جذور فتنة «الدولة الإسلامية»

الثلاثاء 11 نوفمبر 2014 10:11 ص

«أن تُقتل.. فهذا انتصار، أنت تحارب أناسًا لا يُهزمون، إما أن ينتصروا أو يُستشهدوا»؛ تلك أحد التصريحات الارتجالية التي خرجت في سبتمبر/أيلول الماضي على لسان المتحدث باسم تنظيم «الدولة الإسلامية»، «أبو محمد العدناني» حينما أراد أن يشرح المزايا الفطرية للجماعة الناطق باسمها، الأمر - ليس مجرد ما قد يسميه البعض – أيدلوجية لكنه ببساطة الدين؛ فمقاتلوا «الدولة الإسلامية» ليسوا فقط على استعداد للموت في بريق النشوة الدينية، بل يتمنونه معتقدين أنه يفتح لهم بابًا مباشرًا نحو السماء. هل ذلك الأمر يتفق مع العقل أم لا؟.. ذلك لا يشغلهم، المهم أنهم يؤمنون به.

علماء السياسة - وأنا واحدٌ منهم - يميلون إلى رؤية الدين والأيدولوجيا والهوية عبارة عن شيء أبعد من مجرد كونه ظاهرة – بمعنى أنها منتجات لمجموعة معينة من العناصر، نحن – كسياسيين - مُدربون للإيمان بأولوية «السياسة»؛ وهذا ليس صحيح بالضرورة، لكنه أحيانًا قد يعترض طريق سلطة مُستقلة من الأفكار الظاهرة، فهذا الأمر بالنسبة لكثير من دول العالم الغربي أمرٌ غريب وعفى عليه الزمن، وكما كتب «روبرت كاجان» مؤخرًا، لربع قرن من الزمان؛ أُخبر الأمريكيون أنه في نهاية التاريخ يكمن الملل وليس صراع كبير، صعود «الدولة الإسلامية» ليس سوى النموذج الأكثر تطرفًا من الطريقة التي فشلت بها الليبرالية الحتمية – فكرة أن التاريخ يتحول بالنية نحو مستقبل علماني أكثر معقولية - في توضيح واقع منطقة الشرق الأوسط، ويتحتم الآن أن نضع في الحسبان أن الأغلبية الكاسحة من المسلمين لا يحملون نفس وجهة نظر «الدولة الإسلامية» عن الدين، ولكن هذا ليس حقًا السؤال الأكثر إثارة للاهتمام أو حتى السؤال المناسب، صعود تنظيم «الدولة الإسلامية» لديه شيءٌ يفعله مع الإسلام، لكن ما هو هذا الشيء؟

«الدولة الإسلامية» و«الخلافة»

تستقي «الدولة الإسلامية» - بل وتستمد قوتها - من أفكار لها صدى واسع بين الأغلبية المسلمة، قد لا أتفق مع تفسير «الدولة الإسلامية» لمصطلح الخلافة، ولكن فكرة الخلافة - ككيان سياسي تاريخي تحكمه الشريعة الإسلامية والتقاليد – هو مصطلح قويٌ حتى بين المسلمين علمانيّ التفكير، الخلافة – التي لم تُوجد منذ عام 1924م – هي تذكير لكيفية تعرض أحد أعظم الحضارات في العالم لسقوط مدوٍ، الفجوة بين ما كان عليه المسلمون وما هم عليه الآن في بؤرة الغضب والإذلال الذي حرك العنف السياسي في الشرق الأوسط، ولكن هناك أيضا شعور بالخسارة والشوق لنظام سياسي شرعي نجح على مدى قرون مضت قبل أن يصيبه التفكك البطيء والنهائي، منذ ذلك الحين والمسلمون - والعرب المسلمين خاصة - يكافحون من أجل تحديد ملامح نموذج سياسي مناسب لمرحلة ما بعد إعلان الخلافة.

