«إيكونوميست»: زنازين الموت.. أقبية التعذيب في سجون «الأسد»

الخميس 22 ديسمبر 2016 07:12 ص

كان من الواضح أنّ «حمزة علي الخطيب» قد تعرّض للتعذيب قبل موته. عاد إلى عائلته بعد شهرٍ من اعتقاله من مسيرة سلمية في أبريل/ نيسان عام 2011، وعاد جسد الصبي ذو الـ 13 عامًا وقد غطّت جسده حروق السجائر والجروح، وقد تحطّم فكّه ورضفتيه كما أنّ عضوه الذكري كان مقطوعًا.

ومع انتشار التظاهرات ضد حكم النظام في البلاد، أصبحت وفاة الصبي على يد النظام رمزًا لوحشيته. وقالت «هيلاري كلينتون» التي كانت وزيرة للخارجية ذلك الوقت: «أستطيع أن آمل فقط ألّا يكون الصبي قد مات عبثًا، وأنّ الحكومة السورية ستنهي وحشيتها وتبدأ الانتقال إلى ديمقراطية حقيقية». وشاركها الكثيرون هذا الأمل في الأيام الأولى للانتفاضة.

وعلى مرّ 6 سنوات قد تمّ سحق هذا الأمل. ومن الصعب قياس حجم الانتهاكات والقتل في أقبية التعذيب السورية، وتقول جماعات حقوق الإنسان أنّ النظام قد عذّب وقتل وأعدم ما بين 17,500 إلى 60 ألف رجل وامرأة وطفل منذ مارس/ آذار عام 2011. وتمّ دفن الموتى غالبًا في مقابر جماعية أو تمّ حرقهم، وقليل منهم من عاد إلى أقاربه. وقد تمّ تسليم شهادات وفاة إلى الأهالي بعض المرات تقول بأنّ ذويهم قد ماتوا في ظروفٍ طبيعية.

ومن الصعب أيضًا تتبع عدد الأشخاص المحتجزين. وقد حوّلت قوات أمن الرئيس «الأسد» الملاعب الرياضية والمنازل المهجورة والمستشفيات والمدارس إلى سجون. وجهّزت الميليشيات الموالية للنظام من العراق ولبنان وإيران مواقعها السرية الخاصة أيضًا. ويعتقد أنّ 200 ألف شخص على الأقل لازالوا محتجزين، معظمهم في المرافق الحكومية التي لا تزال مغلقة في وجه اللجنة الدولية للصليب الأحمر.

وهناك القليل المعروف عن آلة التعذيب الخاصة بالرئيس «الأسد» من أفواه الناجين الذين خرجوا في تبادل للأسرى أو برشوة المسؤولين. ويوجد أيضًا أقارب الموتى والمنشقون ومئات الآلاف من الوثائق الحكومية التي تمّ تهريبها خارج البلاد عن طريق نشطاء. كلها معًا تعطي صورة عن نظام قد عذّب وقتل بحجم مهول لإسكات المعارضين.

ولنأخذ حالة «مهند»، طالب جامعي يبلغ من العمر 28 عامًا، نظّم بعض الاحتجاجات السلمية الأولى في حلب. تمّ القبض عليه من قبل وكلاء من الاستخبارات في سلاح الجو، تمّ تعصيب عينيه وأخذ إلى زنزانة حيث تمّ تعليقه من معصميه في السقف ثمّ عذّب لمدة 8 أيام قبل أن يوقع على اعتراف كاذب بأنّه قتل جنود للنظام بمساعدة والدته.

ونقل بعد ذلك إلى قاعدة تتبع استخبارات سلاح الجو بالقرب من القصر الرئاسي في دمشق، حيث خضع لتحقيق وتعذيب يومي لمدّة عامين. وفي بعض الأحيان، للتسلية، كان حرّاس السجن يجبرونهم على التعرّي واللعب بتمثيل دور الكلاب. كما أنّهم كانوا يشربون الكحول ويدخنون النرجيلة ويضعون الجمر على ظهور الأسرى. ويقول: «عليك أن تؤدّي الدور كما يجب وإلّا يضربونك».

