المسلمون في ألمانيا .. الاندماج الخلاق

الأحد 18 يناير 2015 03:01 ص

كان من المتوقع أن تكون المظاهرات المناهضة للإسلام التي شهدتها مدينة دريسدن، بألمانيا، مساء الاثنين الماضي هي الأكبر خلال ثلاثة أشهر من تاريخ حركة «بيغيدا» سيئة السمعة. بيد أن المائة ألف ألماني الذين نظموا مظاهرات مضادة في مدن أخرى قزَّموا مظاهرات دريسدن التي حشدت 25 ألف متظاهر فقط.

وينبغي أن تنظر أوروبا - خاصة فرنسا- إلى ألمانيا لإرشادها إلى كيفية إدماج الجاليات الإسلامية. ولعل السجل الذي حققته أكبر دول الاتحاد الأوروبي بعيد عن الكمال، ولكنها على كل حال بذلت محاولات جادة -سواء كشعب أو كحكومة- للتوصل إلى حل مقبول.

ولفترة طويلة، كانت ألمانيا تنكر كونها مقصداً للمهاجرين. فقد كانت لديها قضايا أكثر إلحاحاً تتعلق بالهوية الوطنية طوال القرن العشرين، وحتى في السنوات الأولى التي أعقبت التوحيد. وبعدما اتحد الألمان معاً كأمة، شهدت بعض المدن الشرقية أعمال شغب للتعبير عن كراهية الأجانب.

واستغرق الأمر حتى عام 2000، كي تعترف الحكومة الألمانية بأن المولد في ألمانيا هو المعيار للحصول على الجنسية، إلى جانب العرقية الألمانية. ثم وقعت هجمات 11 سبتمبر، بعد أن تم التخطيط لها جزئياً في ألمانيا. ولسنوات عديدة عقب ذلك، كان المسلمون الألمان مثاراً للشك، بالنسبة للحكومة والجمهور على حد السواء.

وفي النهاية، أدركت الحكومة الألمانية أن الرهاب الإسلامي «الإسلاموفوبيا» لا تقل خطورة عن التطرف. ويقول «فولفجانج شيوبله»، وهو حليف رئيسي للمستشارة «أنجيلا ميركل» ووزير ماليتها، إن «الإسلام جزء من ألمانيا وأوروبا». وقد أضاف في تصريحات لـ«دويتش اسلامكوفيرينز»، وهو منتدى أنشأ في 2006 للتفاعل بين الحكومة والمجتمع الإسلامي «إنه جزء من ماضينا ومستقبلنا، والمسلمون هم موضع ترحيب في ألمانيا».

ومنذ ذلك الحين، تمسكت حكومة ميركل بهذا الاتجاه. وفي 2010، نُقِل عن المستشارة قولها إن محاولات الدولة لخلق مجتمع متعدد الثقافات قد «فشلت تماماً»، ولكنها أكدت أن الإسلام كان جزءاً من ألمانيا، وهذا لا يعني فقط لاعب الكرة مسعود أوزيل، مهاجم خط الوسط في المنتخب الألماني، ذا الأصول التركية.

بل إن حديث ميركل عن «الفشل» يشير إلى التطبيقات العملية للاندماج: افتقار الحكومة النسبي للنجاح في جعل المهاجرين يتعلمون الألمانية، أو استئصال عادة الزيجات القسرية، أو جعل الأطفال المسلمين يختلطون بصورة أكبر مع أطفال من ثقافات أخرى في المدارس.

وفي الواقع، فإن قبضة الحكومة على هذه التطبيقات العملية تشهد تحسناً. ووفقاً لتقرير أعده معهد ساسات الهجرة في 2013، فإن 34% من الأطفال المسلمين في ألمانيا يحصلون على الشهادة الثانوية، مقابل 20% في فرنسا. وعلاوة على ذلك، فإن 95% من الأطفال المسلمين يشاركون في الألعاب الرياضية في المدارس. وقد أصبح التنوع الثقافي أمراً طبيعياً وعادياً جداً في برلين، مع وجود 13,4% من السكان المهاجرين.

وبطبيعة الحال، فإن المدارس هي أفضل مكان لترسيخ التنوع في المجتمع. وألمانيا -بعكس فرنسا- لديها نمو طبيعي سلبي للسكان، حيث إن ثلث الأطفال دون السادسة ينتمون للجيلين الأول والثاني من المهاجرين، مقارنة بـ20% من عموم السكان.

ويحصل 80% من السكان المسلمين في ألمانيا، مقارنة بـ78% في فرنسا، على دخلهم إما من الوظائف أو من مشاريعهم الخاصة. ويتقبل المسلمون الألمان أساليب الحياة الغربية أكثر من أمثالهم في دول أوروبية أخرى. ووفقاً لتقرير حديث لمؤسسة «برتلمسان ستيفتونج» الألمانية، فإن 90% من المسلمين الذين يعيشون في برلين يعتقدون أن الديمقراطية شكل جيد للحكم.

في المقابل، يقول 61% من المواطنين الألمان إن الإسلام لا يتلاءم مع العالم الغربي - مقارنة بنسبة 52% في 2012.

وعلى رغم ذلك، فهذا يتغير تدريجياً: فبينما يشعر 61% من السكان الذين تتجاوز أعمارهم 54 بأنهم مهددون من قبل الإسلام، يشاركهم 39% فقط ممن هم تحت سن الـ25 في هذا الشعور بالتهديد المزعوم. ويقوم نظام المدارس غير التمييزية بدوره أيضاً في دعم الاندماج.

وتشير الاستجابة القوية للألمان العاديين للرد على تحدي حركة «بيغيدا» إلى رغبتهم في قمع أية ميول معادية للأجانب قد تنشأ لديهم، والعمل على بناء ألمانيا متعددة الثقافات ومتعايشة ومندمجة بشكل إيجابي. إن السلام أمر طبيعي في حين أن الكراهية ليست كذلك، كما يعلم الألمان جيداً من تاريخهم الحديث.

* ليونبد بيرشيدسكي كاتب روسي مقيم في برلين

المصدر | خدمة «واشنطن بوست وبلومبرغ نيوز» - ترجمة الاتحاد الظبيانية

  كلمات مفتاحية

ألمانيا المسلمون الاندماج الخلاق مظاهرات مناهضة للإسلام دريسدن حركة بيغيدا الاتحاد الأوروبي

الإسلام «أخَّر» أوروبا !

فرنسا: منع طالبة من دخول المدرسة بسبب ارتدائها «تنورة طويلة»!

رئيس وزراء فرنسا: الإسلام جزء من بلادنا وسيبقى فيها

نائبة بريطانية ثمانينية تطالب بحماية المسلمات من «الشريعة»

رئيس التشيك: اندماج المسلمين في أوروبا «مستحيل»