وعلى النقيض؛ فإن المجتمع المسيحي في مهده كما يقول المؤرخ الأمريكي «مايكل كوك»: «افتقر إلى تصور وجود دولة مسيحية في جوهرها»، وكان على استعداد للتعايش مع وحتى الاعتراف بـالقانون الروماني، ولهذا السبب؛ فإن ما يشبه «الدولة الإسلامية» ببساطة لا يمكن أن يتواجد في المجتمعات ذات الأغلبية المسيحية، ولا حتى الحركات الإسلامية الواقعية المعروفة التي تعارض «الدولة الإسلامية» وتقبل الحكم الإسلامي، وفي الوقت الذي توجد فيه القليل من القواسم المشتركة مع المتطرفين الإسلاميين - في الوسائل والغايات – فإن جماعة «الإخوان المسلمين» والعديد من الحركات التي انبثقت عنها أو تنتمي لها لديها رؤية خاصة للمجتمع الذي يُنزِل الإسلام والشريعة الإسلامية على الحياة العامة، الغالبية العظمى من المسيحيين في الغرب – بما فيهم المحافظين - لا يمكنهم تصور نظام قانوني اجتماعي شامل يرتكز على الدين. ومع ذلك، فإن الغالبية العظمى من المصريين والأردنيين يثقون في إمكانية حدوث ذلك بل والقيام به.

هذا هو السبب وراء خطاب النوايا الحسنة «هم ينزفون مثلنا تمامًا؛ هم يريدون تناول السندويشات وتربية أطفالهم مثلما نفعل» الذي هو بمثابة ذر الرماد في العيون، بعد كل شيء؛ يمكن للمرء أن يحب تناول السندويشات وفي الوقت ذاته يريد السلام أو أي شيء آخر بينما يؤيد عقوبة الإعدام بتهمة الردة كما ظهر في استطلاع رأي مركز «بيو» الأمريكي كما أظهرت نسبة 88٪ من المسلمين المصريين و83% من المسلمين الأردنيين عام 2011م (وفي نفس الاستطلاع، قال 80% م المصريين الذين شملهم الاستطلاع أنهم يفضلون رجم الزناة المتزوجين بينما أيد 70% قطع يد السارق)، استطلاعات الرأي في العالم العربي بمثابة العلم الدقيق، ولكن حتى مع افتراض أن هذه النتائج تبالغ بشكل كبير في تأييد «العقوبات» التي نص عليها الدين فدعنا نقول أن هذا التأييد لا يزال ربما يدعونا للتأمل.

الحركات الإسلامية المعتدلة في العالم العربي بين النظرية والتطبيق

ومن الجدير بالذكر أن الحركات الإسلامية المعتدلة في العالم العربي لم تعد تُضمن تطبيق حدود السرقة، والزنا، والردة في برامجها السياسية، ونادرًا ما تناقشها في العلن. وفي هذا السياق، فإن متوسط أعداد الناخبين المصري أو الأردني يميل إلى جانب الأحزاب الإسلامية الرئيسية في بلدانهم.

وعلى أية حال؛ فإن هناك أمثلة أكثر تطرفًا، والمُشكلة في أنها تؤمن بالحدود على اعتبار أنها رمز للإسلام الحديث؛ أو من وجهة النظر تلك القانون الإسلامي بطريقة أو بأخرى حديثة، أو لتلك المسألة، والقانون الإسلامي قبل العصر الحديث لما قبل الحداثة، والشيء الأكثر أهمية هو كيف تكون وجهة النظر العربية متسقة مع القانون الإسلامي فيما يخص قضايا مثل: المساواة بين الجنسين، وحقوق الأقليات، ودور رجال الدين في صياغة التشريعات الوطنية. على سبيل المثال؛ لماذا يقول 24٪ فقط من النساء في مصر - وفقا لاستطلاع «يوجوف» إبريل/نيسان 2011م – أنهن سيدعمن رئيس امرأة؟ قد يسميه البعض «ثقافة»، وليس بالضرورة «إسلام» وهذا يشكل عاملاً رئيسيًا، ولكن سيكون من الصعب أن ندعي أن الدين ليس له علاقة بهذه الاتجاهات، ومن المفترض أن الإسلام لديه على الأقل ما يفعله تجاه السبب وراء قول 51٪ من الأردنيين - وفقًا لاستطلاع «الباروميتر العربي» عام 2010م – أن النظام البرلماني الذي يسمح بالمنافسة الحُرة لكن فقط بين الأحزاب الإسلامية مناسب إلى حد ما، أو مناسب فقط، أو مناسب جدًا.

