2014 عام صراع الثورة والثورة المضادة في مصر

الأحد 21 ديسمبر 2014 07:12 ص

يحلو لكثيرين ـ صحافياً ـ اختصار العام في نهايته في جمل قصيرة ذات دلالة، كأن يوصف العام بأنه عام الغياب، حال رحيل عدد كبير من المثقفين والفنانيين، أو عام الرقابة إذا وجد أن أعمالا أدبية كثيرة تمت مصادرتها طوال شهور العام.. أو... هكذا.

لكن إذا بحثنا في الأعوام التي سبقت سنجد أيضاً غيابات، ورحيلاً، ورقابة، وحروباً، ومجازر.. دائرة تتكرر عربياً ولا نخرج منها أبداً. ربما كانت 25 يناير وما تلاها من أحداث (لا تزال فاعلة حتى الآن) محاولة للخروج من نفق وجدت فيه الشعوب العربية نفسها.. حاولت أن تخرج ولكن وجدت من يشدها للبقاء في النفق المعتم بقوة.

من الصعب بالتأكيد اختصار 2014 في جمل قصيرة، بل من الصعب البحث عن أشياء معتمة وأخرى مضيئة. فالكوب لم يكن ملآناً، لم يكن فارغاً.. بل لا يوجد كوب أصلا يمكن النظر إليه.

عام 2014 يمكن النظر إليه باعتباره العام الذى حاولت فيه السلطة المصرية اعادة الأمور إلى ما كانت عليه من قبل الثورة، بل مارست فاشية لم تمارس على الأقل في السنوات التي سبقت الثورة..

لكن على الجانب الآخر هناك المقاومة الشديدة لكل هذه الاجراءات الفاشية.. مقاومة جعلت من الفاشية مجرد مزحة ثقيلة.. فاشية على الطريقة العربية، غير مصنوعة بعناية أو متعوب عليها.

بالتالي لم يكن سجن فرد واحد يعني خوف الكثيرين وصمتهم، بل معناه خسارات أخرى من مؤيدي الاجراءات القمعية، أن تصنع قانوناً للصمت لا يعني أن يصمت من تم تفصيل القانون لهم، بل يعني أن يتكلم حتى الحريصون على الصمت. نحن إذن أمام لعبة رست، أيد تصارع، لكن لم يحسم أحد موقفه أو حتى قدرته على القمع، أو حتى الصمت. 

كل السيناريوهات مفتوحة، وألعاب السلطة البالية لم تعد تنطلي على الجميع ولا شعاراتها في الحشد أو أصوات المعارك التي ينبغي ألا يعلو صوت عليها قادرة على إقناع احد!

- كالعادة منعت رقابة المطبوعات الخارجية دخول ثلاثة كتب إلى مصر: «مدخل الى السيموطيقا» تأليف نصر أبوزيد وسيزا قاسم. وكان الكتاب قد صدرت طبعته الأولى في مصر عام 1986 عن دار إلياس.. الكتاب الثاني: «في مدح الحب» تأليف آلان باديو وترجمة غادة الحلواني.. فضلا عن رواية «المبرومة» للكاتب اللبناني ربيع جابر. الكتب الثلاثة صادرة عن دار التنوير المصرية اللبنانية وتطبع أعمالها في بيروت. 

بعد الضجة الصحافية افرجت الرقابة عن هذه المطبوعات. وقد كشفت الأزمة أن جهاز الرقابة على المطبوعات يتبع وزارة الداخلية منذ تأسيسه في الخمسينيات (التأسيس الثاني)، وكان يضم أيضا التنصت على المكالمات، وعندما أعلن السادات في «مسرحيته» الشهيرة.. نهاية زمن التنصت، وحرق الشرائط، لم يتبق من الجهاز سوى «رقابة المطبوعات الخارجية».. وفيما بعد تم انتداب موظفي الجهاز من وزارة الإعلام، على أن تكون تبعيته لوزارة الداخلية.. ويتقاضى موظفو الجهاز مرتباتهم من الصناديق الخاصة بوزارة الداخلية. (برغم ذلك يبدو الجهاز) كالابن الضال يتبرأ منه الجميع، معلق في الهواء لا الداخلية تعترف به بتبعيته لها رسمياً، ولا الإعلام (أثناء وجود وزارة بهذا الاسم أو بعد إلغائها).