القتل من أجل المتعة

ويتحدث «مهند» عن أنّ الموت في سجن المزّة العسكري التابع لاستخبارات سلاح الجو كان أمرًا اعتياديًا. ويتذكّر أنّ الحرّاس قد قتلوا في رمضان عام 2012، 19 سجينًا في ليلة واحدة. ويقول: «لقد حدثت لهم نوبات دماغية ونزيف شديد من التعذيب».

وفي مناسبة أخرى، عاد صبيًا مراهقًا إلى زنزانته في السجن غارقًا في البكاء. «قد أعدموا أخيه أمام عينيه. ربطوه على طاولة ثمّ اغتصبوه بعصا». ثمّ ضحكوا قائلين «تمّ فتح امرأة أخرى». وتعرّض رفيقان آخران في الزنزانة للضرب حتّى الموت، أثناء انتظارهما لحلق شعرهما.

وعندما انتشرت العدوى من جرح مفتوح بساق مهنّد، أخذه الحرّاس إلى مستشفى عسكري قريب. وكان المرضى مضطرين للنوم وأحذيتهم في أفواه بعضهم البعض. وإذا سقط الحذاء، كانت الممرضات تضرب المرضى بالأنابيب البلاستيكية. ويقول «مهنّد» أنّه رأى ممرّضة تضرب مريض حتّى الموت في سريره بعد أن طلب الدواء.

كان الأمر هنا، في مستشفى 601، يظهر ذلك مصور الطب الشرعي الذي كان يعمل لصالح الشرطة العسكرية السورية وقد قام بتصوير أكثر من 6000 جثّة لأشخاص قد قتلوا في أماكن الحجز الحكومية بين عامي 2011 و2013. وتظهر الصور صفوفا من الجثث العارية والهزيلة مع أرقام على جباهها ويظهر عليها آثار التعذيب. وتم تهريب هذه الصور خارج البلاد على أقراص فلاش، وتوفّر هذه الصور بعض الأدلة الدامغة على منهجية استخدام النظام للتعذيب.

ويمكن القيام بالقليل لجلب «الأسد» وأتباعه إلى العدالة. وتقول الأمم المتّحدة أنّ استخدام النظام للتعذيب والقتل الجماعي داخل السجون ترقى إلى جرائم ضد الإنسانية. لكنّ جماعات حقوق الإنسان تقول أنّ الأمم المتّحدة، في سعيها لإنهاء الصراع، قد تجاهلت إلى حدٍّ كبير فظائع النظام. وفشلت المحاولة الأخيرة لمجلس الأمن لإحالة سوريا إلى المحكمة الجنائية الدولية بعد أن اعترضت روسيا والصين.

ويروي «سعيد عيدو» مشاهد الفظائع للمعهد السوري من أجل العدالة الذي تمّ إنشاؤه في حلب عام 2011، قائلًا: «لما يقارب الـ 6 سنوات، شاهد الشعب السوري الرئيس الأسد يذبح شعبه. نظروا إليه وقالوا هذا الشخص أخذ منّي ابني، كيف تتوقّعون منهم أن يوافقوا على أي اتفاق يسمح ببقاء الأسد في السلطة؟».

وفي 2 ديسمبر/ كانون الأول، أعاد مسؤولي الاستخبارات السورية جثّة «إبراهيم الأحمد» إلى عائلته. وقد أُخبروا أنّ الشاب البالغ 25 عامًا، والمفقود منذ 4 سنوات، قد مات بأزمة قلبية. لكنّ جسده الهزيل، والذي تعرّفت إليه أسرته بالكاد، كان مشوّهًا بسبب الأسنان المفقودة، وساقه المكسورة بواسطة آلة حادة، والتمزقات العميقة في ظهره، والكدمات والجروح. ويقول «شقيق إبراهيم»: «لم تكن هناك جنازة. لقد أخذناه مباشرةً من الثلاجة إلى القبر. عندما يعلم الناس في سوريا أنّ ذويهم قد قتلوا في السجن، لا يثيرون ضجّة حلو الأمر، لكنّهم من المستحيل أن ينسوا ذلك».

المصدر | إيكونوميست

  كلمات مفتاحية

سوريا بشار الأسد سجون الأسد التعذيب