مكانة الخليج في استراتيجية «الحزام والطريق» الصينية

الاثنين 3 أغسطس 2015 06:08 ص

يعد نفط الخليج بمثابة الدافع الاستراتيجي للصين، من أجل أن تكثف جهودها وثقلها في هذه المنطقة الحساسة من العالم.

ففي عام 2013 طرح الرئيس الصيني «شي جين بينغ» في كازاخستان، استراتيجية الحزام والطريق، خلال زيارته بلدان آسيا الوسطى، التي تركز على إحياء التحالفات الاقتصادية والاستراتيجية مع بلدان «طريق الحرير»، آسيا الوسطى والخليج وجزء كبير من الشرق الاوسط، الذي يشمل أكثر من ثلاثين دولة.

كان ما طرحه الرئيس الصيني خلال تلك الزيارة، يندرج حول إنشاء صندوق لتمويل البنية التحتية، تشرف عليه البنوك الصينية، وستستخدم لبناء وتوسيع السكك الحديدية والطرق وخطوط الأنابيب في المقاطعات الصينية، التي هي جزء من استراتيجية لتسهيل التجارة عبر الطرق البرية والنقل البحري.

وسيتم تطبيق المزيد من السياسات لتشجيع المقرضين الصينيين، لتمويل البنية التحتية في البلدان الواقعة على الطريق، الذي يمتد إلى دول الخليج الذي تعتبرها الصين بوابة الطاقة العالمية. وبالـــتالي لا بد لنا أن نركز على أهم محددات «استراتيجية الحزام والطريق» الصينية في الخليـــج، التي تتلخص بالآتي:

1 ـ أمن الطاقة: تسعى الصين إلى تأمين ما أمكنها من مصادر الطاقة الضرورية لاقتصادها السريع النمو، حيث تعد الآن ثاني أكبر مستهلك للنفط، وثالث أكبر مستورد، ويشكل استهلاكها المتزايد نسبة أربعين في المئة من تزايد الاستهلاك العالمي، ويتوقع على نطاق واسع أن تتضاعف الواردات الصينية من النفط والغاز مع نهاية العقد الحالي. تستورد الصين من الشرق الأوسط 58 في المئة من حاجتها، ويتوقع أن تصل هذه النسبة إلى 70 في المئة مع حلول عام 2015، إذ أدى الاعتماد المتزايد على نفط الخليج إلى إعادة النظر في سياساتها الخارجية، وإلى إعادة تقييم الاستراتيجية الصينية، من خلال اتخاذ مواقف خارجية تتطابق مع مواقف بعض الدول النفطية، كالسياسة الصينية حيال الملف النووي الايراني.

2 ـ التوغل في العمق الاستراتيجي للولايات المتحدة: تتجه الصين لبناء علاقات قوية مع دول الخليج، حيث تسعى بكين في هجومها الدبلوماسي، إلى ما هو أكثر من موضع قدم، في منطقة تزداد فيها معارضة السياسات والحضور الأمريكي، وتأمل بكين في منافسة الحضور الأمريكي، بل تحديه في هذه المنطقة الحساسة، ويندرج ذلك في إطار الطموحات الصينية العالمية التي تهدف إلى تحجيم القوى العالمية المنافسة لها، وفي مقدمتها الولايات المتحدة والقوى الاوروبية.

3 ـ دوافع اقتصادية: تشير بعض التقارير إلى أن الصين ستصبح أكبر الأسواق التصديرية لدول مجلس التعاون الخليجي، بحلول عام 2020، بقيمة صادرات تبلغ 142 مليار دولار، وواردات تصل إلى 137 مليارا، ليبلغ حجم التبادل التجاري بين الصين ودول مجلس التعاون نحو 279 مليار دولار عام 2020، وقُدّرت صادرات دول الخليج إلى الصين، بنحو 110 مليارات دولار، والواردات بـ70 مليارا، خلال العام الحالي، وأفاد التقرير بأن التجارة الخليجية الصينية نمت في شكل أسرع من أي من الشركاء التجاريين الآخرين في العالم، بين عامي 2010 و2013، إذ تضاعفت الواردات الخليجية من الصين منذ عام 2007، وينسحب النمو على الاستثمارات الصينية في دول الخليج، خصوصاً في قطاعات المقاولات وتجارة الجملة والتجزئة، وفاق عدد الشركات الصينية المسجلة في دبي الـ3 آلاف مقارنة بعام 2005، إذ كانت لا تتعدى 18 شركة.