- لدى الجهاز قوائم قديمة لا تجدد بأسماء كتب أو مؤلفين.. عندما يشاهد (العناوين) أو (المؤلفين) تستنفر كل حواسه ويستخرج أقلامه الفسفورية.. ويطلب منها نسخاً للعرض، برغم أن بعض الكتب قد تكون صدرت في مصر. مثلا نسخ «زوربا اليوناني» صدرت نسخ من الرواية في المشروع القومي للترجمة منذ شهور قليلة.. ولكن يظل اسم كازنتزاكس على قوائم ترقب الوصول، والأمر نفسه مثلا بالنسبة لنصر ابوزيد... وهكذا!

- إن الرقيب، اي رقيب لن يتحدث عن مصادرة، تتم، أو تمت، بل سيتحدث عن بوليصة تأمين، أو شحن أو أي ورقة بيروقراطية لا أهمية لها...

- قوائم المنع لم يتم تحديثها منذ سنوات.. والتطور الوحيد في الجهاز هو عدم منع أي كتاب في معرض الكتاب..

- لم تكن هذه الكتب هي المقصودة بالرقابة، ولكن محاولة اثبات عودة الأمور إلى ما كانت عليه قبل الثورة.. وقد طالت الممارسات الرقابية أيضاً منظمات العمل الأهلي، والمجتمع المدني بما فيها المؤسسات الثقافية التي اغلقت في مصر مثل مؤسسة المورد الثقافية، التي احتفلت هذا العام بعشر سنوات على تأسيسها، وأعلنت إغلاق فرعها في مصر بسبب التضييق الأمني عليها. كما جرى مصادرة مجلة «وصلة» التي تهتم بالثقافة الإلكترونية.

الحملة الأمنية دفعت المؤسسات الى اصدار بيان يكشف ما يجرى في كواليس السلطة: «أكدت المنظمات في بيان لها أمس أن إقدام السلطات على مثل هذه الخطوة يعد استمرارًا لسياسات تقييد وقمع المنظمات الحقوقية، وانتقامًا من الدور الذي تقوم به في كشف انتهاكات حقوق الإنسان، خاصة أن ما حدث للشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان يأتي بعد أقل من شهر من جريمة اقتحام مقر المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية بالإسكندرية، وهو ما يوضح أن هناك نية واضحة لتصفية المجتمع المدني وملاحقة المنظمات الحقوقية».

وأضاف البيان: «تأتي تلك الواقعة في سياق حملة إعلامية منظمة ومتواصلة، تديرها أجهزة الأمن لتشويه منظمات حقوق الإنسان والنيل من مكانتها الأدبية باتهامات وادّعاءات تبث عبر وسائل إعلام بعضها «مملوك للدولة»، وبالتوازي مع إعلان وزارة التضامن الاجتماعي عن مقترحاتها لمشروع قانون الجمعيات الأهلية الجديد والذي يضع قيودًا أشد تعسفًا وقمعًا من تلك المنصوص عليها في القانون (84) لسنة 2002 (الذي أصدره حسني مبارك)، بل وأشد من القيود التعسفية التي وردت في مشروع قانون الرئيس السابق محمد مرسي الذي قدمه في مايو 2013 قبل شهر من الإطاحة به؛ حيث يمنح للجهات الأمنية الحق في التحكم بنشاط الجمعيات الأهلية، ويستبعد مجال حقوق الإنسان من ضمن مجالات عمل الجمعيات الأهلية!».

