تقرير: أزمات المفرج عنهم بمصر لا تقل قسوة عن فترات اعتقالهم

الأربعاء 31 يناير 2018 02:01 ص

«المفرج عنهم يتعرضون لأزمات نفسية ومادية أقسى بعد خروجهم»، هكذا خلصت دراسة حديثة صادرة عن «التنسيقية المصرية للحقوق والحريات» (منظمة حقوقية مصرية غير حكومية)، لرصد أوضاع المعتقلين في البلاد عقب الإفراج عنهم.

الدراسة قالت إن «الضغوط تزداد على المفرج عنهم في ظل معاناة الحياة اليومية، بدءا من البحث عن عمل، أو السفر للخارج هربا من الملاحقات الأمنية المتوقعة، فضلا عن حالة العزلة التي فرضها بعضهم على أنفسهم أو فرضتها عليهم الأجواء في مصر».

وحسب الأمين العام للتنسيقية «عزت غنيم»، فإنه طبقا لحالات موثقة فإن «المفرج عنهم يتعرضون لأزمات نفسية ومادية بعد خروجهم، نظرا لتغير الأوضاع التي تركوها قبل حبسهم».

أزمات نفسية

وعن أبرز المشاكل التي رصدوها، قال «غنيم»: «الخوف من الملاحقات الأمنية هي الأكثر، مما يدفع المفرج عنه للبحث عن محل إقامة آخر غير الذي كان يعيش فيه، وربما يضطر إلى تغيير إقامته أكثر من مرة، ويكون مجبرا وقتها لتغيير مدارس أبنائه، وعلاقاته الاجتماعية، وغالبا ما يلجأ إلى العزلة والانطواء حتى لا يعرفه أحد».

وتابع: «هذا بالإضافة إلى مشاكل الحصول على عمل، نظرا للإجراءات الأمنية القاسية التي فرضتها أجهزة الأمن على أصحاب العمل، لكن حتى إذا لجأ إلى السفر للخارج فإنه يواجه أزمة كبيرة في الخروج الرسمي من المطار، لأن بعضهم ممنوع من السفر، وفي حالة ذهابه إلى المطار فإن القبض عليه مرة أخرى أمر وارد للغاية، أما إذا خرج بشكل غير رسمي فإنه بهذا الشكل قد فرض على نفسه الهجرة الدائمة، أو كما يقولون اشترى تذكرة ذهاب بلا عودة».

وعلى الرغم من أن القانون المصري لم يضع نصوصا مقيدة للمفرج عنهم في العمل أو الحركة، إلا أن «الأمر مختلف مع السجين السياسي الذي يواجه تعنتا إما نتيجة الخوف الذي يسيطر على المجتمع المصري الآن، أو نتيجة تأثر بعضهم بالحملات الإعلامية التي شوهت المخالفين لنظام الرئيس عبدالفتاح السيسي، وخاصة جماعة الإخوان المسلمين»، حسب «غنيم».

مشكلات متعددة

أما الباحث الاجتماعي «عبدالله إبراهيم»، الذي شكل مع عدد من الشباب والفتيات والسيدات ما يشبه مجموعة عمل لدعم المعتقلين وأسرهم، فقال: «رصدنا الكثير من الأزمات التي يعانيها الخارجون من السجون، منها الأزمات النفسية التي يواجهونها وهو ما يمكن أن يؤثر على استقرارهم الأسري، فهناك مثلا حالات وصلت لحد الطلاق لفشل الزوج الذي كان معتقلا في تلبية متطلبات بيته الزوجية والاقتصادية، وهروبه من المسؤولية الأسرية، وآخرون تعرضوا لمشاكل صحية مثلت لهم صدمة نفسية كان يصعب تجاوزها مما أدخلهم في حالة من الانطواء والاكتئاب».

وأضاف أن أبرز المشاكل هي أيضا المتعلقة بالحصول علي العمل، نظرا للفصل التعسفي الذي تعرضوا له قبل خروجهم من السجون، وما وجدوه بعد خروجهم من صعوبة الحصول على عمل.

كما تحدث «إبراهيم» عن حالات حاولت السفر بالفعل، ولكن تم اعتقالهم مرة أخرى، وأشخاص آخرين تمكنوا من السفر بشكل غير رسمي، ولكنهم تركوا أهلهم، وأصبحوا في أزمة إضافية لأنه بات عليهم توفير مصروفاتهم ومصروفات أهاليهم في مصر، وهو ما اضطرهم للعمل في مهن لا تتناسب مع مؤهلاتهم أو إمكاناتهم كعمال نظافة أو بائعين على الأرصفة، قائلا: «لم يعد الاعتقال يوقف حياة السجين فقط، بل يدمرها وربما ينهيها».