الإسلام بطبعه مُميز في ارتباطه بالسياسة، وليس بالضرورة أن ننظر لهذا الأمر على أنه جيد أو سيئ، عند المقارنة مع الأديان الأخرى فإن ذلك يساعد في كشف ما يجعل منه جيد أو سيئ، على سبيل المثال؛ رئيس الوزراء الهندي «نارندرا مودي» وحزب «بهاراتيا جاناتا» الحاكم ربما من القوميين الهندوس، لكن المسافة الأيدلوجية بينهم وبين حزب «المؤتمر» العلماني ليست كبيرة كما قد يبدوا بشكل جزئي؛ ذلك لأن الملكية الهندوسية التقليدية ببساطة لا تتناسب مع الحداثة والسياسة الإعلامية، ولا تتفق إلى حد كبير مع عملية صنع القرار الديمقراطي. كما يكتب «كوك» في كتابه الجديد «الأديان القديمة، والسياسات الحديثة»: «المسيحيين ليس لديهم قانون ليستعيدوه، بينما الهندوس لديهم واحد لكنهم لا يُظهرون اهتمامًا يُذكر لاستعادته»، المسلمون - من ناحية أخرى – ليس فقط لديهم قانون، لكنه أيضًا قانون يأسر لب الغالبية في جميع أنحاء الشرق الأوسط.

المسلمون غير ملتزمين بلحظة تأسيس الإسلام، لكن لا يمكنهم الهروب بشكل كامل. لقد كان «النبي محمد» رجل دين، ورئيس دولة، ومحارب، وواعظ، وتاجر، في وقت واحد. بعض المفكرين الدينيين - بما فيهم السوداني «محمود محمد طه»، وبعد ذلك تلميذه «عبدالله النعيم» - حاولوا فصل ذلك الإرث النبوي المتعدد بحجة أن القرآن يحتوي على رسالتين، الرسالة الأولى تستند إلى الآيات التي نزلت في مرحلة تأسيس مجتمع إسلامي في المدينة؛ وتحوي تفاصيل عن الشريعة الإسلامية التي قد تكون مناسبة للقرن السابع الهجري، ولكنها ليست بالضرورة قابلة للتطبيق خارج هذا السياق، و«الرسالة الثانية» للإسلام تُوجد في الآيات المكية؛ وتشمل مبادئ الإسلام الخالدة، والتي جاءت لتتطور وفق متطلبات الزمان والسياق، لقد أُعدم طه من قبل نظام «جعفر نميري الله» السابق في عام 1985م، وفشلت نظرياته في كسب الكثير من المؤيدين، لكن الفكرة الأساسية لاستنباط المبادئ العامة مع التأكيد على تاريخية تطبيقها دعا إليها من قبل عدد كبيرٌ من علماء المسلمين «التقدميين»، وكثير منهم يعيشون في الغرب.

هل من الممكن أن تلقى تلك الأفكار قبولاً وتجذب الانتباه؟ وإذا حدث فهل من الممكن أن تقود إلى «إصلاح» إسلامي؟ ربما؛ لكن هناك مشكلة طفيفة، بالفعل شهد الإسلام إصلاحًا من نوعٍ ما لكنه كان سيئًا، في نهايات القرن التاسع عشر؛ الحداثة الإسلامية التي تبناها «جمال الدين الأفغاني» و«محمد عبده» حاولت جعل الإسلام والقانون الإسلامي لما قبل الحداثة آمنًا ومواكبًا للعصر، هذه الخطوة كانت استجابة لأشياءٍ عديدة – العلمانية والاستعمار وارتفاع أوروبا – لكنها كانت أيضًا ردًا على الاستبداد الزاحف للإمبراطورية العثمانية الأخيرة. وأشار الباحث القانوني «محمد فاضل» إلى أن «رشيد رضا» – تلميذ «محمد عبده» – اقترح نظامًا قانونيًا جديدًا يتسق مع السيادة الشعبية؛ وهذه الطريقة من صنع القوانين تعتمد على التفكير المنطقي المستقل الذي تتم ممارسته بشكل جماعي من خلال مؤسسات التشاورية، مثل هذا الظلم القانوني يتطلب تقنين الشريعة الإسلامية ما يجعلها أكثر اتساقًا لمنع الانتهاكات التعسفية، بل وتطبيقها في الواقع. وجود قانون مكتوب يحظى بالثقة من شأنه أن يراقب تجاوزات السلطة التنفيذية. وكما يقول «نوح فيلدمان» في كتابه «سقوط وصعود الدولة الإسلامية» من الناحية التاريخية هو نتيجة أهواء تعسفية لحكام فاسدين لا تعرف من القوانين إلا رسمها كما كانت طبقة رجال الدين الذين يسيرون وفق قانون أعطاه لهم الرب لرؤية [نظام قائم على الشريعة] يحتوي على توازن الصلاحيات اللازمة لدولة فاعلة وقانونية المستدامة هو تسليط للضوء على السبب وراء فشلها في السابق كما كتب «فيلدمان» لكن لماذا نجحت بهذا الشكل المذهل لوقت طويل، المحدِثون المسلمون لا تشغلهم عودة علماء الدين للصدارة بشكل كبير، لكن كل ما يتمنونه هو إدخال آليات ومؤسسات استشارية لموازنة القوة المتنامية للسلطة التنفيذية.