المصادرات والتضييق الأمني على المنظمات الثقافية، وجميعات حقوق الإنسان، لم يكن كافياً، بل تم ضبط بعض الشباب بتهم خيالية مثل «قراءة رواية 1984» لجورج اورويل، او اغلاق مقاه للملحدين (كما قيل في بيان الأمن).. إذن نحن أمام سلطة تنتقم من ثورة كان شعارها «العيش والحرية والعدالة»..

كالعادة تجسد صراع الأجيال اكثر فى 2014، كانت المعارك حول الإستراتيجيات الثقافية، وكان الأهم أيضاً أين وجد المثقفون أنفسهم أمام ما يجرى من صراعات. هل انحازوا للحرية.

الأب

جاءت الثورة لتفض الاشتباك بين المثقفين والسلطة، أصبح المثقف عارياً، وحيداً عليه أن يواجه قدره، لا كما كان يحدث من قبل حيث يجد نفسه أمام سلطة فاسدة لكنها تدّعي علمانيتها ومدنيتها ودفاعها عن المثقف.. هذا الصراع الذي نشأ بين العمامة والطربوش، لم تتخذ فيه السلطة موقفاً حيادياً، وإنما انحازت إلى ما يخدم مصالحها سواء أكانت هذه المصالح لدى «العمامة» أو «الطربوش».. وهكذا أيضا اعتبر المثقف نفسه ابناً باراً للسلطة، تستدعيه وقت ما تشاء ليخوض معاركها نيابة عنها وتتخلى عنه أيضا عندما تتعارض مصالحها معه.

هكذا كان يسير المثقف باتجاه «الأسلاك الشائكة» ولكنه غير مسموح له أن يتجاوزها، ولكنه أيضاً لم يحاول المغامرة من أجل تجاوزها. في مقابل إحساس المثقف باليتم، ومحاولته البحث عن أب بديل، لا يتناسى الكثيرون أن الثورة لم تكن ضد سلطة فاسدة وإنما ضد سلطة أبوية بالأساس، ضد طرق من التفكير القديمة، الأمر الذي دفع «أسئلة الغرف المغلقة» إلى الفضاء العام.

كان الهدف الرئيسي من الثورات العربية هو تخليص المجتمع من تفكير القبيلة، للبدء في البحث عن طرق تفكير أخرى جديدة بعيداً من سلطة الوصاية الأبوية، لكن الدخول في معارك الماضي لتمجيده منع هذه الثورات من التطور.. وهذه هي المعركة الأكبر.. والتي تحتاج زمناً أكبر أيضاً. في هذا العام غاب الكثيرون عن المشهد.. الكاتب الساخر أحمد رجب ورسام الكاريكاتير مصطفى حسين، غابت الكاتبة والمناضلة فتحية العسال، الروائي محمد ناجى، والروائي والمترجم محمد ابراهيم مبروك، الشاعر أبوهمام، والمخرج نادر جلال، والفنانة معالي زايد، والشاعر المنجى سرحان.. غابت أيضا رضوى عاشور.

معارك 2014 هي تمهيد لما قد يجري في العام القادم... هناك أيضا رغبة في التغيير يقابلها جمود والرغبة في تثبيت الأوضاع .. معركة ستطول قليلا .. لكن بالتأكيد ستنتصر الحرية والعيش والعدالة في النهاية.. لأنه لا يمكن هزيمتها!

المصدر | محمد شعير، السفير

  كلمات مفتاحية

مصر 2014 الثورة الثورة المضادة الحرية العيش العدالة الانقلاب العسكري

جدل العدالة الانتقالية بين «ثوار يناير» و«ثوار السيسي» 

التدخل العسكري لمواجهة الثورة الشعبية ليس حلا

«مؤشر الديمقراطية»: حادثتا عنف وإرهاب سياسي كل 3 ساعات في مصر

«وول ستريت جورنال»: إمارات الخليج الناجية من اضطرابات الشرق الأوسط تسعى لقيادة العالم العربي

مغالطة الشعب الذي فقد كرامته

«القرضاوي» يصف «السيسي» بالمنافق الكذاب ويدعو الشباب لمواجهة الظلمة