استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

نحو ثقافة سياسية عربية متجددة

الخميس 15 فبراير 2024 11:55 م

نحو ثقافة سياسية عربية متجددة

كان الإعلام يهتم بالفكر والقيم في كل موضوع يناقشه، مع مفكر أو مسؤول أو فرد عادي، أما اليوم فتتركز النقاشات على أحداث عابرة وأبطالها.

الخروج من المأزق الثقافي السياسي العربي الراهن سيكون في صالح الجميع، وكل ما يرجوه الإنسان أن لا يقف أحد في وجه المناقشات الموضوعية الصادقة.

أحرى بنا في هذا الوطن أن نقوم بأكثر من ذلك، إذا كنا نريد للشباب أن يلعبوا أدواراً نضالية وإصلاحية في مجتمعاتهم وأن يخرجوا من التّيه الذي يعيشون فيه.

يزداد الوضع خطورة بعد أن أصبحت لوسائل التواصل الاجتماعي مكانة شبه مقدسة في حياة الشباب، وبعد أن نجحت تلك الوسائل في تهميش وسائل الإعلام الكلاسيكية.

منحى جديد في الثقافة السياسية، مستقل عن الأحزاب العقائدية الشاملة، ستكون له انعكاسات سلبية كثيرة على الممارسات المجتمعية السياسية مستقبلاً والتكوين الثقافي للفرد.

* * *

في لحظة الضياع والأمراض المجتمعية الكثيرة، التي تعيشها الآن مجتمعات العالم، وعلى الأخص مجتمعات القيادة الحضارية التاريخية الكلاسيكية في دول الغرب الأوروبية والأنكلوسكسونية، بدأت تظهر إشكالية ثقافية معقدة، هي إشكالية التثقيف السياسي لأجيال المستقبل.

وتكثر الكتابات والمناقشات هناك حول البدائل الثقافية السياسية لأجيالهم الشابة، بعد أن تراجعت الأيديولوجيات السياسية السابقة، التي انتمت في أغلبها في الماضي إلى أحد البديلين: تيار اليسار أو تيار اليمين.

لقد كانت في الماضي تعريفات ومبادئ وأساليب عمل التيارين ناضجة وواضحة ومتفقا عليها، وكانت الحكومات والأحزاب والحياة السياسية في غالبيتها الساحقة تصنف بخصائص أحد التيارين.

أما اليوم، وبعد أن ارتفع صوت شعار التعددية الثقافية في كل مكان، ما عاد الحديث يقتصر على الانتماء إلى أحد التيارين فقط، وإنما أيضاً، وبالقوة نفسها، الانتماء إلى ثقافات سياسية فرعية مثل ثقافة الخضر، الذين يهتمون أساساً بالبيئة، أو الثقافة النسوية الذين يهمهم في الدرجة الأولى قضايا المرأة إلى غير ذلك من عشرات الثقافات الفرعية. وهذه الثقافات لا ترضى أن تكون جزءاً منضوياً تحت أحد التيارين الكبيرين، وإنما تريد أن تكون لها الأولوية والاستقلالية والخصوصية الذاتية.

هذا المنحى الجديد في الثقافة السياسية، واستقلاله على الأخص عن الأحزاب الكلاسيكية العقائدية الشاملة، ستكون له انعكاسات سلبية كثيرة على الممارسات المجتمعية السياسية مستقبلاً، وستكون له أيضاً آثار سلبية على التكوين الثقافي العام للفرد.

ولعل بدايات تلك الانتكاسات تشاهد وتسمع الآن في الوسائل الإعلامية الكثيرة، لقد ذهبت تلك الأيام التي كان الإعلام فيها يهتم بالفكر والقيم في كل موضوع مجتمعي يطرحه ويناقشه، سواء مع مفكر أو مسؤول أو فرد عادي، إذ تتركز النقاشات في أيامنا على أحداث عابرة وأبطالها، دون الالتفات للفكر والقيم الفلسفية التي تقف وراء تلك الأحداث.