المساهمة الأخيرة للحداثة الإسلامية كانت تعرّف السلطة وتحدد سلطتها كحقيقة سياسية، ومنذ أن أصبحت هناك مسئوليات كثيرة على الدولة فمعنى ذلك أنها أصبحت بحاجة إلى صناعة سياسة عامة، المسلمون المحدثون والتيار الإسلامي على حد سواء فرّقوا بين مسائل الإيمان والعقيدة والتي كانت غير قابلة للتغيير وأمور السياسة وذلك لم يكن موجودًا من قبل. إذا كان هناك شيءٌ ما يخص المصلحة العامة، أو مصالح مرسلة، فمن الممكن تبريره. إذا وقف تحريم الربا في طريق قرض «صندوق النقد الدولي» فإن هناك طريق للحصول عليه. وكما يعلق فاضل «الهدف الأساسي من الفكر السياسي الإسلامي الحديث هو تعريف الحكم الرشيد وفقًا لأحكام الشريعة في العصر الحديث». القانون الإسلامي ما قبل الحداثة، من حيث التعريف، يتعارض مع الدولة القومية الحديثة، لذلك كان لابد من طريقة لتربيع الدائرة، حتى لو كان ذلك يعني الذهاب إلى وراء النصوص التي يشعر معها البعض بالارتياح. المسلمون الأكثر انفتاحًا – بشكل خاص – في العقود الأخيرة عملوا على تحديث مواقفهم من التعددية السياسية وحقوق المرأة إلى اتهامات بالبراجماتية المُفرطة، أو ربما أسوأ من ذلك كالنفاق الصريح. وفي الواقع، فإن السلفيين المُحافظين - هم أكثر من فصيل – دائمًا ما يهاجمون جماعة «الإخوان المسلمين» وأتباعها لتقديم المطالب السياسة على المتطلبات الإيمان.

«الإخوان المسلمون» والإسلام السياسي

وفي هذا الصدد؛ فإن جماعة «الإخوان المسلمين» هي حركة سياسية وفكرية إصلاحية مبتدعة. وبطبيعة الحال، في جوهرها: ليبرالية. لكن ليس هناك سبب معين لماذا ينبغي أن يقود «الإصلاح» الإسلامي إلى الليبرالية بنفس الطريقة التي أدت بحركة «الإصلاح البروتستانتية» في نهاية المطاف إلى الليبرالية الحديثة. لقد كان الإصلاح استجابة لقبضة رجال الدين في الكنيسة الكاثوليكية على المسيحية الذي فسروا النصوص ليحققوا سيطرتهم.

بالمقارنة؛ فإن العالم الإسلامي شهد حالة من إضعاف رجال الدين الذين اختيروا في دولهم المستقلة حديثًا حيث علقت الشوائب بسمعتهم. في أوروبا؛ تراجع الطبقة الدينية والساعية لمحو الأمية والكتلة الدينية فتح المجال أمام العلمانية لتعمل على الأرض. وفي الشرق الأوسط الحديث؛ هذه القوى تزامنت تواجدت مع صعود الإسلام السياسي. جماعة «الإخوان المسلمين» في مصر شكلت قيادتها بشكل غير متناسب من قطاعات مميزة كالطب والهندسة والقانون. وكانت الحركة - التي تأسست في عام 1928-  غير كهنوتية بالتأكيد، وتعادي الكهنوتية في بعض النواحي. في فترة الخمسينيات كان الجامع الأزهر هي مركز المعرفة في العالم العربي والإسلامي، وقد سيّسه نظام «جمال عبدالناصر» الخصم الرئيسي لـ«الإخوان».

