ستراتفور: ماذا يعني هجوم حفتر على طرابلس لمستقبل ليبيا؟

الخميس 11 أبريل 2019 09:04 ص

دخل الصراع في ليبيا مرحلة جديدة حيث أرسل المشير "خليفة حفتر" جيشه المعروف باسم "الجيش الوطني الليبي" في هجوم على طرابلس، مما أدى إلى اندلاع حرب مفتوحة مع حكومة الوفاق الوطني المنافسة، للمرة الأولى منذ نحو 4 أعوام.

وبعد أن أعلن "حفتر" عن هجومه على طرابلس في 4 أبريل/نيسان الجاري، سرعان ما سيطر الجيش الوطني الليبي على غريان، المدينة التي تبعد نحو 80 كم جنوب العاصمة، وعلى مطار طرابلس الدولي.

ومع ذلك، سرعان ما تعثر تقدمه. وفي قتال لاحق، فقد السيطرة على المطار، ومع توقف التقدم إلى الأمام، من غير المحتمل أن تتمكن قوات "حفتر" من السيطرة الكاملة على العاصمة في أي وقت قريب، مما يؤدي إلى احتمال كبير بأن تصبح المعركة شأنا ممتدا.

وفيما يلي بعض النقاط المهمة التي يجب وضعها في الاعتبار مع استمرار الصراع.

حسابات حفتر

يبدو أن "حفتر" كان يعتقد أن الهجوم المفاجئ كان سيسمح للجيش الوطني الليبي التابع له بتعزيز السيطرة على المواقع الرئيسية في طرابلس، قبل أن تتمكن الميليشيات المؤيدة لحكومة الوفاق الوطني من الالتحام والرد على هجومه.

وكان من المحتمل أيضا أن "حفتر" كان يأمل في أن التحالفات مع بعض القوات المحلية كانت ستساعد الجيش الوطني الليبي على السيطرة على الأراضي والحفاظ على الهجوم، في ضوء نجاح جيشه في اتباع هذا النمط في الانتشار جنوبا وشرقا من معاقله في شرق ليبيا؛ حيث كان سيتحرك بسرعة للاستيلاء على الأراضي، ثم يسعى تأمين الدعم من الحلفاء المحليين للمساعدة في السيطرة عليها.

لكن هذه الاستراتيجية لن تنجح في طرابلس. فالميليشيات القادمة من طرابلس ومصراتة القريبة، المؤيدة لحكومة الوفاق الوطني، هي المعارضة الأكثر تدريبا والأفضل تجهيزا التي واجهها الجيش الوطني الليبي حتى الآن. على سبيل المثال، تمتلك ميليشيات "مصراتة" مخابئ للأسلحة والمعدات التي صادرتها من جيش الزعيم السابق "معمر القذافي" أثناء الحرب الأهلية في ليبيا عام 2011.

كما تم تزويدها بدعم إضافي وتدريب على مر السنين، حيث ساعدوا في محاربة متشددي تنظيم "الدولة الإسلامية".

وبعد كل شيء، كانت ميليشيا "البنيان المرصوص" التابعة لمصراتة، وليس الجيش الوطني الليبي، هي التي هزمت الدولة الإسلامية في معقلها في سرت عام 2016. ولأن القتال في فنائهم الخلفي، فليس لدى تلك الميليشيات خطوط إمداد طويلة لحمايتها، ما يترك الحرية لقواتهم للتحرك بسرعة حسب الضرورة.

ولكي يحالف "حفتر" النجاح في هذا الصراع، سوف يحتاج إلى معرفة كيفية حماية خطوط الإمداد التابعة لقواته، والتي تمتد عبر مئات الكيلومترات من الصحراء إلى قاعدة عملياته بالقرب من بنغازي.

وكانت أكبر نقاط الضعف في الجيش الوطني الليبي هي حجم قواته بالنسبة إلى المساحات الشاسعة من الأراضي التي يحاول السيطرة عليها في جميع أنحاء ليبيا.

وفي هجوم سابق هذا العام للاستيلاء على حقول النفط في جنوب ليبيا، كان بإمكان "حفتر" الاعتماد على القوة الجوية لاستهداف وتفريق الميليشيات الصغيرة التي تقاتل الجيش الوطني الليبي، متجاوزا الحاجة إلى حماية خطوط الإمداد الطويلة. لكن من غير المرجح أن تنجح هذه الاستراتيجية في بيئة حضرية مثل طرابلس، حيث يجب أن يعتمد "حفتر" على قواته البرية، والحلفاء المحليين.

ويترك هذا خط الإمداد الطويل للجيش الوطني الليبي عرضة للهجوم.

وتعد القنوات الرئيسية على طول هذا الطريق في الجفرة، بوسط ليبيا، وكذلك غريان، ومطار طرابلس الدولي، وهي جائزة يواصل الجانبان القتال عليها. ومن المرجح أن تستمر القوات الموالية لحكومة الوفاق الوطني في استهداف تلك المراكز الحاسمة.