4 ـ احتواء التوسع الأوروبي: تعــــمد الصين اليوم إلى محاولة تحجيم دور القوى الاوروبية (المانيا، المملكة المتحدة، فرنسا) من خلال مزاحمة هذه القوى على مناطق نفوذها، الامر الذي يوفر لها مراوغة استراتيجية على خريطة «طريق الحرير»، خصوصاً في منطقة آسيا الوسطى التي تمثل بوابة الاصطدام، فالوجود في الخليج هو مناورة استراتيجية، أحد اهدافها مراوغة القوى الاوروبية وتحجيم نفوذها في الخليج، عسكرياً وسياسياً واقتصادياً.

5 ـ الربط الاستراتيجي بين الخليج وأفريقيا: تتجه الصين اليوم إلى الوجود العسكري بين الخليج وأفريقيا، من خلال القاعدة العسكرية التي تعمد الصين إلى إنشائها في جيبوتي، فالخليج اليوم يشكل الرابط الاستراتيجي بين آسيا الوسطى وافريقيا، وبالتالي يمثل الخليج نقطة الصفر بين المحورين الاستراتيجيين. 

6 ـ محاولة الوجود العسكري: يتمحور الوجود العسكري للصين، من خلال معاملات عسكرية مع والسعودية وإيران، والتعاون الأكبر كان بالطبع مع إيران، ففي الفترة السابقة زارت مدمرة وفرقاطة صينيتين ميناء بندر عباس الإيراني، ثمّ بدأتا تدريبات مشتركة مع القوات البحرية الإيرانية لمدة أربعة أيام، هذه هي الزيارة الأولى لسفن بحرية صينية لإيران، لم يكن هذا هو الظهور الوحيد للبحرية الصينية في الخليج، ففي عام 2010 رست سفن صينية في ميناء زايد في الإمارات، هذه السفن التي زارت إيران والإمارات تشارك في عمليات مكافحة القرصنة في خليج عدن. وفي عام 2010 أيضًا قامت طائرات صينية بالتزود بالوقود من إيران في طريقها إلى تدريبات في تركيا، كانت هذه الزيارة أول زيارة تقوم بها طائرات حربية أجنبية لإيران منذ ثورة 1979.

7 ـ دعم القضايا الاقليمية (الأزمة السورية) من المنظار الخليجي: تشكل الصين ثاني شريك استراتيجي لسوريا، فتعمد الصين إلى التقارب من القوى الخليجية، خصوصاً قطر والسعودية، من أجل دفع الازمة السورية نحو المزيد من الانفراج، فتعميق العلاقات الصينية الخليجي سوف ينعكس بشكل أو بآخر على مقتضيات الأوضاع الميدانية في سوريا.

8 ـ ملء الفراغ الاستراتيجي الذي خلفه التراجع الأمريكي: تتجه الصين اليوم إلى اتباع استراتيجية مضادة للاستراتيجية الامريكية، التي تقوم على أساس احتواء التصاعد الصيني في شرق آسيا، ورداً على هذه الاستراتيجية وتلافياً للاصطدام المباشر مع الولايات المتحدة في شرق آسيا، اتخذت الصين على عاتقها الوجود في الفضاء الجيوستراتيجي للولايات المتحدة، خصوصاً المناطق التي تعاني من فراغ استراتيجي كمنطقة الخليج. 