وكان السلفيون الأكثر التصاقًا بحرفية النصوص أيضًا أقل تركيزًا على المؤسسات الدينية. وكان قادة السلفيين يخبرون أتباعهم أتباعهم أن الوصول لمعنى القرآن يكون بمجرد قراءته واقتداء النبي. وبالنسبة للسلفية – ومن وجهة نظر مجموعات كـ«القاعدة» و«الدولة الإسلامية» – لا يُتصور وجودهم إلا في ظل إضعاف رجال الدين وتدخل الديمقراطية في تفسير الدين.

المحدِثون المسلمون أواخر القرن التاسع عشر وأوائل العشرين كان عليهم أن يدخلوا في شد وجذب مع مجموعة مختلفة من المشاكل - في المقام الأول الاستعمار الغربي والحكام المستبدين الذين أصر الغرب على دعمهم. أعطى الاستقلال عن بريطانيا وفرنسا وسيلة للدول القومية العلمانية التي تحل مشكلة واحدة لتتفاقم أخرى. ومن الناحية النظرية – كما يقول «كيسنجر» – مفهوم المبرر العسكري قدّم ليس تمجيدًا للسلطة لكن محاولة لترشيدها والحد من استخدامها. ولكن في السياق العربي؛ فإن سيادة «المصلحة الوطنية» يعني تفويض الدولة في كثير من الأحيان على حساب الحكم الرشيد والديمقراطية والتعددية وحرية التعبير.

ضعف الدول وتمجيد الأنظمة في العالم العربي

ويعاني العالم العربي بشكل واضح من دول ضعيفة وفاشلة وهشة. وقد يقول قائل أن هناك أيضا دول قوية أو مفرطة في الحداثة على حد وصف «يزيد صايغ» ورغم ذلك تعاني. النظام الإقليمي العربي يعاني من «تمجيد» للدولة، وهذا واضح بشدة بل ومُخيف، ففي الحالة المصرية عزز الرئيس «عبدالفتاح السيسي» بدون تردد «تقديس» سلطة الدولة. هذه هي معضلة الديموقراطي: يبدوا أن الأمن والاستقرار يعتمدان على الدول القوية، وخاصة على المدى القصير، ولكن مطالب التعددية وعلى الأقل وشكل الديمقراطية تتطلب  تقييدًا كاملاً بل وإضعاف تلك الدول نفسها.

وإذا ما كان مشروع المحدِثين الإسلاميين – الذي يحاول الجمع بين التقاليد الإسلامية التي ما قبل الحداثة مع التقاليد المعاصرة للدولة الأمة – بإمكانه النجاح فإن السؤال يبقى مفتوحًا. «وائل حلاق» - الباحث الرئيسي للشريعة الإسلامية – يدرس المسألة مع الإسلاميين لهذا السبب تحديدًا، مُشيرًا إلى أن الدولة الحديثة أصبحت هاجسًا إلى حد «أخذها كأمرٍ مفروغٍ منه، وفي الواقع، كظاهرة خالدة».

ومؤخرًا كتب «دينيس روس» – المساعد السابق للرئيس «أوباما» والذي أشاد بنظام «السيسي» - «ما يتشارك فيه الإسلاميون جميعًا هو الهويات الوطنية التابعة لهوية إسلامية»، لكي تقول أن الهوية القومية المصرية و«الهوية الإسلامية» فمن الممكن أن يكونا منفصلين. «السيسي» - على سبيل المثال – كَتب أن «الديمقراطية لا يمكن فهمها في الشرق الأوسط بدون استيعاب مفهوم الدولة النموذجية للخلافة»، وادعى خلال حملته الأخيرة أن وظيفة الرئيس تشمل «التعريف بالله بطريقة صحيحة»، وفي الوقت ذاته؛ فإن حلفاء واشنطن «المعتدلين» مثل المغرب والأردن دائمًا ما يحصلون على الشرعية الدينية (الملك المغربي هو أمير المؤمنين).