ومع امتداد قوات "حفتر" والميليشيات المتناحرة والجماعات الإرهابية في الأراضي التي استولى عليها الجيش الوطني الليبي بالفعل، كما هو الحال في بنغازي، ستتاح لها الفرصة لاستعادة موطئ قدم لها هناك.

ومن شأن أي قتال كبير ينشأ في هذه المناطق أن يحد من قدرة "حفتر" على الحفاظ على العمليات في طرابلس.

تحديات الوفاق

اجتاحت الانقسامات الداخلية حكومة الوفاق الوطني وحلفائها غرب ليبيا منذ تشكيل الحكومة عام 2016، مع اندلاع قتال بين الفصائل من حين لآخر. وكان من الواضح أن "حفتر" كان يأمل في أن تمنع هذه الانقسامات الفصائل الموالية للحكومة من تنظيم أنفسها بسرعة لوقف هجومه، لكن حتى الآن، ظلت تلك الفصائل موحدة إلى حد كبير.

وفي الواقع، قبل بدء هجوم الجيش الوطني الليبي ببضعة أيام، أعلنت قوة حماية طرابلس، التي تضم الفصائل الرئيسية الأربعة في طرابلس نفسها، تشكيل غرفة عمليات مشتركة لتنسيق عمل عشرات الفصائل المنفصلة الممتدة بين سرت والحدود التونسية. وحتى الآن، أثبت هذا التحالف نجاعته.

وعندما يصبح القتال حول طرابلس راسخا، سيحاول "حفتر" ومؤيدوه تقويض هذا التحالف وجذب بعض أطرافه. وتعد إحدى المجموعات الرئيسية التي يجب مراقبتها هي "السلفية المدخلية"، المدافعين عن منهج إسلامي مرتبط بالسعودية.

ويتكون الجيش الوطني الليبي الموالي لـ "حفتر" من ائتلاف من مجموعات من الميليشيات من خلفيات مختلفة، بما في ذلك عدد من ميليشيات السلفية المدخلية الأخرى.

وقد يأمل "حفتر"، الذي تحدث مع العاهل السعودي "سلمان" في اجتماع للجامعة العربية في مارس/آذار، في الحصول على دعم المجموعات السلفية لهذا الهجوم.

وسيكون المؤشر الرئيسي لنجاحه هو فوزه بتعاون "قوات الردع" الخاصة في طرابلس، والكتيبة "604"، وهي عضو في فصيل "البنيان المرصوص".

وهناك أيضا فصائل وميليشيات معتدلة في معظم مدن غرب ليبيا قد تتحول إلى دعم "حفتر".

ردود الفعل

ودعمت كل من مصر والإمارات العربية المتحدة بقوة "حفتر" والجيش الوطني الليبي، الذي حظى أيضا بالمساندة من فرنسا وروسيا بدرجة أقل. لكن مدى الدعم الذي سيقدمه الفاعلون الخارجيون لجيش "حفتر" لا يزال غير واضح.

ونأى الإماراتيون، الذين هم ربما أكثر مؤيدي "حفتر" عدوانية، بأنفسهم عن دعم العملية بشكل علني، ورغم استضافة "السيسي" لـ"حفتر" في القاهرة، فإن مصر ستكون حذرة من معركة قد تتحول إلى حرب أهلية ليبية أخرى.

وقد تسمح الفوضى الناتجة عن صراع آخر واسع النطاق، مع استمرار الأزمات السياسية في الجزائر والسودان، بظهور تنظيم "الدولة الإسلامية" مجددا.

ولكن حتى لو كان "حفتر" قد شن الهجوم دون مباركة من تلك الجهات، فلن تتخلى تلك الحكومات عن دعمها له. وظهر هذا بالفعل في عرقلة الروس لبيان لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بشأن المعركة يشجب مباشرة "حفتر" والجيش الوطني الليبي.

وجدير بالذكر أن "حفتر" قد شن الهجوم قبل 10 أيام فقط من انعقاد المؤتمر الوطني المزمع عقده في الفترة من 14 إلى 16 أبريل/نيسان كجزء من عملية الحوار التي تقودها الأمم المتحدة.

ويبدو كما لو أنه شن هجومه على أمل الحصول على نفوذ كبير في الحوار. لكن المؤتمر تم تأجيله بسبب الهجوم، وبدا من الواضح أنه في حين أن الأطراف المتنافسة قد كانت على استعداد للتفاوض مع "حفتر" من قبل، فمن المرجح أن يتسبب هجومه الآن في معارضة أي تنازلات كبيرة لصالحه مع استمرار القتال.

المصدر | ستراتفور

  كلمات مفتاحية