ويزداد الوضع خطورة بعد أن أصبحت لوسائل التواصل الاجتماعي مكانة شبه مقدسة في حياة الشباب، وبعد أن نجحت تلك الوسائل في تهميش وسائل الإعلام الكلاسيكية.

وبالطبع فإن كل ما ذكرنا سيكون ظاهرة عولمية في عالم يتجه إلى أن يكون شبه قرية واحدة، وأن يكون متماثلاً في سياساته الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وهنا بيت القصيد، إذ بالطبع ستكون له آثاره السلبية على شباب وشابات الوطن العربي.

هذا الوطن الذي ضعفت إرادته الحضارية الذاتية، وأصبح مستباحاً من قبل قوى كثيرة، تساهم في ذلك الضعف، من أجل أطماعها وعداواتها وهلوساتها التي لا تقف عند حد.

في هذا الوطن تميزت مسيرة التثقيف السياسية في الماضي للشابات والشباب، بأنها كانت تبدأ في المدرسة الثانوية أو الجامعة، التي كانت تعج وتموج بنشاطات ومواقف ومناقشات سياسية لا تهدأ، لتنتقل بعد التخرج إلى ساحات الأحزاب السياسية، حيث يتعمق التثقيف السياسي بشكل أكبر، ويرتبط بأفعال نضالية تقويه وتحسنه.

لكن في أيامنا التي نعيش، وبسبب إشكالات الأجواء الثقافية السياسية التي وصفنا تناميها في العالم كله مؤخراً، ما عادت المدرسة الثانوية ولا الجامعة ولا الأحزاب قادرة على أن تلعب أدوارها السابقة في تثقيف الشباب والشابات بثقافة سياسية فكرية عميقة ومتوازنة وشاملة، ومرتبطة بالتزامات عضوية نحو مجتمعاتها، خاصة بعد أن أصبحت محل مراقبة مشددة من قبل قوى أمنية وسياسية متعددة تحاسبها على كل تعبير، وعلى كل موقف يختلف مع نظام الحكم.

من هنا أهمية ما نود طرحه من أسئلة وإجابات حول هذا الموضوع برمته بالنسبة لشباب وشابات الأمة، وبالنسبة للمسؤوليات التي يجب أن تضطلع بها الأحزاب والمؤسسات التعليمية العالية وعلى الأخص ووسائل الإعلام، فإذا كان الغرب المتقدم القوي الواثق من قدراته، أصبح يفتش عن حلول للضعف الثقافي السياسي الالتزامي الذي أصاب شبابه، فأحرى بنا في هذا الوطن أن نقوم بأكثر من ذلك، إذا كنا نريد للشابات والشباب أن يلعبوا أدواراً نضالية وإصلاحية في مجتمعاتهم وأن يخرجوا من التّيه الذي يعيشون فيه.

ومن البداية نحذر من أن تكون محاولتنا، سواء من قبل مفكرينا ومثقفينا أو من قبل قيادات حياتنا السياسية العربية، محاولة تقليد لما يفعله الغرب بالذات، ذلك أن أولوياتنا وطبيعة هويتنا العروبية التاريخية، واندماج الثقافة الإسلامية في كل مرافق الحياة العربية يحتمون أن تكون المحاولة العربية إبداعية ذاتية مستقلة، لها أولوياتها ومنهجيتها وخصوصية قواها التي ستقوم بتلك المحاولة.

ومن البداية نأمل أن يكون موضوعاً يناقشه الجميع مهما كانت خلفياتهم الفلسفية والفكرية والقيمية. إن الخروج من مستجدات المأزق الثقافي السياسي العربي الحالي سيكون في صالح الجميع، وكل ما يرجوه الإنسان هو أن لا يقف أحد أو تقف أية جهة في وجه المناقشات الموضوعية الصادقة باسم أي شعار تثبيطي مزيف أصبح يملأ الأرض العربية حالياً مع الأسف.

*د. علي محمد فخرو سياسي بحريني، كاتب قومي عربي

المصدر | الشروق

  كلمات مفتاحية

العرب اليسار اليمين الأحزاب الإعلام التكوين الثقافي الفكر والقيم الجيل الجديد ثقافة سياسية أحداث عابرة وسائل التواصل الاجتماعي