ومع هذا فإن ما يبدوا أكثر إشكالية هو أن «رووس» و«كيسنجر» يبدوا أنهما غير واعين أو ربما غير مبالين بمركزية الدولة عند الإسلاميين المعتدلين. (ربما يقود ذلك أحيانًا إلى ضربة فرشاة عريضة وغريبة تمامًا تمامًا كما فعل «كينسجر» في النظام العالمي حينما نجح في جمع «القاعدة» و«حماس» و«حزب الله» و«طالبان» وإيران و«الدولة الإسلامية» و«حزب التحرير» جميعًا في نفس السياق). أما الحركات الإسلامية المعتدلة فقد حاولت الاتفاق على سلام مع الدولة على أمل إصلاحها بدلاً من اجتثاثها لأجل وهم الخلافة الموحدة للمسلمين. «جماعة الإخوان المسلمين» لم تقم بالثورة بالشكل المناسب، لقد كانت بطيئة مُفضّلةً التدرج.  في ظل حكم الرئيس «حسني مبارك»؛ على الرغم من انتقاد الجماعة لسياسات الحكومة بشدة إلا أن الجماعة نظرة للجيش والقضاء والأزهر نظرة مختلفة؛ وقد تعاونت الجماعة معهم بطريقة تختلف عن باقي مؤسسات الدولة. الإصلاح المتدرج لجماعة «الإخوان المسلمين» جعل «الدولة الإسلامية» وغيرها من الجماعات الإسلامية تصب لعنتها على الجماعة. وفي أحد تصريحاته التي كانت في بدء ظهور التنظيم؛ وصف «العدناني» المتحدث باسم «الدولة الإسلامية» جماعة «الإخوان المسلمين» بمثابة «الصنم الذي سقط»، مُتهمًا إياها بــ«تنبي مشروع علماني تؤيده جماعات الكفر».

هذه الاعتبارات التي تجعل جميع المسلمين في بؤرة المشكلة بمثابة الخطر المحدق البالغ. إن شيطنة وتهميش الإسلاميين الذين حاولوا العمل مع هياكل الدولة القائمة يهدد بتحوّلهم للتطرف ليس فقط ضد العنف والقمع بل ضد الثورة التي هي ضد الدولة. بالنسبة لوصفاتهم السياسية الغير مدروسة فإن «رووس» و«كينسجر» يساعدون بشدة في إيجاد حلٍ للمشكلة التي تحدثوا عنها ويأملون يومًا ما أن تُحل.

انقلاب 3 يوليو/تموز 2013 العسكري في مصر وما أعقبه من إجراءات قمعية وحشية حكومية ضد جماعة «الإخوان المسلمين» قاد إلى تسييسٍ كامل ومتواصل لمؤسسات الدولة التي دخلت في صراع أهلي سقط على إثره مئات المصريين قتلى. وليس من الواضح الآن ما إذا كانت الدولة – في عيون الشباب والناشطين الإسلاميين – هل سيتم إنقاذها أم لا. هم ينظرون إلى الدولة – على الأقل في وضعها الحالي – بمثابة عدو لا بد من هزيمته إن لم يمكن تدميره.

إذا كان «السيسي» وغيره من الكثيرين الذين يسيرون على نفس منواله لابد من هزيمتهم فإن الدولة – وخاصة الدول التي تتمتع بالشمولية والمساءلة - هي الأهم والحفاظ عليها أولوية. نظام الدولة المركزي في العالم العربي هو الأفضل لحكم الفوضى والحدود التي تعيش دومًا في نزاع. لكن نظام «وستفاليا» الألماني لإنقاذ المنطقة أو الإسلام أو الأصولية الإسلامية ربما هناك حاجة إليه لتقنين ذلك. للدفع نحو مزيد من التنوع الإسلامي الواقعي والتشاركي خارج نظام الدولة ربما يُفضي إلى دول ضعيفة فاشلة ودول أخرى قوية لكنها هشة على السواء تعصف بها دائرة طويلة مدمرة من الصراع الأهلي والعنف السياسي.

 

المصدر | شادي حميد، ذي أتلنتيك

  كلمات مفتاحية

الدولة الإسلامية القاعدة الإخوان المسلمين السيسي

ما بين غلافي مجلة القاعدة «إنسباير»

خليل العناني يكتب: أمريكا و «داعش» بين الأخلاقي والسياسي

بشير نافع يكتب: في مسألة الخلافة والجدل الذي أثارته

هل يمكن الفصل بين المسلحين السنة و"داعش"؟!

"شكرا لله على السعوديين": الدولة الإسلامية والعراق والدروس المستفادة

«داعش» وشيطنة الإسلام