إن أمن الطاقة من حيث المصادر وطرق الإمداد سيظل المحرك الرئيسي للسياسة الصينية تجاه المنطقة، ولهذا فإنها لا يمكنها أن تتخلى تمامًا عن النفط الإيراني وتضع كل ثقلها في سلة دول الخليج، لأنها تدرك أن دول الخليج ستكون أكثر تكيفًا مع المطالب الأمريكية، عندما تستدعي الظروف، وهي كذلك لا يمكن أن تعتمد بشكل كامل على النفط الروسي، حتى إن نجحت بمد أنابيب بين الجانبين، لأسباب استراتيجية، فهي اليوم تعمد إلى العقيدة الاستراتيجية (المرنة) التي تتمثل بالابتعاد عن الاصطدام المباشر مع الخصم، وفسح المجال امام المصالح المتبادلة.

قد تسعى الصين إلى تعزيز حضورها في القطاعات الإنتاجية للنفط في الخليج معتمدة في ذلك على أسعارها التنافسية وشروطها المقبولة بشكل أكثر من الشركات الغربية، كما أنها من المتوقع أن تواصل السعي لوجودها العسكري، من خلال زيادة قواتها المشاركة في عمليات حفظ السلام أو مكافحة القرصنة، وفي الوقت نفسه السعي لإيجاد قواعد عسكرية لحماية إمداداتها النفطية، وقد بدأت بالفعل مفاوضات مع باكستان وأخرى مع سيشل، في الوقت الذي تقوم فيه بتطوير قدراتها البحرية وبناء حاملة طائرات.

واخيراً يمثل الخليج العربي بالنسبة للصين المنبع الأول للمجال التجاري والاستثماري والنفطي، وعليه تدرك الصين ضرورة أن تعزز استثماراتها في المنطقة مستقبلا، من أجل تعزيز مصالح الصين الاساسية للطاقة، وفي هذا الصدد، فانه من المحتمل أن تكون هناك منافسة بين الصـــــين والقوى العالمية الاخرى، كالولايات المتحدة والقوى الاوروبية، وبالتالي تعتبر منطقة الخليج نقطة التقاء الحزام الاقتصادي لـ«طريق الحرير» البري و»طريق الحرير» البحري للقرن الواحد والعشرين، وربما في المستقبل ستتمكن استراتيجية الحزام والطريق من قيادة العلاقات الصينية العربية (الخليجية).

٭ علي زياد باحث متخصص في الشؤون الدولية ـ العراق

  كلمات مفتاحية

الصين الخليج نفط الخليج آسيا تحالفات اقتصادية أمن الطاقة الشرق الأوسط النفط أمريكا

السعودية تستعيد حصتها النفطية في السوق الصينية بـ 1.3مليون برميل يوميا

السعودية تفقد صدارة موردي النفط إلى الهند والصين

«بلومبيرج»: إمدادات النفط السعودي تفوق المنافسين في الاستحواذ على الطلب الصيني القياسي

السعودية تعلن استعدادها تلبية أي زيادة في طلب الصين على النفط

«أرامكو السعودية» تسعى لمضاعفة استثمارات الصناعات التحويلية في الصين

11 مليار دولار صادرات الصين للسعودية في النصف الأول من 2015

50 مليار دولار حجم التبادل التجاري بين الإمارات والصين في 2014

«سلطان الجابر» يبحث في بكين تعزيز العلاقات الاقتصادية بين الإمارات والصين

100 مليار دولار حجم التبادل التجاري بين الإمارات والصين بنهاية 2015

لأول مرة.. قطر تستضيف معرض «صنع في الصين» الأسبوع المقبل

«محمد بن زايد» يبدأ زيارة رسمية إلى الصين الأحد المقبل

الصين تقدم 20 مليار دولار لبلدان «الحزام والطريق»

باكستان تدعو السعودية للانضمام إلى "الحزام والطريق"

الصين تدعو المزيد من الدول للالتحاق بـ"طريق الحرير"