.

٭ د. علي محمد فخرو مفكر وسياسي بحريني

  كلمات مفتاحية

المياه مجلس التعاون الخليجي منتدى التنمية الخليجي الاقتصاد الريعي