السلطة تضع أميركا وإسرائيل في مأزق

الاثنين 5 يناير 2015 04:01 ص

رغم الاستخفاف الذي أبدته قيادات إسرائيلية والتهديدات التي أطلقتها قيادات أخرى، فإن خطوة الانضمام إلى ميثاق روما والمحكمة الجنائية الدولية يشكل مصدر رعب للدولة العبرية.

والقصة لا تنحصر في دعاوى يمكن أن تقدم لهذه المحكمة بشأن جرائم قتل مدنيين أو فرض حصار أو إغلاق طرق بل تتناول السياسة الإسرائيلية الجوهرية مجسدة بسلب الأرض وطرد السكان وإقامة الجدار الفاصل والمستوطنات. ومن هنا ينبع أساساً الخوف الإسرائيلي الذي يترافق مع الإحساس بالتخلي الغربي، خصوصا الأوروبي، عن هذه الدولة.

وما يثير القلق الإسرائيلي على وجه الخصوص هو فقدان الدولة العبرية قدرتها الردعية على الفلسطينيين، من المفاوضين والمقاومين. تشهد على ذلك تصريحات صادرة من أعلى المستويات في أكثر من موقف وأكثر من تعقيب.

وما الموقف الذي أعرب عنه قائد فرقة غزة في الجيش الإسرائيلي أمام مستوطني غلاف غزة، حينما أعلن أن الحرب لا تردع غزة، التي ليس لديها ما تخسره، إلا غيض من فيض.

فالقيادات السياسية الإسرائيلية كانت واثقة من أن القيادة الفلسطينية لن تتقدم بطلب الانضمام للمحكمة الجنائية الدولية خوفا من العواقب، وأولاها الخشية من رد الفعل الأميركي ثم الخشية من رد الفعل الإسرائيلي. ولكن ثبت للجميع أن القيادة الفلسطينية تشعر بأن ليس لديها هي الأخرى ما تخسره وأن بوسع إسرائيل تنفيذ تهديداتها بتفكيك السلطة.

والواقع أن سياسة السلطة الفلسطينية التفاوضية مرت بمراحل مختلفة بدأت بمنطق «ملاحقة الكذاب إلى باب الدار» وانتهت بمنطق «حافة الهاوية». وإذا كانت المقاومة تهزأ بالتهديدات الإسرائيلية منطلقة من أن «الشهادة غايتنا»، فإن السلطة لم تعد مقتنعة بمواصلة أداء دور «ورقة التوت» التي تخفي استمرار الاحتلال الإسرائيلي.

وبديهي أن السلطة بمثل هذه المواقف تعلن أن «الصفقة» التي قادت إلى إنشائها والتي وفرت فوائد لكل الأطراف لم تعد مربحة بل صارت تراكم خسائر على الصعيد الفلسطيني فيما يحقق الآخرون أرباحا على حسابهم. وبكلمات أخرى رأت السلطة أنها لا تقبل باستمرار الوضع القائم إلا إذا ضمن تحقيق مكاسب للفلسطينيين ونيلهم حقهم البديهي في الدولة وتقرير المصير.

وكل ما عدا ذلك غير كاف، لا أموال الدعم الأميركية ولا أموال المقاصة الإسرائيلية ولا استمرار شكلية وجود السلطة.

وبحسب خبراء في القانون الدولي فإن الخطوة الفلسطينية لا تخلو من مجازفة لكنها لا تقارن بمخاطرها على إسرائيل. فالفلسطينيون، قادة وأفراداً وتنظيمات ومجتمعاً مدنياً، عرضة دوما للملاحقة الإسرائيلية حصارا واعتقالا وقتلا وتشريدا، فيما الأفعال الإسرائيلية تكتسب حصانة من وجود القوة ذاتها ومن انعدام وجود فلسطين في المؤسسات الدولية ذات الشأن.

ولذلك ثمة من يعتبر أن انضمام فلسطين للمحكمة الجنائية هو في جوهر الأمر إنهاء لحصانة القوة الإسرائيلية واستخدام لـ «سلاح يوم القيامة» ضدها في المحافل القانونية الدولية.

ومن المنطقي الافتراض أن إسرائيل ستعمد، كما سبق وفعلت في الماضي، إلى محاولة تجاهل الإجراءات والتدابير الدولية أو حتى التنصل منها. لكن هذا واستمرارا للحال سابقا يقود الوضع نحو ما تخشاه إسرائيل. فالدولة العبرية تحاول الانخراط ضمن مجموعة الدول الأكثر تقدما في العالم ليس فقط من الناحية الاقتصادية وإنما لجهة نظام الحكم والقوانين المرعية.

وهي تجد نفسها بشكل متزايد في صدام مع الأسرة الدولية التي تحاول فرض قواعد تعامل تقوم على الحق والقانون، على الأقل وفق ما تراه. وهذا يثير مخاوف الدولة العبرية من زعزعة ما تعتبره «شرعيتها» في نظر الغرب الذي كان ولا يزال الحاضنة الأساسية لها.

ولذلك ثمة أهمية لتصريحات وزير الخارجية الإسرائيلية، أفيغدور ليبرمان، حول الحاجة لفعل شيء في ضوء ما يحدث من تغيير في الموقف الأوروبي. وأعلن صراحة أن ما يهم إسرائيل ليس الفلسطينيون ولا الدول العربية بل دول غرب أوروبا التي صوتت دولتان منها في مجلس الأمن، فرنسا ولوكسمبورغ، لمصلحة مشروع القرار الفلسطيني وامتنعت بريطانيا عن التصويت.

في كل حال، وخلافا للعنجهية الإسرائيلية سابقا التي كانت تندفع في كل رد على الخطوات الفلسطينية إلى تعزيز الاستيطان واعتبار ذلك الرد الصهيوني المناسب، تتحدث الصحف عن أن رد نتنياهو وحكومته سوف يتجنب هذه المرة تعزيز الاستيطان.

فمثل هذه الخطوة تزيد الطين بلة، خصوصا أن أول جرائم الحرب الإسرائيلية المستمرة التي ستناقش في المحكمة الجنائية الدولية هي قضية الاستيطان والجدار الفاصل التي صدر بشأنها رأي استشاري من محكمة العدل الدولية.

عموما يبدو أن أميركا، لاعتبارات قانونية، ستمتنع، ولو مؤقتا، عن دفع الأموال للسلطة الفلسطينية، كما أن إسرائيل لاعتبارات دعائية في مرحلة انتخابية ستتخذ خطوات من قبيل تجميد تحويل أموال إلى السلطة. لكن السؤال الأهم الذي سيطرح على كل من أميركا وإسرائيل هو:

هل انتهت صلاحية السلطة في نظرهما ويجب البحث عن بدائل أم لا؟

من شبه المؤكد أن السلطة، كما قال رئيس دائرة المفاوضات صائب عريقات، لا تمانع في تسليم إسرائيل المسؤولية عن الوضع. وهناك من يعتبر ذلك تهديدا واضحا لإسرائيل والأميركيين.

فهل ستبادر أميركا لدفع حلفائها لتغطية العجز مؤقتا وتعمل على محاولة تحريك عجلة المفاوضات قريبا لتجنب انهيار فعلي للسلطة وبالتالي وضع المنطقة عموما أمام مأزق كبير؟
 

المصدر | حلمي موسى | السفير

  كلمات مفتاحية

فلسطين فرنسا المفاوضات السياسة بريطانيا غزة التصويت