عزلة

الطبيب النفسي، كان ملاذ «أم دعاء»، لبحث حالة زوجها المفرج عنه بعد اعتقاله استمر عامين، إذ تغير كثيرا بعد أن خرج من محبسه في سجن أبو زعبل شمالي القاهرة في أبريل/نيسان 2017، حسب صحيفة «العربي الجديد».

وتحكي «أم دعاء»، أنها كانت تتوقع أن يعاملها زوجها بشكل جيد بعد خروجه، كما كان يحدث قبل سجنه، ولكنها فوجئت طبقا لروايتها، بشخص آخر مختلف في مشاعره العاطفية وعلاقاته الاجتماعية، «إذ تحول من إنسان منفتح إلى انطوائي يخاف من مواجهة الناس»، موضحة أن زوجها قد تعرض للتعذيب داخل محبسه، وهو ما ترى أنه السبب المحتمل لتغير حالته.

تشويه

حالة «أبو دعاء»، ليست الوحيدة، بل اعترف بها «شريف الحلواني»، الذي أفرجت عنه السلطات المصرية في يوليو/تموز 2017، بعد اعتقال استمر لثلاث سنوات بتهمة الانضمام لجماعة «الإخوان المسلمون» والعمل على قلب نظام الحكم.

وقال «الحلواني»، إنه يعاني من عزلة تدفعه إلى البقاء في منزله طوال اليوم.

وأضاف: «حتى عمله الذي استطاع أن يعود إليه بعد إطلاق سراحه، أصبح يشعر فيه بالوحدة والكراهية، فزملاؤه في العمل إما أنهم خائفون من التعامل معه حتى لا يتعرضوا للمساءلة الأمنية، وإما أنهم يتعاملون معه بحالة من الكره، رغم أنه حاصل على حكم قضائي بالبراءة».

وأضاف أنه «تعرض للاعتقال قبل ثورة يناير/كانون الثاني 2011 على يد نظام (الرئيس الأسبق حسني مبارك)، أكثر من مرة، وكان زملاؤه وجيرانه يقابلونه بالترحيب والاحتفاء، وهو ما اختفى بعد التجربة الأخيرة، رغم ثقة معظمهم أنه تعرض للظلم، ولعل هذا ما دفعه إلى عدم الانتظام في العمل مما أثر عليه بالسلب من الناحية المادية».

خراب ديار

في مصر، مثل شعبي شائع يقول «موت وخراب ديار»، في إشارة إلى عمق الأزمة التي قد يتعرض لها الشخص، وجسدها «أبو المعاطي الحسيني»، الذي تخرج في كلية الطب البيطري بجامعة المنصورة (دلتا النيل/شمال) قبل 15 عاما، وتفرغ للعمل في مشروعه الخاص بمزرعة للدواجن كانت تحقق له دخلا جيدا حتى تم اعتقاله على ذمة قضية تظاهرة في مدينة المنصورة، عام 2015.

خرج «الحسيني» من السجن بعد عام على ذمة القضية التي صدر عليه فيها حكم غيابي بالسجن 7 سنوات، ما اضطره لترك مزرعته والتنقل من بلد إلى آخر هربا من الملاحقات الأمنية، وهو ما أدى في النهاية لتراكم الديون عليه وتعرضه لأزمات مالية متعددة، تسببت في إصابته بعدة أمراض مات على أثرها بالحسرة، تاركا وراءه زوجة وثلاثة أبناء ملزمين بسداد مليون جنيه مصري (ما يقرب من 58 ألف دولار أمريكي).

ومنذ الانقلاب العسكري، منتصف 2013، توسع النظام الحاكم في مصر في إنشاء السجون، وارتفع عدد المسجونين في السجون المصرية، متجاوزا رقم 60 ألف معتقل، وفق تقارير حقوقية.

وأفادت تقارير عن تعرض الكثير من المعتقلين لانتهاكات لحقوق الإنسان، وتجاوز مدة حبسهم احتياطيا المدد المنصوص عليها في القانون والدستور، في قضايا أغلبها سياسية.

ومن آن لآخر، يدعو مسؤولون وسياسيون مصريون إلى إقرار قوانين للنيل من المعتقلين، نكاية في جماعة «الإخوان المسلمون»، التي تصنفها السلطات رسميا تنظيما «إرهابيا»، منذ سبتمبر/أيلول 2013.

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

المعتقلون مصر عزلة تشويه سجون السيسي اعتقالات

الروبي نموذجا.. عذابات يومية للمطلق سراحهم بمصر أو إعادة الاعتقال